اللاحسم يَحكم الميدان: السودان تحت شبح الجوع
بدأت بوادر أزمة غذاء في السودان تلوح في الأفق، مع دخول الحرب بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» أسبوعها الثالث، وتركّزها بصورة رئيسة في الخرطوم. وعلى رغم فرار معظم سكّان العاصمة إلى ولايات أخرى، وخلوّ أحياء بأكملها، وخاصة تلك التي تقع بالقرب من المناطق التي تشهد اشتباكات متواصلة في محيط القيادة العامة والمطار، من السكّان، إلا أن من بقوا في الخرطوم يعانون صعوبات كثيرة في يومياتهم، أهمّها توفير المواد الأساسية لعائلاتهم. وفرضت الحرب واقعاً جديداً على السودانيين، ودفعتهم إلى التحسّب للأسوأ، وخاصة في جانب تأمين وتخزين الغذاء، والبحث عن بدائل للسلع التي انعدمت من الأسواق أو في طريقها إلى الانعدام.
تبدو أم أحمد، وهي ربّة منزل، شديدة القلق من المستقبل القريب، إذ تعرب، في حديثها إلى «الأخبار»، عن مخاوفها من انعدام ما تُطعم به أطفالها. ومع تعطّل الأفران ونقص المواد الغذائية، تجاهد سارة محمد، بدورها، وهي ربّة منزل أيضاً، في البحث عن بدائل للخبز لإسكات جوع أسرتها الصغيرة. تقول سارة، في حديث إلى «الأخبار»، إن «الخبز أصبح سلعة نادرة في منطقتِي الواقعة شمال الخرطوم، بعد أن توقّفت أربعة مخابز عن العمل نتيجة عدم توفّر الغاز»، مضيفة: «يصطفّ العشرات أمام المخبز الوحيد الذي يعمل منذ ساعات الصباح الأولى، وقطعاً لن يتمكّن من توفير الخبز لكلّ تلك الأعداد».
وفيما تتسلّل الحياة تدريجياً إلى العاصمة، مع عودة بعض المحالّ التجارية إلى فتح أبوابها، تظلّ المواد الغذائية الأساسية كالطحين والسكّر آخذة في التناقص، وفق ما يقول بابكر عوض، صاحب أحد المحالّ. ويلفت عوض، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «أيّ سلعة تنتهي من المخازن يَصعب توفّرها في الوقت الراهن، فالمصانع المحلّية توقّفت عن العمل، وحتى التي لديها بضائع في المخازن فمن الصعب عليها توزيعها على تجّار التجزئة والجملة في ظلّ شحّ الوقود»، مضيفاً أن «التفلّت الأمني الذي تعيشه البلاد زاد من تفاقم الوضع، وخصوصاً أن مصانع المواد الغذائية أصبحت هدفاً لمجموعات تقوم بنهب عربات التوزيع ومخازن المصانع».
ويشكّل عدم توفّر الوقود وغلاء سعره، أيضاً، عبئاً كبيراً على المواطنين؛ إذ تضاعَف ثمن الغالون بشكل هستيري، ليصل إلى ما بين 30 و40 ألف جنيه سوداني (50 دولاراً – 67 دولاراً)، بينما كانت قيمته قبل اندلاع الحرب ألفَي جنيه (تقريباً 4 دولارات). كما ينعكس شحّ الوقود على قوت الأهالي، بعدما تعذَّر على أصحاب المزارع بيع منتجاتهم الزراعية والحيوانية بسبب فقدان الوقود لآلياتهم، وهو ما تسبّب لهم بخسائر مادّية كبيرة، واضطرَّهم إلى بيع منتجاتهم في المناطق القريبة منهم وبأسعار زهيدة جدّاً. وفي هذا الإطار، يقول متوكل عوض، صاحب مزرعة لإنتاج الألبان، لـ«الأخبار»، إنه اضطرّ إلى «بيع رطل اللبن بمئة جنيه، فيما كان سعره في السابق 300 جنيه سوداني، وهو سعر لا يغطّي تكلفة الأعلاف ولا العمّال»، متسائلاً عمّا سيفعله «بالكمّيات الكبيرة من الحليب التي تنتجها المزرعة في ظلّ عدم توفّر الوقود حتى نتمكّن من نقلها إلى الأسواق القريبة، وفي ظلّ انقطاع التيار الكهربائي لساعات، وهو ما يصعّب من عملية تخزينها في البرادات». ونتيجة تلك الصعوبات، يُسجَّل في المناطق البعيدة عن مواقع الإنتاج، كذلك، ندرة وغلاء في الأسعار بالنسبة إلى الحليب، وهو ما يحمل الناس على الوقوف في صفوف طويلة للحصول على حاجتهم من هذه السلعة.
وبحسب خبراء في الاقتصاد، فإن الفئة العاملة في المهن الهامشية تُعدّ من أكثر الفئات تضرّراً من حالة الحرب؛ إذ لم تتمكّن من مزاولة أعمالها منذ اندلاع القتال، وتقتات الآن من مخزونها الذي هو قطعاً في طريقه إلى النفاد، ما يعني أنها ستدخل في مرحلة الجوع خلال أيام. من جهتهم، يخشى الموظّفون من عدم صرف رواتبهم الشهرية في ظلّ انعدام الأمن وتعليق العمل في الوزارات، ما يعني فرض المزيد من العناء عليهم بالنظر إلى شحّ المواد الغذائية وعدم توفّر النقد لشرائها، علماً أن حكومة ولاية الخرطوم كانت أعلنت عطلة رسمية لجميع الموظفين الحكوميين حتى إشعار آخر، نتيجة الأوضاع الأمنية التي تعيشها الولاية.
إزاء ذلك، يعيب مراقبون عدم التفات ما يسّمى «المجتمع الدولي» إلى إرسال مساعدات إلى السودان، فيما انصبّ اهتمامه على إجلاء رعاياه، من دون أن يفكّر حتى بشحن مواد غذائية وطبّية على متن طائرات الإجلاء في رحلاتها إلى هذا البلد. وتستمرّ هذه اللامبالاة في وقت تحاول فيه الحكومة السودانية إعادة الأمن إلى مناطق يرتادها المواطنون وخاصة الأسواق، حيث تمّ إنزال قوات الاحتياطي المركزي التابعة لجهاز الشرطة في مناطق جنوب الخرطوم بغرض تأمين المواطنين والأسواق والبنوك التي شهدت عمليات نهب طيلة الأسبوعَين الماضيين، بحسب ما أعلنت وزارة الداخلية السودانية. بدوره، أعلن الجيش السوداني أنه مستمرّ في تهيئة الظروف المناسبة لنزول الشرطة تدريجياً إلى الشوارع بالتزامن مع عمليات التمشيط، مضيفاً أن العمل جارٍ على انتشار وحدات من «الاحتياطي المركزي» تباعاً في مناطق العاصمة.
صحيفة الأخبار اللبنانية