الكرملين قد يستهدف شركات التكنولوجيا والطيران الأميركية

أولى خطوات موسكو للرد على حزمة العقوبات الأميركية كانت متوقعة، بحجمها ومضمونها، وإن جاء توقيت الإعلان عنها مخالفاً للتوقعات. كانت الترجيحات تصب في اتجاه انتظار موسكو توقيع الرئيس دونالد ترامب مشروع القانون الجديد قبل اتخاذ قرارات «جوابية»، لكن الواضح أن الكرملين أراد توجيه رسالة قوية إلى واشنطن، ربما في محاولة أخيرة لحمل ترامب على استخدام «الفيتو» وإعادة المشروع إلى الكونغرس للنقاش.

الرسائل التي تضمنتها التصريحات الروسية أخيراً، ودخول الرئيس فلاديمير بوتين على الخط في شكل قوي، عكسا اقتناعاً روسياً بأن العلاقات بين البلدين تقف حالياً على مفترق طرق رئيسي، إذ لم يسبق حتى في عهد الرئيس السابق باراك أوباما أن وصفت الخارجية الروسية سياسات واشنطن بأنها «باتت تشكل خطراً على روسيا»، والعبارة لسيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي المسؤول المباشر عن العلاقة مع الولايات المتحدة، وهي تعكس تحولاً كبيراً في اللهجة الروسية، وميلاً إلى تبني الشعارات ذاتها التي ترفعها نخب أميركية حالياً ضد روسيا.

وأعلن بوتين ليل أمس، ان أكثر من 750 موظفاً عدد من طردوا من السفارة الاميركية.

كما أن تشديد بوتين بـ «الرد الأكيد على الوقاحة التي لا حدود لها»، يؤشر إلى أن موسكو بدأت فعلياً درس خيارات «الرد القوي المؤلم» الذي سيقطع نهائياً الطريق أمام محاولات تطبيع العلاقات على المدى المنظور على الأقل.

وحملت عبارات بوتين بعداً لا يقل أهمية عندما ندد بتداعيات «هيستيريا العداء لروسيا» في واشنطن، وأعرب عن أسف عميق لأن «تتم التضحية بالعلاقات الروسية- الأميركية في سبيل حل قضايا سياسية داخلية»، إذ كشفت العبارة عن مخاوف روسية جدية من تخلي الرئيس دونالد ترامب عن توجهات أعلنها أكثر من مرة حيال ضرورة التطبيع مع موسكو، بهدف ضمان استقرار ولايته الرئاسية ووقف الهجمات القوية ضده.

على رغم ذلك، تركت موسكو الباب موارباً أمام احتمال تجاوز الأزمة الراهنة، وتجنبت الحديث عن طبيعة الخطوات الروسية الأخرى للرد، مفضلة انتظار «الصياغة النهائية لمشروع القانون». ما زالت أوساط في روسيا تعول على «فيتو» رئاسي يستهدف على الأقل تخفيف حدة العقوبات، خصوصاً أنها تقلب الأوضاع ضد ترامب ليس في روسيا وحدها، بل وحتى في أوروبا، القلقة على إمدادات الغاز الطبيعي الروسي التي تطاولها العقوبات الأميركية الجديدة.

كما أن النخب الروسية تعول على اضطرار ترامب إلى مراعاة موقف الصين، خصوصاً مع توقعات بصدور رد فعل حازم من جانب بكين، التي تتعرض مصالحها لخطر أيضاً بسبب المشروع، الذي يعاقب مع روسيا كلاً من كوريا الشمالية وإيران، ما يتسبب بخسائر كبرى -وفق تقديرات روسية- للشركات الصينية التي تملك مصالح كبيرة في كوريا الشمالية وفي إيران.

وبانتظار «لحظة الحقيقة»، وفق وصف خبير مقرب من الكرملين، سربت أوساط روسية بعض ملامح الرد الروسي المنتظر في حال لم يخضع مشروع القانون الأميركي لتعديلات، وهو يتضمن رزمة إجراءات جديدة تضاف إلى قرار مصادرة عقارات تملكها الديبلوماسية الأميركية في ضواحي موسكو، وتقليص عدد الديبلوماسيين الأميركيين في روسيا، لأن هذه تقع ضمن «الرد المباشر والمتكافئ» على إجراءات واشنطن نهاية العام الماضي.

وفي حال وقّع ترامب المشروع بصياغته الحالية، يتم التجهيز لفرض قيود على عمل شركات أميركية كبرى في روسيا، بينها «غوغل» و «مايكروسوفت» و «آبل»، والتضييق على نشاط «فايسبوك»، إضافة إلى تقييد نشاط شركات تجارية أميركية في الأسواق الروسية، بينها شركات المياه الغازية التي تلقى رواجاً كبيراً، وشركات أدوية ومنتجات غذائية.

لكن الأهم من ذلك على الصعيد الاقتصادي، تقييد بعض الصادرات الروسية من المواد الخام الحيوية جداً، إلى الشركات الأميركية، مثل اليورانيوم المخضب، ويكفي القول إن صادرات روسيا منه إلى السوق الأميركية شغلت عام 2015 نحو 20 في المئة من حاجتها. والأمر ذاته ينسحب على تصدير مادة «تيتانيوم» المهمة لصناعة الطائرات، وفي عام 2016 غطت الصادرات الروسية أكثر بقليل من 30 في المئة من حاجات شركة «بوينغ»، علماً أن حجم الصادرات الروسية تجاوز في بعض السنوات 48 في المئة من استهلاك السوق الأميركية.

وعلى رغم أن خبراء يتحدثون عن «ضرر متبادل» بسبب هذه التدابير، كون موسكو تخسر سوقاً مهمة، لكن أوساطاً تشير إلى أن الكرملين يصر على الذهاب نحو «إجراءات مؤلمة» إذا لم تتم مراعاة مصالح روسيا.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى