«الفأر الخارق» لا يخشى استخدام قبضاته: رسائل إسرائيلية إلى روسيا قبيل القمة الأمنية
تضع تل أبيب رهانات كبيرة على القمة الأمنية الثلاثية التي ستنعقد فيها أواخر الشهر الحالي، وتجمع مستشاري الأمن القومي لكلّ من إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة. تأمل الدولة العبرية في أن تنجح هذه القمة، التي تحمل دلالات في مكانها وزمانها وهوية المشاركين فيها، في خفض مستوى التهديد المنبعث من سوريا لناحية التواجد الإيراني. لكن ذلك لا يمنع المسؤولين الإسرائيليين من توجيه تهديدات مبطنة إلى الروس، وهم بالمناسبة «ليسوا حلفاءنا» على حدّ تعبير ضابط رفيع، من أن أي شيء لن يمنع «الفأر الخارق» من استخدام قبضاته لمنع تحول سوريا إلى «قاعدة صاروخية إيرانية أخرى».
لا عملية عسكرية قادرة على إخراج إيران من سوريا، إذ إن هذه النتيجة محصورة فقط بالجهود السياسية، ولدى جهة واحدة هي روسيا. هذا التأكيد صدر قبل أشهر عن إحدى أهمّ الشخصيات التي قادت الحرب الإسرائيلية الطموحة لإخراج الإيرانيين من سوريا، والمقصود بها قائد سلاح الجو السابق اللواء أمير إيشل، في كلمة ألقاها في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، بداية العام الحالي.
موقف إيشل ليس استثنائياً، ويشاركه فيه عدد كبير من الاستراتيجيين والخبراء الإسرائيليين، وكذلك «المصادر الرسمية» التي تشدد على قصور الجهد العسكري في مواجهة إيران على الساحة السورية، وإن كان الجميع متفقين على أن القدرة على الإزعاج موجودة، وفي حدّ أقصى القدرة على العرقلة المؤقتة لما تسمّيه تل أبيب «التمركز الإيراني» في سوريا، من دون منعه بشكل كامل.
لكن، هل روسيا راغبة فعلاً في إخراج الإيرانيين من سوريا؟ وإن كانت كذلك، فهل هي قادرة؟ سؤالان يبرزان بين الحين والآخر في إسرائيل، قبل أن يتراجعا، علماً بأن الإجابة عنهما هي في الأعمّ الأغلب سلبية. هذه المرة، يعود السؤالان إلى الواجهة على خلفية لقاء قمة أمني في تل أبيب، مقرّر عقده أواخر الشهر الحالي، بين مستشاري الأمن القومي لكلّ من إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا: مائير بن شابات، وجون بولتون، ونيكولاي باتروشيف. من ناحية تل أبيب، تكمن أهمية هذه القمة في المشاركة الروسية فيها تحديداً، وفي دلالات عقدها في فلسطين المحتلة، إضافة إلى موضوعها الرئيس كما يرد من التسريبات في تل أبيب: الوجود الإيراني في سوريا والمنطقة.
السؤال الثالث الذي يبرز الآن، قبل عقد القمة الأمنية، هو عما إذا كانت موسكو تحمل إلى تل أبيب «عروضاً» جديدة إزاء الوجود الإيراني في سوريا، غير العروض الماضية التي سقطت على الطريق قبل أن تصل إلى مبتغاها؟ سؤال يقابله آخر حول ما إذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة ستستقبلان المستشار الروسي بعروض غير تلك التي عرضت في الماضي وما زالت تُعرض على الروس، ومنها ما يتعلق بنتيجة مُتحقّقة موجباتها ميدانياً، وهي قبول الرئيس السوري، بشار الأسد، على رأس الدولة السورية؟ الواضح أن الجعبة الإسرائيلية والأميركية المتطابقة إزاء سوريا هي على حالها من دون أي تغيير تقريباً، بما يشمل تعذّر القدرة الذاتية على تحقيق الأهداف (ضد الوجود الإيراني)، وتحديداً إن خلت من «مساعدة» الجانب الروسي. في المقابل، لا يبدو أن تغييراً طرأ على الموقف الروسي، إن لجهة الرغبة أو القدرة على إخراج الإيرانيين من سوريا.
يعني ذلك أن الجانب الإسرائيلي تحديداً بات معنياً ــــ من جهة أولى ــــ بأن يؤكد لمحور المقاومة أنه ماضٍ في محاولة فرض إرادته في سوريا، مع أو من دون تجاوب روسي عملي، ومن جهة ثانية بتحسين أوراقه التفاوضية في القمة المقبلة، ودفع الروسي إلى تليين موقفه الرافض للاصطدام مع الإيرانيين، سواء عبر تأكيد استمرار الهجمات في سوريا، بما يمكن أن يتسبّب، وفقاً لفرضيات لم تعد مستبعدة، بخسارة الروس مكتسباتهم أو جزءاً منها، أو عبر الإيحاء بأن الجهد العسكري الإسرائيلي سيستمر مع أو من دون قبول روسي، حتى وإن تسبّب هذا الأمر في مواجهة إسرائيلية ــــ روسية، يبدو الطرفان غير معنيين بها.
على هذه الخلفية، أكد مصدر عسكري إسرائيلي رفيع المستوى، لدى سؤاله عما إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل في حال وقوع المواجهة بين إسرائيل وروسيا، «الحرص على منع نشوب معركة بيننا، إذ لا أحد منا يرغب في مواجهة عسكرية، لأنها ستكون ضارة للجانبين». واستدرك المصدر، في حديث إلى مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية قبل يومين، أنه على رغم إرادة عدم الصدام، ستقوم إسرائيل بكل ما تراه ضرورياً لطرد القوات الإيرانية من سوريا.
وإذا كانت روسيا لا تحبّ ذلك، فهذا ثمن (تدفعه تل أبيب) لضمان أن سوريا لن تصبح قاعدة صاروخية إيرانية أخرى على حدود إسرائيل. وقال الضابط الإسرائيلي الرفيع، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: «واضح للجميع في إسرائيل مَن هم الروس، وإلى أي جهة ينحازون، وإذا أردْتُ أن أُلطِّف كلماتي، فسأكتفي بالقول إنهم ليسوا حلفاءنا. لدينا حليف واحد وهو الولايات المتحدة، أما الروس فهم هنا لأهداف مختلفة تماماً.
إنهم يدعمون نظاماً لديه هدف صريح هو القضاء على إسرائيل إن أمكنه ذلك. كما أنهم جزء من تحالف يدعم إيران». وعن إمكانية المواجهة مع الروس في سوريا، أجاب الضابط: «لنكن واضحين، الجيش الإسرائيلي لا يقارن قدراته بقدرات روسيا، القوة العظمى السابقة التي تمتلك أكبر ترسانة نووية على هذا الكوكب. لكن إن كانت إسرائيل بالقياس فأراً، إلا أنها فأر خارق، صغيرة وقوية ولا تخشى استخدام قبضاتها».
وأضاف: «في الواقع، ما يجعل المعركة المحتملة بين إسرائيل وروسيا خطيرة للغاية، أنها ليست افتراضية. فبعد حرب الأيام الستة عام 1967، تم إرسال مقاتلات سوفياتية إلى مصر، وقد أدى ذلك إلى حادثة سيئة السمعة في تموز 1970، عندما أسقطت مقاتلات إسرائيلية خمس طائرات من طراز ميغ 21 تابعة للسوفيات في ثلاث دقائق، في كمين جوي مخطط له جيداً فوق قناة السويس».
مع ذلك، بدا الضابط الإسرائيلي الرفيع غير قلق من إمكان الصدام العسكري المباشر، لأن روسيا لن تكون مضطرة إلى القتال كي تؤذي إسرائيل، وهي قد تعمد في المقابل إلى تزويد سوريا وايران بأسلحة متطورة، مثل منظومات دفاع جوي، كما فعل السوفيات عام 1973 بتزويد سوريا ومصر بمنظومات دفاعية أدت إلى إلحاق خسائر فادحة بسلاح الجو الإسرائيلي، و«إذا أرادت روسيا، فبإمكانها جعل العمليات الجوية الإسرائيلية مكلفة للغاية».
على رغم كل ما تقدم، يظلّ كلام الضابط الإسرائيلي مغايراً، أو في الحدّ الأدنى متبايناً مع الأجواء السائدة في إسرائيل قبل القمة الأمنية، خاصة في ظلّ تركيز الإعلام العبري و«تسريبات» المؤسسة العسكرية أن القمة دليل على حجم المكانة الإسرائيلية لدى روسيا، التي باتت معنية أكثر من ذي قبل بإخراج الإيرانيين من سوريا، ربطاً بمصالحها هي، وليس فقط بمصالح إسرائيل و«خطوطها الحمراء».
وما بين هذه الأجواء، والكلام الصادر عن الضابط الإسرائيلي، خلطة إسرائيلية هجينة تجاه روسيا، التي عُدّ تدخلها في سوريا عام 2015 تهديداً للمصالح الإسرائيلية، وإنهاءً لرهانات استمرت سنوات على إمكان إلحاق الدولة السورية بـ«محور الاعتدال العربي»، بينما باتت تل أبيب اليوم تتطلع فقط إلى محاولة منع ارتفاع منسوب التهديد عمّا كان عليه عشية الحرب السورية نفسها. على خلفية هذين الحدّين، وبناءً عليهما، تُعدّ الأجواء المتفائلة في إسرائيل بالموقف الروسي صحيحة، سواءً تحقّقت رهاناتها أم لم تتحقّق. أما كلام الضابط الإسرائيلي، الذي ينظر إلى المشهد السوري نظرة شاملة، فمرتبط ببيئة التهديد الواسعة التي تسبّب التدخل الروسي في إبقائها، على رغم كلّ «الود» المعلن بين الجانبين.
ذكرت «القناة الـ13» العبرية، أن إسرائيل بلورت خطة جديدة لإخراج القوات الإيرانية من سوريا، ستعمد إلى عرضها على الجانب الروسي في القمة الأمنية التي ستُعقد نهاية الشهر الحالي في تل أبيب، بين مستشاري الأمن القومي لكلّ من إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا. لكن لا يبدو، إلى الآن، أن الخطة الجديدة تحمل جديداً، أو في حدّ أدنى تغييراً ملحوظاً قياساً بـ«العروض» الإسرائيلية ـــ الأميركية التي تمت بلورتها في الماضي، ورفَضها الجانب الروسي، أو تعذّر عليه تنفيذها. وفي هذا الإطار، أشار تقرير القناة العبرية إلى أن ثمة تشكيكاً في تل أبيب، في أن الخطة الإسرائيلية الجديدة، التي لم تُعلن تفاصيلها بعد، ستلقى قبولاً روسياً.
صحيفة الاخبار اللبنانية