الكورونا والقوّة العسكريّة الصينيّة الصّاعدة تُفسِد الاحتِفالات الأمريكيّة بيوم الاستِقلال.. هل الحِوار الأمريكيّ الصينيّ الحاليّ بالمُناورات العسكريّة وحامِلات الطّائرات سيتطوّر إلى مُواجهة؟ ولماذا يتحوّل حُلفاء أمريكا الأربعة في الشّرق الأوسط إلى عبءٍ استراتيجيٍّ ثقيل؟
جاءت احتِفالات الولايات المتحدة الأمريكيّة بيوم الاستِقلال (4 تمّوز) “كئيبةً” و”باهتةً” هذا العام في ظِل اتّساع دائرة انتِشار فيروس الكورونا واقتِراب عدد الوفيّات من 150 ألفًا والإصابات من ثلاثة ملايين، علاوةً على حالةِ الانقِسام التي تجتاح البِلاد نظرًا لتَفاقُم العنصريّة، واتّساع الشّرخ بين البِيض والسّود.
الرئيس دونالد ترامب لم ينسَ في خِطابه الذي ألقاه بهذه المُناسبة يوم أمس تجديد هُجومه على الصّين، واتّهامها بنَشر فيروس الكورونا، وانتِهاك حُقوق الإنسان في هونغ كونغ وإقليم الإيغور الإسلامي، والتّهديد بفرضِ عُقوبات جديدة على بعض المَسؤولين فيها الذين يَقِفون خلف فرض قانون الأمن القومي الصّيني في هونغ كونغ، وقد يكون على رأسهم الزّعيم شي جين بينغ.
هذه التّهديدات الأمريكيّة للصّين تتزامن مع تَصاعُد حدّة التوتّر بين البلدين، وإجرائهما مُناورات عسكريّة بحَريّة وجويّة في بحر الصّين الجنوبي الغَنِي بالثّروات المعدنيّة والنفطيّة، وتُؤكِّد الصين أنّ 99 بالمِئة من مِياهه تُعتَبر جُزءًا مِن مِياهها الإقليميّة، وكُل ادّعاءات دول مِثل ماليزيا وفيتنام وبروناي والفلبين بحُقوقٍ فيه باطلةٌ بِما في ذلك جزيرة “باراسايل” المُتنازِع عليها.
الإدارة الأمريكيّة اعتبرت المُناورات الصينيّة هذه استِفزازًا لها، ولحُلفائها في شرق آسيا، وأرسلت ثلاث حامِلات في خطوةٍ فسّرتها القِيادة الصينيّة بأنّها استعراضٌ للقوّة يَعكِس نوايا عُدوانيّة.
الحقيقة التي يرفض الرئيس ترامب الاعتراف بها أنّ بلاده تعيش حاليًّا حالةً مِن الهُبوط بينما الصّين في حالةِ صُعودٍ اقتصاديٍّ وسِياسيٍّ وعسكريٍّ وتملك شبكةً من الحُلفاء الأقوياء على رأسهم روسيا والباكستان وكوريا الشماليّة الدّول التي تملك قُدرات نوويّة بينما يَغرق حُلفاء الولايات المتحدة في الشّرق الأوسط وإسرائيل في الحُروب والأزَمات الداخليّة والاقتصاديّة ممّا يجعلها تُشَكِّل عِبْئًا على الولايات المتحدة.
الرئيس شي جين بينغ قائد النّهضة الصينيّة الحديثة يتجاهل كُل هذه التهجّمات الأمريكيّة، ولا يأبَه بصُراخِ ترامب وعوَيله، ويَمضِي قُدمًا في استراتيجيّته لوضع الصين كقُوّةٍ عُظمى أُولى على الخريطةِ الاقتصاديّة والعسكريّة العالميّة في إطارِ جدولٍ زمنيٍّ لا يَزيد عن عشر سنوات مُركِّزًا على إيجاد نظامٍ ماليٍّ بَديلٍ عُنوانه التخلّي عن الدّولار لصالح اليوان الذّهبي والعُملة الإلكترونيّة والذّكاء الاصطِناعي.
المسؤولون الأمريكيّون وحُلفاؤهم العرب يُجادلون بأنّ أحلام الصّين بالعظَمة لا يُمكن أن تتحقّق في ظِل التفوّق العسكريّ الأمريكيّ، حيثُ حاملات الطّائرات العِملاقة والطّائرات المُتطوّرة، ولكنّ نُظرائهم الصينيين يَسخَرون من هذه النّظريّات التي تَعكَس تفكيرًا قديمًا تجاوزه الزّمن، فالتفوّق الصّيني في الحرب “السيبرانيّة” وبراءات الاختِراع، والتّرسانة الصاروخيّة الباليستيّة، والأسلحة الحديثة التي لم يتم الكشف عنها، هذا التفوّق الصيني جعَل الولايات المتحدة في حالةٍ من الارتِباك خاصّةً بعد اجتِياز القِيادة الصينيّة اختبار الكورونا بنَجاحٍ أذهَلَ العالم.
أمريكا في عيد استِقلالها تَجِد نفسها في وضع القوّة العالميّة العُظمى “الهَرِمَة”، التي تنخَر جسَدها الأمراض الاقتصاديّة والعُنصريّة والانقِسامات الداخليّة، ورصيدٌ هائلٌ مِن الخِلافات مع حُلفائها التّقليديين، وفي أوروبا خاصّةً، وأحدث الأدلّة تآكُل حِلف النّاتو وفُقدانه مُعظم أنيابه ومخالبه بسبب تَفكّكه، ولعلّ الانقِسام الحاليّ بين أعضائه حول كيفيّة التّعاطي مع الأزَمة الليبيّة هو التّجسيد الأدَق لما نقول.
احتِمالات تسخين الحرب الباردة الصينيّة الأمريكيّة المُتأجِّجة حاليًّا كبيرة، والصّدام غير مُستَبعد رُغم تأكيد الطّرفين بأنّهما لا يُريدانه، ولكنّ التدخّلات العسكريّة الأمريكيّة، وتحشيد حاملات الطّائرات وإرسال أسلحة حديثة لتايوان، واستِخدام سلاح العُقوبات بكثافةٍ ضدّ الصين، كلّها مؤشّرات على أنّ نوايا إدارة الرئيس ترامب “المُتهوِّرة” ليسَت سِلميّةً إطلاقًا.. واللُه أعلم.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية