افتتاحية الموقع

اللجوء العربي والشرق الاوسطي إلى أين بعد الصراعات الداخلية والحروب مع إسرائيل؟

د. ماهر عصام المملوك

على مدار العقود الماضية، عانى العالم العربي من موجات متتالية من اللجوء والنزوح القسري بسبب الصراعات الداخلية المستمرة، إضافة إلى الحروب الدموية مع إسرائيل.

 

هذه الأحداث المتكررة تسببت في معاناة الملايين من العرب، الذين اضطروا لترك أوطانهم بحثًا عن الأمان والاستقرار.

ومع تعقيدات الأوضاع السياسية والاقتصادية في العديد من الدول العربية، يظل السؤال قائمًا: إلى أين يتجه اللجوء العربي بعد هذه الصراعات؟

منذ منتصف القرن العشرين، شهدت العديد من الدول العربية نزاعات داخلية عنيفة، أبرزها الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، الصراع في السودان، و ما يسمى بثورات الربيع العربي التي اندلعت في عام 2011.

هذه الثورات، التي بدأت بطموحات لتحقيق العدالة والحرية  سرعان ما تحولت إلى صراعات دموية في سوريا، ليبيا، واليمن، مما أدى إلى نشوء أكبر موجات اللجوء في التاريخ الحديث.

لا يمكن الحديث عن اللجوء العربي دون الإشارة إلى الحروب المتكررة مع إسرائيل، التي كانت سببًا رئيسيًا في تهجير الفلسطينيين، بدءًا من النكبة في عام 1948 وحتى الصراع الحالي. القضية الفلسطينية تبقى جذرًا أساسيًا لمشكلة اللاجئين في الشرق الأوسط.

في عام 1948، تم تهجير حوالي 750,000 فلسطيني قسراً نتيجة إقامة دولة إسرائيل واندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى.

هؤلاء اللاجئون وذريتهم يشكلون اليوم ما يقارب 5.7 مليون لاجئ مسجل لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

يعيش معظمهم في مخيمات في الضفة الغربية، قطاع غزة، الأردن، لبنان، وسوريا، ويواجهون تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية ضخمة.

لم تتوقف معاناة الفلسطينيين بعد النكبة، بل تكررت الحروب مع إسرائيل في الأعوام 1956، 1967، 1973، والحرب اللبنانية الإسرائيلية عام 1982، بالإضافة إلى الحروب المستمرة في غزة. كل هذه الحروب أدت إلى نزوح متجدد للفلسطينيين وإلى تعقيد وضع اللاجئين الفلسطينيين الذين يعانون من تدهور الأوضاع الإنسانية في مناطق تواجدهم.

وتعتبر الأزمة السورية المثال الأكثر وضوحًا على نتائج الصراعات الداخلية التي أدت إلى هجرة الملايين. فمنذ اندلاع الحرب في 2011، تعرضت سوريا لدمار شامل نتيجة الاشتباكات التي حصلت، إضافة إلى تدخل العديد من الأطراف الإقليمية والدولية.

اليوم، تعد سوريا واحدة من أكبر مصادر اللاجئين في العالم، حيث نزح أكثر من 6.6 مليون سوري خارج البلاد، بينما يعيش حوالي 6.7 مليون آخرين كنازحين داخليين.

منذ عام 2015، دخل اليمن في دوامة حرب أهلية بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء. التدخل العسكري الذي تقوده السعودية أدى إلى تفاقم الأزمة، مما أسفر عن كارثة إنسانية تُعتبر من بين الأسوأ عالميًا. بسبب هذه الحرب، نزح ملايين اليمنيين داخل البلاد وخارجها، حيث يعانون من نقص في الغذاء والدواء، فضلاً عن تدهور الخدمات الأساسية.

العراق وليبيا هما أيضًا دولتان عربيتان شهدتا اضطرابات داخلية طويلة الأمد، أدت إلى نزوح مئات الآلاف من سكانهما. في ليبيا، أدى انهيار النظام بعد سقوط القذافي إلى انقسام سياسي عميق بين الفصائل المختلفة، مما دفع العديد من الليبيين إلى البحث عن الأمان في دول الجوار أو أوروبا. أما في العراق، فقد عانى السكان من الحروب المتكررة، خاصة بعد الغزو الأمريكي في 2003 وصعود تنظيم “داعش”، مما أدى إلى تهجير ملايين العراقيين.

أدت هذه الصراعات إلى خلق أزمات إنسانية كبيرة، فاضطرت أعداد كبيرة من اللاجئين العرب إلى الهروب إلى دول مجاورة أو بعيدة بحثًا عن الأمان. تنوعت وجهات اللجوء بين دول الشرق الأوسط، أوروبا، وأحيانًا أمريكا الشمالية.

تستضيف دول مثل الأردن ولبنان أعدادًا كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين. لكن هذه الدول تعاني من ضغوط اقتصادية واجتماعية كبيرة نتيجة استقبال هذه الأعداد الهائلة من اللاجئين، حيث يشكل اللاجئون السوريون أكثر من 20% من سكان لبنان، وهو ما يضع ضغطًا هائلًا على الخدمات العامة والبنية التحتية.

تركيا هي الدولة التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين السوريين، حيث يعيش فيها أكثر من 3.6 مليون لاجئ. أما في أوروبا، فقد أصبحت ألمانيا والسويد وجهات رئيسية للاجئين السوريين والعراقيين والليبيين واليمنيين إضافة إلى الهجرة اللامنتهية من دول شمال أفريقيا خاصة بعد أن فتحت ألمانيا أبوابها للاجئين في عام 2015.

ومع ذلك، أدى تدفق اللاجئين إلى صعود تيارات قومية متطرفة في بعض الدول الأوروبية، مما أسفر عن تشديد سياسات الهجرة واللجوء.

بالإضافة إلى أوروبا، سعت دول مثل كندا وأستراليا إلى استقبال أعداد محدودة من اللاجئين من خلال برامج إعادة التوطين.

هذه البرامج تمنح بعض اللاجئين فرصة لإعادة بناء حياتهم في بيئة آمنة ومستقرة.

ففي ظل استمرار هذه الصراعات في المنطقة، يواجه اللاجئون العرب تحديات معقدة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

معظم اللاجئين العرب يعيشون في ظروف قاسية سواء في المخيمات أو في المدن المستضيفة. يعاني الكثيرون من نقص في الغذاء، المياه، والرعاية الصحية، بالإضافة إلى انتشار الفقر والبطالة. الأوضاع في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين تعكس حجم الكارثة الإنسانية، حيث يعاني اللاجئون من تهميش شديد ومن غياب فرص التعليم والعمل.

يجد اللاجئون صعوبة في الاندماج في المجتمعات المستضيفة، خاصة في الدول الغربية. تواجههم عقبات تتعلق باللغات المختلفة، التمييز والعنصرية، وغياب الفرص الاقتصادية. في العديد من الدول الأوروبية، أصبح اللاجئون محط اهتمام السياسات القومية التي ترفض استقبالهم وتطالب بترحيلهم.

لا تزال الحلول السياسية للصراعات التي تسببت في تهجير هؤلاء اللاجئين بعيدة المنال. سواء في سوريا، اليمن، فلسطين، أو ليبيا، وحاليا ً لبنان تظل الأوضاع السياسية معقدة، مما يعني استمرار حالة عدم الاستقرار وغياب الأفق لعودة اللاجئين إلى أوطانهم.

الخلاصة إلى أين يتجه اللجوء العربي؟

لا يبدو أن أزمة اللجوء العربي ستنتهي في المستقبل القريب، في ظل استمرار الصراعات الداخلية والحروب مع إسرائيل. الحلول تتطلب جهودًا دولية مكثفة لضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي في الدول المصدرة للاجئين، مع ضرورة توفير دعم إنساني أكبر للاجئين في الدول المستضيفة.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى