الليلة التالية لغارة الصبورة : دمشق كما بدت تلك الليلة

ليلة أمس. استيقظت ابنتي فجأة، واقتحمت غرفة نومي وراحت تصرخ خوفا !
كان هدير الانفجارات يهز الأرض من الجهة الغربية للمدينة، فالصبورة حيث وقع القصف الجوي، والقريبة من بيتي، تقع خارج مدينة دمشق، لكنها قريبة منها.. خمدت الانفجارات . لا أحد يعرف ما الذي حصل ومن هو الهدف!!
ذكّرتنا الأصوات بالغارات الإسرائيلية التي حصلت قبل سنوات على جبل قاسيون وجمرايا وسجل الراصد الزلزالي يومها هزة أرضية بقوة 4 درجات على مقياس ريختر!
هذه الليلة، خرجت من البيت والمدينة مغسولة بمطر خفيف جعلني أشعر بقشعريرة سريعة وأنا أطبق معطفي على جسدي، ركبت سيارتي، وكان هناك قرار في داخلي: لابد أن أمشي الليلة تحت المطر مهما حصل !
كان المطر قد توقف عندما وصلت إلى مشارف المدينة.. بحثت عن مكان هادئ وركنت السيارة فيه، ثم مشيت أحقق الرغبة التي انتابتني. كان المارة أقل مما توقعت: اثنان أو ثلاثة، ثم ظهر رابع من شارع فرعي وتجمعنا، ثم افترقنا كما يحصل عادة في أي شارع فارغ في العالم..
أصبحت وحيدا في الشارع!
كانت المدينة معتمة، فالكهرباء مقطوعة، وليس ثمة ضوء للقمر، أو حتى لنجمة بعيدة.. الغيوم المتلبدة أغلقت السماء، فحجبت الضوء السماوي، وغدت دمشق سوداء تماما كغرفة مغلقة سدت منافذها..
نظرت إلى نوافذ البيوت: لاشيء يوحي بالحركة. الجميع نيام، حتى القطط والكلاب هاجرت حاويات القمامة، وذهبت بعيدا.. الشوارع فارغة . إشارات المرور لاتعمل.. الجنود اختفوا وراء الحاجز يشعلون جمرا بحثا عن الدفء!!
أخذتني الهواجس إلى الحرب العالمية الثانية، وإلى الحرب العالمية الأولى . ابتسمت في قلب العتمة . فهل يعقل أننا نعيش في تلك الأجواء، وهناك من يدفع على طاولة عشاء واحدة نصف مليون ليرة في سهرة مقتضبة في مطعم من مطاعم أوستراد المزة ؟!
أحسست برذاذ الماء وقد بدأ ينقر وجهي، وكأنه يأمرني: لاتذهب بعيدا في أفكارك! ترامت لي رائحة ياسمين من شرفة الطابق الأول القريب مني .. شعرت بالسعادة ، أحسست بأن دمشق تعود، وأنني بعد قليل سأقبل فجرها الأخاذ المغسول برذاذ من ماء عذب!
فجأة .. لمعت الأرض والسماء، تحول كل شيء إلى نهار.. ظهرت دمشق كما هي.. جميلة مثل صديقتي شام عندما تأتي دون أن ترتب شعرها عند الحلاق ..عفوية نظيفة ، تفوح منها رائحة عبق سماوي!
وماهي إلا ثوان حتى دوى هدير انفجارات متتالية .. انفجارات أشعلت الهلع في داخلي، فأنا في الشارع .. ترى ما الذي سيجري في البيت ، وأنا بعيد عن ابنتيّ ؟!
ظهر على مقربة مني شبحان متلاصقان..
ظننت أنهما منحوتة وضعتها المحافظة في الساحة التي وصلت إليها .. كان المطر يهطل غزيرا جدا، وكانت الانفجارات التي سمعتها ، نوعا من الرعد القوي الماطر، أما المنحوتة، فلا أصدق عيني حتى الآن، كانت عبارة عن فتاة وشاب كشف البرق عشقهما، فما أن دوى الرعد وهطل المطر، حتى تعانقا إلى درجة الاندماج ، فوقفت مذهولا أنتظر رعدا جديدا يغسلني وحيدا عند الفجر الذي بزغ!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى