“المتفانون” في التشويه..
لا تفرّق القوارض من الجرذان بين أثاث بيت فقير وآخر غني، بين عتيق وجديد، بل تلتهم كلّ ما وقعت عليه متى تمكّنت من التسلّل و الدخول …فمن مكّنها من ذلك يا ترى ؟
هذا هو السؤال الأخطر الذي على فرنسا أن تطرحه على نفسها هذه الأيام قبل أن تكشّر عن أنياب الغضب الأعمى الذي من شأنه أن يضع جميع المسلمين في سلّة واحدة ويستنفر قوى اليمين العنصري الذي استقبل “الهديّة” على طبق من فضّة .
هكذا استهدفت جرذان القتل ـ في مذبحة شنيعة ومروّعة ـ الإعلام بصفته أعرق مؤسسات فرنسا التي ما انفكّت تتباهى به أمام العالم وتردّد باستمرار وبكثير من الاستعلاء أنها تحفظ حريات التعبير وتكفلها .
واهم ومغفّل من يعتقد أنّه بمنأى عن يد الإرهاب والتطرّف، مهما كان ارتفاع وعزلة وحصانة الربوة التي يجلس فوقها .
أحمق وعديم الحيلة من يتّخذ الشيطان حليفاً في حرب تدّعي الأخلاق والانتصار لقيم الحقّ والعدالة .
لقد ثبت بالحجّة والدليل أنّ كلّ الذين ” نتفوا ذقن ” الغرب الأوروبي والأمريكي من الإرهابيين هم أولئك الذين تربّوا في أحضانه أو شملتهم أيادي “الكرم والعطف والرعاية ” التي تمليها ديمقراطيته “العريقة ” وغير البريئة أيضاً.
الفوارق بسيطة ، لكنها عميقة بين حادثتي البرجين في نيويورك والاعتداء على مجلّة ” شارلي هيبدو ” في باريس، وهو أنّ العالم قد أصيب بعنصر الصدمة في الأولى وفقده في الثانية التي كان المستهدف فيها ـ وبدلالة واضحة ـ قلمين لا برجين …كما ظهر في الرسوم التي تناولت الحادثة .
نعم، قد تعلق النيران “الصديقة ” بأطراف ثياب مشعلي الحرائق، قد تحطّ الحروب الباردة و” الدافئة ” و ” الناعمة ” أوزارها أو تكاد، لكنّها لن تتخلّص بسهولة من أسلحتها وأدواتها شبه الآدميّة الملتحية بالجهل والمتسربلة بالحقد والقتل .
هكذا “يتفانى” عبدة الجهالة والتخلّف في تشويه صورة الإسلام والمسلمين ويفعلون بدعوة النبي العربي الكريم ما لم يفعله مشركو قريش ومنافقو المدينة ويهود خيبر مجتمعين ……لكنّهم لا يعلمون أنّ التاريخ قد وضع ” أبا رغال” الذي تآمر وتعاون مع أصحاب الفيل على هدم البيت العتيق في مزبلته واستمرّ هازئاً بالأقزام، كما لا يعلم القتلة والمحرّضون الآن باسم الإسلام أنّ الدين الذي لقّن العالم أرقى رسائل التسامح لا يعبأ برسم أو مقال أو تصريح سواء كان بقصد أو غير قصد.
أما كان من الأجدر الردّ على فكرة التشويه بفكرة التصويب وعلى قلم الرصاص بغير الرصاص..؟!
قال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ” هلك فيّ إثنان ، محبّ مغالٍ ومبغض مقالٍ ” .
….أمّا المبغضون وقد عرفناهم، لكنّ المحبين ليسوا كذلك … إنهم جهلة وحمقى وحاقدون وقد تآمروا ……… فتربّعوا على عرش الشرّ المطلق وأتوا الدناءة من كلّ أطرافها .