الكنز الروائي للسينما العربية .. من ‘زينب’ إلى ‘الظامئون’
القاهرة ـ من وكالة الصحافة العربية
الرواية من الفنون الإبداعية التي اعتمدت عليها السينما اعتمادا كبيرا، والتي قدمتها في شكل أعمال درامية مميزة مثل رواية "البؤساء" للفرنسي فكتور هيجو، و"ذهب مع الريح" للأميركية مارجريت ميشيل، ومسرحيات "هاملت"، و"عطيل"، و"الملك لير"، و"يوليوس قيصر". وكلها للإنجليزي وليم شكسبير. وقد اعتمدت السينما العربية، وخاصة المصرية، بشكل أساسي على النص الروائي المكتوب؛ سواء مسرحية أو قصة قصيرة. ولم يتوقف اعتمادها على ما أنتجه الأدب العربي، وإنما راحت تختار من آداب عالمية أخرى لتطوعها سينمائياً وفق التركيبة الاجتماعية والزمنية للحياة المصرية أو العربية.
• زينب والضحايا
ولعل رواية "زينب" للكاتب المصري محمد حسين هيكل، هي أولى الروايات التي اعتمدت عليها السينما العربية، حيث قدمها المخرج "محمد كريم" في شريط يحمل العنوان نفسه، حيث أكد في مذكراته التي نشرت عام 1972، أنه طالب مؤلفها محمد حسين هيكل بالموافقة على تحويلها إلى فيلم سينمائي، يموله الفنان يوسف وهبي الذي كان متحمسا للفكرة، وبالفعل تم عرض الفيلم عام 1930 الذي قام ببطولته سراج منير وبهيجة حافظ وزكي رستم، كذلك كتب الأديب فكري أباظة قصة فيلم "الضحايا"، الذي أخرجه إبراهيم لاما، وكانت تلك الروايتان هما باكورة الروايات العربية، التي تحولت إلى افلام سينمائية ثم توالت بعدهما روايات الأخرى التي تحولت إلى أفلام سينمائية، مثل رواية "اليد السوداء" عام 1936 للكاتب أمين صدقي و"يوم سعيد"، للأديب محمود تيمور عام 1940، بطولة محمد عبدالوهاب وسميحة سميح وأخرجه محمد كريم، جاء بعد ذلك الفيلم الذائع الصيت "رصاصة في القلب"، بطولة محمد عبدالوهاب وراقية إبراهيم للأديب الكبير "توفيق الحكيم"، وكان الدور عام 1958 على يوسف السباعي الذي قدم أهم رواية له سينمائياً عام 1958 ألا وهي "رد قلبي"، التي لعبت فيه الممثلة مريم فخر الدين أهم أدوارها الرئيسية، حيث قدمتها السينما المصرية كوجه جديد.
• طالبة الثانوي
وكان الوجه الجديد في العام ذاته الفنانة "زبيدة ثروت" طالبة الثانوي، التي استطاعت، وهي بعمر السادسة عشرة أن تمثل عدة أدوار رئيسية بأفلام وضعتها على طريق الشهرة، من تلك الأفلام "الملاك الصغير"، و"يوم من عمري"، و"بنت 18"، وذلك قبل أن تحقق سطوعها الفني من خلال فيلم "في بيتنا رجل"، كذلك مثلت الشخصية الرئيسية لفيلم "سلوى في مهب الريح" للكاتب محمود تيمور.
وابتداءً من عام 1962 حتى عام 1975، توالت قصص وروايات تحولت إلى سيناريوهات لأفلام أنتجتها السينما المصرية، ولعل أهم تلك الأعمال، "الحب الضائع"، الفيلم الذي أنتج عام 1970 عن قصة عميد الأدب العربي د. طه حسين، وفيلم "حادثة شرف"، الذي أنتج عام 1972 عن قصة ليوسف إدريس وفيلم "لا شيء يهم"، قصة إحسان عبدالقدوس الذي قدم عام 1975 .
إلا أن أكثر ما تناولته السينما المصرية هي روايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، التي أخذت رواياته حصة الأسد، فروايته "الوسادة الخالية"، أنتجت فيلماً عام 1957 ورواية "أنا حرة" تحولت إلى سيناريو لفيلم أخرجه صلاح أبو سيف عام 1959 كانت فيه الفنانة "لبني عبد العزيز" من نجوم الصف الأول وقتها.
ومع ذلك لم تهمل السينما المصرية المسرحيات، حيث قدمتها بدورها إلى أفلام، ففي عام 1967 قدم المخرج عاطف سالم مسرحية "العش الهاديء" لتوفيق الحكيم كفيلم سينمائي، كذلك هناك مسرحيات كثيرة غيرها قدمت إلى أفلام يمكن أن نشير إلى بعضها مثل فيلم "آه من حواء"، الذي اعتمد مسرحية "ترويض النمرة" لشكسبير، ومسرحية "سيدتي الجميلة" لبرناردشو.
وفي مرحلة السبعينيات اعتمدت السينما المصرية على متغيرات الواقع والوعي السياسي، ولم تقتصر على الحدوتة الاجتماعية، أو الحكاية المثيرة العاطفية فكان فيلم "الأرض" ليوسف شاهين عن رواية للأديب "عبدالرحمن الشرقاوي"، وفيلم "الظلال في الجانب الآخر" للمخرج غالب شعث، الذي اعتمد على رواية للكاتب محمود دياب.
• بين الرواية والسيناريو
كذلك استطاعت السينما أن تبتكر لونا أدبياً خاصاً بها غير الرواية، فكان السيناريو المكتوب الذي أصبح فناً أدبياً قائماً بنفسه وله خصوصياته الإبداعية، وكثير من الأدباء وكتاب الرواية الجدد والحالمين بأن تقدم أعمالهم كأشرطة في الفن السابع، يقتربون تمام الاقتراب نحو الرؤيا السينمائية، وباستخدام تكنيك أدبي يتماهى مع المشهدية المرئية التفصيلية، بل يرون أن تلك الأعمال لا تقل إبداعياً عن الرواية، بل حوَّل البعض تلك السيناريوهات إلى كتب كما فعل الكاتب "صالح مرسي"، الذي قرر قبل رحيله طبع ونشر أعماله الدرامية التي لاقت نجاحاً واسعاً، مثل "رأفت الهجان"، الذي تحول فيما بعد إلى مسلسل تلفزيوني رائع.
ولا يمكن التغاضي عن دور السينما العربية التي اعتمدت هي الأخرى على الرواية، ولكن بدرجات متفاوتة، ففي سوريا لم يعتمد الفيلم السينمائي كثيراً على الرواية، بل كان تعاونا بين عدد من الفنانيين كفيلم "الحدود"، الذي كان ثمرة تعاون بين الشاعر محمد الماغوط والفنان دريد لحام.
أما السينما في العراق فتعرضت لانتكاسات مُفجعة بسبب التدخل المباشر للسلطة، واعتماد روايات تتوافق مع توجهات ورغبات الدولة، بل قدمت في العديد من الأحيان روايات مفبركة كرواية "الأيام الطويلة"، لكاتبها العراقي عبدالأمير معلة، والتي تتحدث عن جانب من حياة رئيس السلطة، ثم أتت روايات تمجد للمعركة والعنف والدماء، واعتبرت مثل "الحدود الملتهبة"، إلا أن السينما في العراق حاولت أن تحافظ على هويتها بعيداً عن السلطة، فقدمت بعض الأعمال التي اعتمدت على روايات عراقية، مثل فيلم "المنعطف" للمخرج جعفر علي، عن رواية للراحل العراقي غائب طعمة فرمان، وفيلم "العاشق"، للروائي العراقي عبدالخالق الركابي، وفيلم "النهر"، لرواية لمحمد شاكر السبع، وفيلم "الظامئون" للكاتب العراقي عبدالرازق المطلبي، وقد قدم المخرج الكويتي خالد الصديق فيلمين الأول "بس يا بحر" والثاني "عرس الزين"، عن رواية الكاتب السوداني الطيب الصالح.
لقد أسهمت الرواية العربية بشكل مؤثر في تشييد التجربة السينمائية لدى الفنانين العرب، إلا أنها كانت أكثر قوة وشمولية بالنسبة للفيلم العربي في مصر نظرا لعوامل عديدة ومختلفة.