اللاجئون السوريون والأفغان وحسابات إردوغان الانتخابية
تقوم المعارضة التركية بحملة ضد عملية اللجوء التي تتوسّع، وتتساءل لماذا تقوم تركيا بإيقاف اللاجئين الذين يريدون الذهاب إلى دول الاتحاد الأوروبي؟ وتؤكد أن على تركيا تولّي مسؤولية تقديم المساعدات الإنسانية إلى اللاجئين الذين يفرون إليها، ولا تقف في وجه من يريد الذهاب إلى دول الاتحاد الأوروبي، مثل النمسا وألمانيا والسويد واليونان.
تتهم المعارضة التركية الدول الأوروبية بالنفاق، وأن عليها أن تفي بالالتزامات التي أعطتها لها اتفاقية الأمم المتحدة، أي استقبال اللاجئين، وليس تحميل تركيا المسؤولية. لكن حزب “العدالة والتنمية” يحاول التركيز على الجوانب الإنسانية للهجرتين الأفغانية والسورية، ويتهم بالعنصرية المعارضة، التي ترى أن الحكومة في سياستها تتماشى مع مصالح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتعتبر أن سياسة قبول اللاجئين الخاطئة، والتي اتّبعتها تركيا على مدى السنوات العشر الماضية، أي منذ بداية الحرب في سوريا، أدّت إلى الفوضى، وجعلت أوروبا تستهين بأمن تركيا القومي.
انتقدت المعارضة اتفاق الرئيس رجب طيب إردوغان مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والموافقة على وقف تدفق اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2016، كجزء من صفقة سياسية لتحسين علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي.
تجاوز عدد طالبي اللجوء السوريين، والذين لا يزالون يُعتبرون “ضيوفاً” 4 ملايين، ووصل تعدادهم إلى 5 في المئة من سكان تركيا. تخشى المعارضة استخدام هؤلاء في السياسة الانتخابية، إذا مُنح اللاجئون السوريون الجنسية وحق التصويت، فقد يصلون إلى القدرة على تغيير الميزان الانتخابي، وخصوصاً في المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية والشرقية.
بدأت هجرة اللاجئين تُحْدِث بالتدريج احتكاكاتٍ بين السوريين والأتراك في أحياء المدن، الأمر الذي اضُّطر الحكومة الى إبعاد قسم كبير منهم إلى المناطق الزراعية البعيدة. ومؤخراً، بدأ القلق يتزايد مع تسارع الهجرة الأفغانية.
لا تبذل الدولة التركية اليوم أيَّ جهد لمنع تدفق الأفغان. يتم نقل اللاجئين إلى الحدود الشرقية لتركيا بواسطة الشاحنات، وتتبنى دول الاتحاد الأوروبي، ولاسيما ألمانيا، نهجاً يقول بصورة أساسية “دعونا ندفع الثمن، وأنتم تحتفظون بالمهاجرين”. وأظهرت الهجرة السورية أن دول الاتحاد الأوروبي تتحكّم في كيفية إنفاق الأموال التي ترسلها إلى تركيا، ويؤكد مجلس الوزراء أن تركيا تنفق بالفعل الأموال على اللاجئين، وتترقّب تدفق تمويل الاتحاد الأوروبي لهجرة الأفغان، بينما تتساءل المعارضة عن سبب عدم حماية الحدود التركية بصورة صحيحة، على الرغم من ادّعاء وزير الداخلية أن تركيا ناجحة في ضبط الحدود.
حذّر زعيم حزب “الشعب الجمهوري” المعارض، كمال كيليجدار أوغلو، إردوغان من التورّط في مفاوضات جديدة مع الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين الأفغان، ووصف الأمر بأنه “حزمة رشوة ثانية”.
يعتبر أحد المسؤولين الحكوميين أن طرد المهاجرين الأفغان أو السوريين، سيُفقد الزراعة وتربية الحيوانات نصفَ عمّالهما، إذ يتم توظيف العمال السوريين والأفغان حالياً في جميع أنحاء تركيا، في مقابل أجور زهيدة، في كل المجالات، بدءاً بتربية الماشية، إلى زراعة البندق والقطن، لكن في الوقت عينه، يتم أيضاً زيادة العاطلين من العمل الأتراك.
يتم استغلال اللاجئين كذلك في المؤسسات الصناعية والتجارية الصغيرة والمتوسطة الحجم، بحيث يوفر اللاجئون مورد عمالة رخيصاً من دون دمجهم في النقابات أو التأمين. وتبلغ نسبة البطالة الرسمية في تركيا 13.9 في المئة، لكن النقابات العمالية تقول إن الرقم الفعلي يزيد على 25 في المئة. ويغضّ مسؤولو الدولة الطَّرْف عن التوظيف غير القانوني للمهاجرين.
جزء كبير من الموظفين في المناطق السياحية، هو من اللاجئين السوريين والأفغان، ولا تشعر الحكومة بالحاجة إلى طلب التطعيم لهم، حتى إنها لا تطلب الاختبارات من السيّاح القادمين من البلدان التي ينتشر فيها الوباء، وذلك من أجل التدفق النقدي.
“العدالة والتنمية” وتحصيل المنافع السياسية والاقتصادية
أثار تصريح وزير الخارجية الأميركي بشأن اللاجئين الأفغان، والذين عملوا عشرين سنة مع الأميركيين، وشعورهم بالتهديد من انسحاب الولايات المتحدة وضرورة مساعدتهم عبر إعطاء المؤهّلين منهم تأشيرات دخول للولايات المتحدة، أمّا غير المؤهّلين فيمكن الاحتفاظ بهم في بلد ثالث، أثار حفيظة المعارضة التركية. فمعظم الوافدين الجدد هم في نحو سن العشرين؛ في سن الخدمة العسكرية، وبعضهم حتى يرتدي الزي العسكري. بعبارة أخرى، فإن الوافدين ليسوا فقط من المجتمع المدني، والعاملين في مجال الإعلام، كما أوحى بلينكن. أميركا تأخذ مباشرة أولئك “المؤهّلين” من أفغانستان، لكنها تبحث عن أماكن لأولئك الذين ليسوا “مؤهَّلين”. تساءل زعيم حزب “الشعب الجمهوري: “هل تعتبر الولايات المتحدة تركيا ملاذاً للأفغان الذين كانوا متعاونين مع الولايات المتحدة، والذين فروا الآن من طالبان”؟ لهذا السبب، حذّر الولايات المتحدة من أنه لن يعترف بهذه الاتفاقية إذا وصل إلى السلطة. أمّا الحكومة فأُحرجت من تصريح بلينكن، ورفضت الفكرة، لكنها ما لبثت أن تواصلت مع مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، جيك سوليفان. يريد إردوغان أن تكون له علاقات أوثق وشخصية ببايدن، كما فعل مع دونالد ترامب. إنه يريد أن يستغلّ قضية أفغانستان، من هذا المنظور أيضاً.
أمام إردوغان انتخابات تُعتبر حيوية للفوز فيها. فهو يريد إحراز نقاط في السياسة الداخلية – وهو ما يحتاج إليه بشدة – إذا أطلق العنان الآن لتدفق اللاجئين إلى أوروبا. كذلك، يحتاج إلى دعم الصناعيين الصغار والمتوسطين وقطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، والذين يستغلون العمالة الرخيصة للاجئين الذين ليس لديهم أيّ حقوق قانونية، على حساب البطالة المتزايدة في تركيا. وهو يأمل في أن يحوّل تركيا إلى قاعدة إنتاج منخفضة التكلفة، وقريبة جغرافياً من أوروبا، لتحل محل الصين في ظروف ما بعد تفشي الوباء.