اللاجئون عبر المتوسط مهددون بكارثة
القشة التي كان يتعلق بها المهاجرون عبر البحر الأبيض المتوسط على وشك الزوال. حسمت السلطات الايطالية أشهرا من الجدل والخلافات مع الشركاء الأوروبيين، معلنة أنها ستوقف عملية واسعة للبحث والإنقاذ كانت بدأتها قبل عام. وستصدر قريبا إشارة التوقف لبوارج الأسطول الايطالي، التي كانت مستنفرة تبحث عن قوارب المهاجرين وتترصد اتصالات سائقيها.
العملية الايطالية ستستبدلها عملية أوروبية مشتركة، تقودها الوكالة الأوروبية للرقابة الحدودية «فورنتكس»، ستنطلق في تشرين الثاني المقبل، بهدف أساسي هو المراقبة الحدودية وليس البحث والإنقاذ.
الأسباب المعلنة هي من جهة الكلفة العالية للعملية الايطالية، المسماة «ماري نستروم» (بحرنا)، التي تحملتها إيطاليا وحدها. طوال العام الماضي لم تتوقف روما عن مطالبة الأوروبيين بإظهار «التضامن»، والمساهمة في تحمل تكاليف البحث والإنقاذ. لم تحصل استجابة، لتبقى الموازنة الايطالية تدفع تسعة ملايين يورو شهريا لمواصلة المهمة.
السبب المعلن الآخر هو اعتبار الأوروبيين أن العملية شجعت عشرات الآلاف على المغامرة أكثر. لكن خلف كل ذلك كانت تقف الخلافات بين ايطاليا وشركائها. الدول الأكثر استقبالا للاجئين، على رأسها ألمانيا، قالت إن معظم المهاجرين الذين يصلون إلى إيطاليا ينتهون في دول أخرى معدودة على الأصابع.
هذا الاعتراض ردده وزير الداخلية الألماني توماس دو مايزر قبل أيام. وقال، معلقا على عمليات البحرية الايطالية، إن «ماري نستروم اعتبرت مساعدة طارئة، وأنشأت جسرا إلى أوروبا لما يفوق 100 ألف شخص جاءوا عبر المتوسط». ورغم إقراره بأن موجة اللجوء ستكبر، لكن العملية الايطالية ليست حلا برأيه: «لا بد من أن نتوقع أعدادا أكبر من المهاجرين وطالبي اللجوء إلى أوروبا، ومع ذلك الوضع لا يمكن أن يبقى على حاله».
وتحتج ألمانيا بأن 30 في المئة من طالبي اللجوء ينتهون في أراضيها، إضافة لكون ما يقارب 75 في المئة من اللاجئين في الاتحاد الأوروبي يتجمعون فقط في خمس دول منه. كل ذلك يجعل الوزير الألماني يعترض بالقول إن «توزيع اللاجئين في أوروبا غير متكافئ إطلاقا»، مشددا على أن الحل هو بتقوية الرقابة الحدودية، ومضيفا «نحن مستعدون لتعزيز (عمل وكالة) فرونتكس، لكن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر».
وأقيم لعمليات الإنقاذ الايطالية ما يشبه حفل تأبين، خلال اجتماع وزراء الداخلية الأوروبيين الأسبوع الماضي. رحبوا بالبديل الذي قدمته المفوضية الأوروبية مع وكالة المراقبة الحدودية، في آب الماضي، مطلقين على العملية الجديدة اسم «تريتون».
هذا الحل البديل هاجمته بشدة الجمعيات الحقوقية في أوروبا، وعلى رأسها منظمة العفو الدولية: «أمنستي». أساس الانتقاد هو أنه ليس بإمكان العملية الجديدة استبدال نظيرتها الإيطالية، نظرا لضعف مواردها، وقبل ذلك فأولويتها مختلفة. مدير «أمنستي» في أوروبا نيكولا بيجر قال، في بيان، «يمكن للمرء أن يتساءل فقط كم عدد الأرواح التي سيتم إنقاذها عبر عملية تفويضها هو الرقابة الحدودية».
غير مشكلة التفويض، هناك الميزانية القليلة التي تم رصدها للعملية. تكلفة «تريتون» ستكون حوالي ثلاثة ملايين يورو شهريا، ما يعني فقط ثلث الميزانية التي كانت لعملية «ماري نستروم» الايطالية.
يؤكد المعترضون أن ذلك ربما يسبب عواقب كارثية، وفقا لأرقام اللجوء التي سجلت، حيث سجل خلال الأشهر التسعة الماضية وصول حوالي 165 ألف مهاجر في «قوارب الموت» عبر المتوسط، الغالبية العظمى منهم أنقذتهم عمليات البحرية الايطالية. ورغم كل جهود الاستنفار قضى حوالي ثلاثة آلاف شخص غرقا في تلك الفترة. ويفاقم المشكلة أن الظاهرة ليست مرشحة للتراجع، فخلال العام الماضي كله وصل ما يقارب 60 ألف شخص. كل هذه الحقائق وضعت للضغط على من يريدون استبدال عمليات الإنقاذ بالمراقبة الحدودية. في المقابل، اعتبر مؤيدو العملية الجديدة أنه يمكن تطوير عمل وكالة «فرونتكس» لتشمل مهمات العملية الايطالية. هذه المحاججة نفاها ديبلوماسي إيطالي رفيع المستوى، تحدث قبل أيام لمجموعة وسائل إعلام في بروكسل كانت «السفير» من بينها. وشرح أن مهمات البحث والإنقاذ ليست في صلب عملية «تريتون»، ليقول من دون مواربة إن «العملية الجديدة تنطلق من هدف وفلسفة مختلفين تماما».
ما يحدث يشبه عملية استبدال سيارة الإسعاف بدورية شرطة، كما يرى منتقدو التوجه الأوروبي. منهم السياسية الألمانية المخضرمة غابي زيمار، رئيسة كتلة تحالف اليسار في البرلمان الأوروبي. كانت في أوائل الشهر الحالي ضمن وفد أوروبي سافر إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، حيث تم إحياء الذكرى السنوية الأولى لغرق نحو 500 لاجئ قبالة شواطئها. وقالت، خلال حديث مع «السفير»، «لست واثقة بأن فرونتكس هي المنظمة الصحيحة لحماية وإنقاذ الناس، لأن التفويض الذي تعمل بمقتضاه لا يشمل ذلك». وتعتبر بناء على ذلك أن العملية الجديدة ستكون «تحركا أوروبيا مشتركا في البحار أساس عمله هو الشرطة».
وكانت العملية الايطالية بمثابة بصيص أمل يسعى اللاجئون في البحر بحثا عنه. تلك حقيقة أكدتها روايات العديد من الناجين التي استمعنا لها. من جهة هناك دوريات البحث التي أنقذت قوارب كثيرة، ومن جهة أخرى هناك إمكانية طلب النجدة. حالما تصبح الزوارق قرب المياه الإقليمية الايطالية، يقوم المهربون، أو من يعمل معهم، بتوجيه نداء استغاثة للبحرية الايطالية. فإما يتم إرسال احدى البوارج الحربية لعملية الإنقاذ، أو يتم توجيه إحدى السفن القريبة لتقوم بذلك. السفن التجارية العابرة قامت بذلك مرارا، ليس تبرعا بل نزول عند قانون البحار الذي يجعل عمليات الإنقاذ واجبا يؤدي الإخلال به إلى المحاكم.
الحل برأي زيمار هو ما اقترحته أيضا المنظمات الحقوقية: تقديم دعم أوروبي مشترك لعلميات البحث والإنقاذ، إما للحكومات الوطنية أو عبر توسيع مهمات العملية الجديدة لتشمل ذلك بوضوح. وتؤكد البرلمانية الأوروبية أن «ما نحتاج اليه هو تضامن ملموس عبر تحرك مشترك، فهذه المشكلة لن يحلها تحرك على طريقة الشرطة الحدودية».
صحيفة السفير اللبنانية