العقلاء في السياسة
نتيجة الحرب خلق اللصوص
ونتيجة السلام…خنقهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التغيير من الخارج…ثبت أنه تبديل قنابلي حربي لوضع قابل للتطور، فساداً أو نظافة، تطور باتجاه وضع مفتوح على الكارثية خراباً، وخراباً فقط…
إن التغيير من الخارج وبواسطته يصنع بديلاً سيئاً للقذافي في ليبيا، المثال الأسطع تمثيلاً، والعراق وافغانستان، واليمن، وسورية…البديل الذي يدل على شيء واحد: الاستثمار في الخراب البنيوي لهذه الدول…لكن الخطرالدئم المؤكد… هو نشوء مفاهيم الكسل في العمل الوطني، الواقعي، الممكن، المتدرج، والمحتمل.والاعتماد على الخارج النشط.
هذا الكسل الذي يؤثر على طريقة المعارضات، والقوى المتذمرة في طريقة التفكير، وفي إرادة التغيير واساليبه معاً. وبصراحة يؤدي إلى نشوء جماعات متعددة من الكتل السياسية التي تعمل بعقلية المليشيا، حيث تكون الخطط خالية من اعتبارات الوطنية، والتعبئة التي يؤثر الخارج فيها لدرجة الأرتهان. حيث تصبح ،تجريبا غير متقن ،في واقع ملتهب، لانتاج منظومات فكرية وأخلاقية.
في أفضل الأحوال المتخيلة لنتائج الحروب الأهلية… سيكون لدينا سنوات طويلة في إعادة إعمار لخراب لا مبرر له. وسيكون لدينا إعادة صياغة للمكونات الشعبية التي ستدخل السياسة الوطنية من بوابة الناتج عن ميزان القوى الوحشي، خارجي التكوين، سلطة ومعارضة.
وسيكون أمام المجتمعات طريق العودة إلى نقطة الصفر في التعايش وإلغاء الفروق على أساس الهويات… بل العكس، سيبدأ تفعيل هويات ما قبل الوطنية، كالطوائف والأثنيات والعشائر، ستبدأ في استحضار حصصها في إدارة المصالح في بلد يريد إزالة آثار الحرب. أي سيكون الاعتراف بالطوائف كوجود ومكونات، مسودة الاعتراف بالطائفية كإطار للسياسة والعيش المشترك. هذا يعني أن التغيير الذي أتى به الخارج، ومزاعم الثورات…هو الأسوأ بين خيارات كانت موجودة أو مطروحة في البرامج السياسية (الثورية، والسلطوية).
إن أسوأ المفاهيم تأتي بها أقوى محاولات الثورة…مثلاً: الخارج لا يريد حكومات إسلامية في الشرق الأوسط، ولكنه لا يجد أمامه قوى أفضل من الحركات الإسلامية لقيادة التغيير، فيدعمها بالسلاح والمال، ويترك لها المجال العام لتعمل فيه وفق أجندات هو لا يوافق عليها، ولكنه واثق من فاعليتها كنجاح في تدمير المجتمعات العربية والجغرافيا العربية… ما دام الضحية (شعوباً وبلداناً) هي، في كل الأحوال، خسارة لا تعنيهم في حال الفشل، بينما هي ربح مطلق في حال النجاح.
الآن…”العقلانية السياسية”، إذا كانت موجودة، وأشك بوجودها، هي اختصار زمن الحرب، لإطالة زمن المصالحة، والنقاهة، هي تخفيف الخسائر، ما دام المزيد من العناد سيجلب المزيد من الخسائر المؤكدة، وما دام الجميع سيمشون، اليوم أو غداً، في طريق الحوار، الذي كان متاحاً طوال الوقت وممراً إلزامياً في النهاية.
إن “العقلانية القائدة” هي التي ترى اليوم ما سيحدث غداً… فتفعل، ما بوسعها، لكي لا تأتي الأحداث بشروط مطلقة، وخارج التوقعات.
“العقلانية السياسية” هي الاعتراف، من قبل جميع الأطراف، بتعدد أنواع الهزيمة والنصر، وانتقاء الأفضل، وأحياناً يكون الافضل هو الاعتراف بالهزيمة. الاعتراف المبكر بالهزيمة يوفر احتمالات تحويلها إلى نصر.
إن التحديق التفصيلي والدقيق والمستمر بوقائع الميدان السوري ـ مثلاً ـ يؤشر إلى هزيمة المعارضة المسلحة، والهزيمة (قبل أن تبدأ المعركة) للمعارضة السلمية العزلاء. هذا يعني ألا يستمر القتال العبثي، حتى آخر رجل وآخر طلقة. ضمن مفهوم فظيع: “الموت للجميع أو النصر للبعض”.
آخر أنواع “العقلانية البسيطة” : أن يعترف الذين وعدوا الشعب السوري، وعوداً متكررة بهزيمة النظام وانتصار الثورة…أن يعترفوا بمسؤوليتهم عن أخطاء قراءة الواقع، ومكوناته، حين انشغلوا بالعتب على هذه الدولة أو تلك، وبالاستغراب من عدم التدخل العسكري الأمريكي،وبالتقصير التركي، وبالشجب للتدخل الإيراني والروسي، وبهزيمة العزيمة الأوروبية.
إن جميع عناصر الميدان هي مكونات واقعية، من واجب الثوري، في درجة الصفر أو الغليان، أن يراها، لا أن يعاتب أحداً على وجودها. هذا النوع من العتابا، يشبه اللطم في جنازة.
الذين خدعوا أنفسهم…ليسوا أبرياء
والذين خدعوا غيرهم…مدانون.
والذين استمروا في الانخداع والخداع…مستثمرو موت وخراب.
أخيراً…اليوم وليس غداً…لا بد أن يستعمل “عقلاء الحروب” أداة معيارية ما، خالية من غرور القوة… لقياس درجة الخراب المسموح به!