الكيان للفاشيّة..
الكيان للفاشيّة….. أعلن رئيس الوزراء الإسرائيليّ السابِق، بنيامين نتنياهو، الذي باتت عودته لسُدّة الحكم شبه مؤكّدة في الانتخابات التي ستجري بعد غدٍ الثلاثاء، أعلن أنّه سيقوم بتعيين النائب اليمينيّ العنصريّ والمُتطرّف، إيتمار بن غفير، وزيرًا في حكومته، على الأغلب وزير الأمن الداخليّ، علمًا أنّ الاستطلاع الأخير الذي نُشر بالكيان أمس السبت أكّد أنّ حزب (القوّة اليهوديّة) بزعامة بن غفير سيحصل على 14 مقعدًا، وسيكون القوّة الثالثة في الكنيست، ما يعني أنّه من بين كلّ تسعة إسرائيليين واحد سيُصوّت للحزب الذي يقوده بن غفير، والذي كان أدين بتهم الإرهاب في محكمةٍ إسرائيليّةٍ.
فمن هو هذا النائب اليمينيّ المتطرف الذي يبدو أنّ دخوله إلى الكنيست عزز مكانة صفه السياسيّ في الكيان؟
“المسؤول عن إشعال الأحداث في القدس هو إيتمار بن غفير”، هذا ما قاله كوبي شبتاي، مسؤول الشرطة الإسرائيلية خلال اجتماع مع بنيامين نتنياهو، مضيفًا أنّ “النائب الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف ومناصريه هم السبب في وقوع أعمال عنف في مدينة القدس وهم من أثاروا غضب الفلسطينيين”.
لكن النائب بن غفير رد قائلاً “يتوجب إعفاء كوبي شبتاي من منصبه”، متهما في الوقت نفسه الشرطة “بعدم استخدام القوة بما يكفي للسيطرة على الوضع”.
ومن بين الأعمال الاستفزازية التي قام بها هذا النائب المثير للجدل، فتح مكتب تمثيلي للحزب الذي ينتمي إليه في حي الشيخ جراح الواقع شرق مدينة القدس المحتلة، والذي تحول إلى رمز للاحتلال الإسرائيلي. وإضافة إلى هذا، قام مناصروه من حركة (لاهافا)، وهي حركة تنشط لمنع الزواج بين اليهود وغير اليهود، نهاية شهر نيسان (أبريل) الماضي بصب الزيت على النار حينما كانوا يرددون (الموت للعرب) قرب باب دمشق، وهو أحد مداخل المدينة القديمة في القدس.
وعلى ضوء هذه الأحداث، قال المؤرخ سيمون إبستاين.
اقتحم بن غفير عالم السياسية في الكيان وعمره لم يتجاوز 19 عامًا. وفي 1995، في أعقاب توقيع اتفاقيات أوسلو بين الطرف الإسرائيلي والفلسطيني، قام برفع رقم سيارة رئيس الحكومة آنذاك إسحاق رابين أمام الكاميرات قائلاً: “لقد تمكنا من تصوير رمز السيارة التي تقل رابين وهذا يعني بأننا بإمكاننا الوصول إليه”. ولم تمر أسابيع عديدة بعد هذا التصريح ليتم قتل إسحاق رابين من قبل متطرف يهودي.
وجه القضاء الإسرائيلي أكثر من خمسين مرة لبن غفير تهمة “نشر الكراهية”، وأدين مرّتيْن بتهم الإرهاب بمحكمةٍ إسرائيليّةٍ، درس الحقوق ليصبح بعد ذلك محاميا “يدافع عن نفسه وعن كل المتطرفين والناشطين في التيار اليميني المتطرف بإسرائيل” حسب تصريحات دونيز شاربيت، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسرائيلية المفتوحة في رعنانا، فمثلاً في العام 2006 دافع بن غفير عن شابين إسرائيليين اتُهما بالمشاركة في هجوم استهدف منزلاً في الضفة الغربية، ما أدى إلى مقتل زوجين وطفلهما حرقًا، أيْ عائلة الدوابشة.
ويشارك هذا النائب المثير للجدل من حين إلى آخر في برامج تلفزيونية شهيرة، تلقى متابعة واسعة من قبل الإسرائيليين. وأضاف دونيز شاربيت أن “بن غفير يستخدم خطابًا عدائيًا وعنيفًا، ويقول نحن (اليهود) الأقوى والأحسن وسنقمع العرب”.
جذور خطاب بن غفير
وتعود جذور خطاب بن غفير المتطرف والعنصري إلى الإيديولوجية التي كان يسوقها الحاخام مئير كهانا، وهو حاخام متطرف كان يدافع من أجل تأسيس دولة دينية وطرد كل العرب من فلسطين التاريخيّة.
وأضاف المؤرخ سيمون إبستاين أنّ “الحاخام كهانا ترك العديد من المناصرين، لكن الأكثر ذكاء من بينهم هو بن غفير الذي فهم بأنّه من الضروري أنْ يخفف من حدة خطاباته العنصرية في حال أراد أنْ يدخل إلى الكنيست”.
وبعد ثلاث محاولات فاشلة، تمكن في نهاية المطاف من الفوز في الانتخابيات البرلمانية التي جرت بداية شهر مارس/آذار الماضي إثر قيادته لتحالف يضم أحزابًا صهيونية ودينية.
وقال دونيز شاربيت بهذا الخصوص “بنيامين نتنياهو هو من دفع باتجاه تحالف هذه الأحزاب الصغيرة من اليمين المتطرف مع بن غفير”. وأضاف “فوز شرائح اليمين المتطرف والعنصري في الانتخابات البرلمانية كان بمثابة رسالة واضحة مفادها أنّ التعايش بين اليهود والعرب قد انتهى”.
يمين متطرف بلا عقدة
وإلى ذلك، أعلن بعض المختصين في قضايا الشرق الأوسط لفرانس24 أن دخول التحالف اليميني المحافظ إلى البرلمان الإسرائيلي بقيادة بن غفير عزز فكرة العنف الذي تمارسه مجموعات يهودية صغيرة وعنصرية على الفلسطينيين ومبدأ الإفلات من العقاب.
وأشار سيمون إبستاين “لقد رأينا في الأسابيع الماضية اليمين المتطرف ينظم مظاهرات شعبية في القدس، علمًا أن مثل هذه المظاهرات كانت ممنوعة في السابق لتهدئة الأجواء، لكن الشرطة لم تتدخل هذه المرة لتفريق المتظاهرين، بل كانت متساهلة معهم، بتواطؤ مع نتنياهو”.
والدليل على ذلك هي الصور التي صدمت العالم والتي تبين العنف الذي وقع بين متطرفين عرب ويهود. كما تم استهداف شخص يتوقع أنْ يكون من أصل عربي في بيت ياما بتل أبيب من قبل ناشطين من اليمين المتطرف، ما أثار استياء العديد من السياسيين الإسرائيليين. حتى المدن التي كان يسود فيها العيش المشترك بين العرب واليهود، كمدينة حيفا عرفت هي أيضًا أعمال عنف.
وعبر سيمون إبستاين عن أسفه لما آلت إليه الأوضاع حيث قال “في السنوات الماضية، لاحظنا وجود إشارات إيجابية عديدة بخصوص مسألة إدماج العرب في المجتمع الإسرائيلي، لكن في غضون ثلاثة أسابيع فقط، وجدنا اليوم أنفسنا أمام حرب أهلية مبطنة”
وأنهى دونيز شاربيت “لا أدري كيف سنعمل لإصلاح كل هذه الأخطاء، لا سيما في حال بقي بنيامين نتنياهو في منصبه كرئيسٍ للحكومة”.
الإسرائيليون يتجهّون شعبًا وقيادةً نحو التطرّف والعنصريّة، هذه هي الحقيقة المُرّة، وهذا النهج يزداد يوميًا مع ارتفاع وتيرة التحريض ضدّ العرب عامّة، وضدّ الفلسطينيين خاصّةً، ولكن الأخطر من ذلك يكمن في أنّ القضية الفلسطينيّة لم تُعد قائمة على الأجندة السياسيّة في كيان الاحتلال.
المُحلِّل روغل ألفر من صحيفة (هآرتس)، رأى في مقالٍ تحليليٍّ أنّ يوم العشرين من حزيران (يونيو) من العام 2022، أيْ مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيليّ، نفتالي بينيت، عن حلّ الكنيست والتوجّه لانتخاباتٍ خامسةٍ خلال ثلاثة أعوامٍ، رأى أنّ في هذا اليوم انتقلت إلى جوار ربّها، عن عمرٍ يُناهز الـ74 عامًا، الديمقراطيّة الإسرائيليّة المُعيبة والتالفة، كما وصفها، وبدأت ديكتاتوريّة نتنياهو، أيْ رئيس الوزراء السابق والقادم، وفق كلّ المؤشرات والاستطلاعات.
ألفِر تابع إنّ الـ 20 من حزيران (يونيو) 2020 هو يوم سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه، لأنّه في هذا اليوم تمّ حلّ الكنيست الأخيرة قبل اعتلاء نتنياهو لسُدّة الحكم كأوّل طاغيةٍ وديكتاتورٍ ومُستبّدٍ في إسرائيل، على حدّ قوله.
علاوةً على ما جاء أعلاه، شدّدّ المُحلِّل (اليساريّ) على أنّ محاولة الحكومة المنتهية ولايتها، والتي حكمت الكيان لفترة عامٍ فقط، لإضعاف نتنياهو جاءت بنتائج عكسيّةٍ ومُناقضةٍ لهدفها، إنّها، أضاف ألفر، أدّت لتقوية نتنياهو شعبيًا وزرعت فيه الرغبة والشغف للانتقام، كما قال.