العراق يتوصل للمتورطين في الهجوم على حقل كرومر
أفادت اللجنة المكلّفة بالتحقيق في الهجوم الذي استهدف حقل كورمور في محافظة السليمانية في العراق قبل أيام، أن القائد العام للقوات المسلحة المنتهية ولايته، محمد شياع السوداني، صادق على التقرير النهائي الذي أعدته بعد مباشرتها التحقيق بعد مرور يومين على الحادثة. واستعرضت اللجنة ما توصلت إليه بشأن هوية الجهة المنفذة من دون الكشف عنها صراحة، وقدّمت ستة مقترحات تهدف إلى تعزيز حماية الحقل ومنع تكرار الاعتداءات عليه.
العراق يتوصل للمتورطين في الهجوم على حقل كرومر
وشهدت الساحة العراقية خلال الأيام الأخيرة حالة واسعة من المتابعة الرسمية والشعبية بعد الهجوم الذي ضرب أحد أهم منشآت الطاقة في إقليم كردستان، في توقيت يتقاطع مع نزاعات سياسية داخلية حادة وتوترات إقليمية عميقة. ومع إعلان النتائج الأولية للتحقيق، برزت مؤشرات واضحة على أن الجهات المنفذة ترتبط بميليشيات مدعومة من طهران، في إطار نمط عمليات يتكرر منذ أعوام مستهدفاً منشآت الطاقة وممرات الإمداد الحيوية، خصوصاً في المناطق التي تشكل نقاط تماس بين القوات الاتحادية وقوات الإقليم.
وبحسب البيان الصادر عن الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، صباح النعمان، فإن السوداني أصدر أوامره فور وقوع الهجوم بتشكيل لجنة تحقيق واسعة ضمّت قيادات أمنية وعسكرية واستخبارية من بغداد وأربيل على حدّ سواء. وقد باشرت اللجنة أعمالها في 28 من الشهر ذاته، برئاسة وزير الداخلية وعضوية رئيس جهاز المخابرات الوطني ووزير داخلية حكومة الإقليم، إضافة إلى قيادة العمليات المشتركة وعدد من الهيئات الفنية ذات الخبرة العالية بمجال الطائرات المسيّرة.
وشمل الفريق المعني بالتحقيق ممثلين عن الحشد الشعبي، والاستخبارات العسكرية، والأمن الوطني، والدفاع الجوي، وطيران الجيش، والهندسة العسكرية، وفِرَق المتفجرات والأدلة الجنائية في بغداد وأربيل. وقد اعتُبر هذا الحضور الواسع دلالة على خطورة الحادثة من جهة، وعلى الحاجة إلى تعاون مؤسسي مشترك بين حكومتي المركز والإقليم، خصوصاً أن المنطقة التي انطلقت منها المسيّرات تُعد أرضاً رخوة أمنياً شهدت نشاط مجموعات مسلّحة متعددة خلال السنوات الماضية.
وأشارت النتائج الرسمية إلى أنّ الهجوم نُفِّذ بواسطة طائرتين مسيّرتين حلّقتا من اتجاه جنوبي الحقل، وتحديداً من مناطق تقع شرقي قضاء طوز خورماتو، قبل أن تتمكن إحداهما من إصابة الحقل مباشرة بينما سقطت الأخرى خارجه. وقد جرى تسلّم حطام الطائرتين من قبل فرق الأدلة الجنائية التي تعمل حالياً على استرجاع البيانات المخزّنة داخلهما بهدف تحديد مسار الإقلاع وبرامج التشغيل وربما الجهات التي قدمت الدعم الفني.
كما أكد التقرير أن الاعتداء ليس الأول من نوعه، بل يشكل الهجوم الحادي عشر الذي يطال حقل كورمور من المنطقة ذاتها، ما يعكس وجود جهة منظمة تمتلك القدرة على التخطيط وتكرار التنفيذ، وتمتلك كذلك حرية المناورة الجغرافية. وأوضح النعمان أن الأجهزة الأمنية توصلت بالفعل إلى أسماء المنفذين، وأن بعضهم صدرت بحقهم مذكرات قبض في حوادث سابقة، فيما يجري حالياً استكمال الإجراءات الفنية والقانونية لإحالتهم إلى القضاء.
وعلى الرغم من عدم الكشف عن الجهة المسؤولة سياسياً خلف الهجوم، قدّمت اللجنة مجموعة توصيات صيغت على أنها مقترحات لتحويل الحقل إلى منطقة محصّنة أمنياً، بحيث يصبح أقل عرضة للاستهداف. فقد أوصت اللجنة أولاً بإعادة تنظيم انتشار القوات الاتحادية في قاطع شرق صلاح الدين والطرق المحيطة بالحقل، بما يؤمّن سدّ الفجوات التي تمكن الجماعات المسلحة من استخدامها كمعابر لتنفيذ الهجمات، إلى جانب فرض آلية تنسيق مشتركة بين القوات الاتحادية وقوات الإقليم لمنع تضارب الصلاحيات أو تأخر الاستجابة.
كما شددت اللجنة على ضرورة إجراء تغيير في المناصب القيادية داخل المنطقة، عبر استبدال القيادات الحالية بعناصر ذات خبرة في التعامل مع تكنولوجيا الطائرات المسيّرة، باعتبار أن طبيعة التهديدات لم تعد تقليدية. وأكدت اللجنة أيضاً أن حماية الحقل تتطلب تعزيز الاتصال الاستخباري بين بغداد وأربيل بشكل يومي ومباشر، لضمان رصد التحركات غير المعتادة، خصوصاً تلك المرتبطة بنقل أو تجريب طائرات غير مرخصة.
وفي خطوة اعتُبرت الأكثر أهمية ضمن التوصيات، دعت اللجنة وزارة الدفاع إلى العمل مع حكومة الإقليم لتزويد الحقل بمنظومات دفاع جوي قادرة على اعتراض المُسيّرات منخفضة الارتفاع، مع توفير طواقم تشغيل مدربة. كما طالبت بفرض رقابة تنظيمية مشددة على حركة الطائرات المسيّرة المدنية والعسكرية في المنطقة، بحيث لا يتم تشغيل أي مسيّرة إلا وفق موافقات مسبقة وموثقة، تجنباً لاستغلال الثغرات القانونية. وأخيراً، اقترحت اللجنة على مجلس القضاء الأعلى تشكيل لجنة خاصة تضم ممثلين عن الأجهزة الاستخبارية للتعامل مع الملف القضائي وضمان سرعة البت فيه.
وأسفر الهجوم عن تعطّل تدفق الغاز إلى محطات توليد الكهرباء في الإقليم لعدة أيام، بعدما اندلع حريق في أحد الخزانات الرئيسية. ويعد حقل كورمور، الذي تديره شركة “دانة غاز” الإماراتية، ركيزة أساسية في منظومة الطاقة في كوردستان والعراق، وتسبب توقفه في خسائر يومية تقدّر بـ 7.41 ملايين دولار وفق مرصد “إيكو عراق”، وهو رقم يعكس التأثير الكبير لأي ضربة تستهدف قطاع الطاقة.
وأكد الناطق باسم القائد العام أن التحقيق ما يزال مستمراً، وأن الجهات الأمنية ستلاحق كل من ثبت ضلوعه في الاعتداء، مشدداً على أن استهداف الحقل ليس مجرد عمل تخريبي، بل هجوم له انعكاسات اقتصادية وسيادية خطيرة، وأن الدولة لن تسمح بمروره من دون محاسبة صارمة.
ميدل إيست أون لاين



