العراق عالق في متاهة.. من عقدة الحكومة إلى عقدة الرئاسة
دخل العراق في متاهة جديدة تنضاف لمتاهة تشكيل الحكومة بعد تعطل انتخاب رئيس للبلاد، ما طرح فرضيات الفراغ الدستوري في ظل انتهاء ولاية الرئيس الحالي برهم صالح والمرشح ضمن آخرين لولاية رئاسية جديدة وقد يكون الأوفر حظا من بينهم، لكن الوضع عموما يبدو أكثر تعقيدا في بلد محكوم بمحاصصات سياسيوية وطائفية وبالتحالفات الحزبية والمذهبية وبسياقات يحركها صراع نفوذ بين تشكيلات سياسية متنوعة.
وأعلن مجلس النواب العراقي الثلاثاء إعادة فتح باب التسجيل للترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، لمدة ثلاثة أيام اعتبارا من الأربعاء، عقب تأجيل جلسة تصويت لم يكتمل خلالها النصاب القانوني.
وتأجل انتخاب رئيس للجمهورية إلى إشعار آخر لعدم اكتمال النصاب خلال جلسة دعي إليها الاثنين، بسبب مقاطعة كتل سياسية أبرزها كتلة التيار الصدري التي فازت بعدد المقاعد الأكبر في البرلمان خلال الانتخابات النيابية الأخيرة. ولم يحدد موعد لانتخابات جديدة. ويتطلب النصاب حضور ثلثي عدد النواب البالغ 329.
وجاء في بيان رسمي لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي الثلاثاء “قرّرت رئاسة مجلس النواب (البرلمان) فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية ابتداء من الأربعاء 9 فبراير/شباط، ولمدة ثلاثة أيام”.
وعكست الخلافات السياسية التي شهدتها الساحة العراقية خلال الأيام الأخيرة حجم الانقسام بين الأحزاب الرئيسية في بلد غالبا ما تتخذ فيه القرارات المهمة بالتوافق وعلى أساس مفاوضات تجري بعيدا عن الأضواء.
وكان التيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وائتلاف السيادة بزعامة رئيس مجلس النواب السنّي محمد الحلبوسي المتحالف معه والحزب الديمقراطي الكردستاني والممثلة بـ155 مقعدا في البرلمان، أعلنت مقاطعتها السبت الماضي لجلسة انتخاب الرئيس.
ويمنح إرجاء انتخاب الرئيس الكيانات السياسية فرصة أطول للتوصل لاتفاق على مرشح للرئاسة.
ويرى الخبير القانوني علي التميمي أن قرار مجلس النواب الأخير “غير دستوري”، مؤكدا أن المواعيد والإجراءات التي تتعلق بقانون الانتخابات “لا يمكن تجاوزها إلا بقرار من المحكمة الاتحادية أو بتعديل القانون”.
وبين الـ25 مرشحا الذي كانوا يتنافسون على المنصب، سياسيون مخضرمون، أبرزهم الرئيس الحالي برهم صالح القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ووزير الخارجية السابق هوشيار زيباري المنتمي إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني.
لكن المحكمة الاتحادية، أعلى سلطة قضائية في البلاد، قرّرت الأحد تعليق ترشيح زيباري “مؤقتا” بعد شكوى قدمها نواب على خلفية تهم بفساد مالي وإداري. وأكدت كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني تمسكها بترشيحه.
وينذر تمسك الحزب الديمقراطي الكردستاني تمسكها بترشيحه بتفكك التحالف الثلاثي ما يعيد رسم خارطة التحالفات ويهدد بإعادة خلط الأوراق من جديد بما فيها أوراق تشكيل الحكومة، إذ يرفض التيار الصدري وحليفه السنّي ‘ائتلاف السيادة’ ترشيح زيباري المرفوض ايضا من الإطار التنسيقي للقوى الشيعية الخاسرة في أغلبها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
وقالت رئيسة الكتلة فيان صبري لوكالة الأنباء العراقية الرسمية إن “كتلة الديمقراطي تحترم قرار المحكمة الاتحادية الخاص بشأن إيقاف وقتي لمرشحنا هوشيار زيباري”، مبينة أن “زيباري ما زال مرشحنا الوحيد لتولي منصب رئاسة الجمهورية”، مؤكدة أن “الدعوى بشأن زيباري ستحسم خلال اليومين المقبلين”، معتبرة الدعوى “كيدية”.
ويأتي إعلان البرلمان العراقي إعادة فتح باب التسجيل للترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، بينما نقلت وكالة شفق نيوز العراقية الكردية عن مصدر قالت إنه مطلع، أن الرئيس المنتهية ولايته تقدم للمحكمة الاتحادية العليا باستفسار حول شغور منصب الرئيس أو الفراغ الدستوري بعد فشل مجلس النواب في اختيار رئيس جديد للعراق في الجلسة الماضية التي لم تعقد بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني وسط مقاطعة واسعة للجلسة.
وتتمحور الخلافات بين الكتل السياسية حول هذا المنصب وعلى تسمية الكتلة الأكبر التي يتمخض عنها تشكيل الحكومة الاتحادية المقبلة.
وبحسب المصدر ذاته تقدم صالح للمحكمة الاتحادية العليا باستفسار “بعد محاولات لتسلم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، مهام رئاسة الجمهورية بحجة هذا الفراغ وانتهاء دور صالح بعد الدخول بهذا الفراغ”.
ونقلت وكالة شفق نيوز عن مصدرها قوله، إن برهم صالح أرسل الاستفسار للاتحادية العليا لقطع الطريق على الحلبوسي الذي يعتقد أنه يريد تسلم رئاسة الجمهورية بشكل مؤقت لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد إلى جانب توليه رئاسة البرلمان.
ويواجه العراق حاليا عقدتين: الأولى تتعلق بتشكيل الحكومة والثانية بانتخاب رئيس للبلاد في الوقت الذي حسم فيه أمر رئاسة البرلمان رغم من الدعاوى التي تقدم بها نائبان وطعنا فيها بعدم شرعية جلسة انتخاب الحلبوسي رئيسا لمجلس النواب في أول جلسة له عقب الانتخابات البرلمانية.
وفشلت إيران التي أوفدت للمرة الثالثة قائد فيلق القدس الجنرال إسماعيل قاآني في توحيد المكون الشيعي، فبعد لقاء قاآني اليوم الثلاثاء بزعيم التيار الصدري في مقره إقامته بالحنانة، غرّد الأخير بكلمات ظل يرددها منذ اعلان فوز الكتلة الصدرية بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان.
وعبر الصدر لقاآني عن تمسكه بحكومة أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية” وهو ما أكدته تغريدة نشرها على حسابه بتويتر عقب ثالث لقاء مع قائد فيلق القدس الإيراني.
ويتمحور خلاف الصدر مع الإطار التنسيقي للقوى الشيعية الخاسرة في الانتخابات باستثناء ائتلاف دولة القانون الذي فاز بـ33 مقعدا، حول نوري المالكي زعيم الائتلاف.
ويرفض زعيم التيار الصدري أن تضم حكومته المالكي أو حزبه بينما يتمسك قادة الإطار التنسيقي وهم من الموالين لإيران، بأن تكون الحكومة توافقية تضم كل القوى السياسية الممثلة في البرلمان بغض النظر عن عدد مقاعدها تماما كما كان معمولا به في السابق.