المخرج السوري غسان جبري : نعاهُ المؤيدون والمعارضون، وكان فنانا ومثقفا!

 

خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة

توفي الفنان السوري غسان جبري أحد مخرجي الروائع الأولى في التلفزيون العربي السوري، وهو يئن من أوجاع كثيرة، ولايتوقف عن الحلم، وكان على رأس أوجاعه النزيف الكبير الذي كان تتعرض له سورية، ومن تابع أحاديث المخرج الراحل على شاشات التلفزيون يمكن له أن يحدد الاصطفاف الذي شكله خلال الحرب، فهو لم يتردد في مهاجمة كل موقف من شأنه أن يهدد الاستقرار في بلده تحت أي ذريعة كانت، وقد انتقده الفنانون المعارضون بقسوة في أكثر من مرة، وأخذ عليه أنه (لا يعترف بوجود ثورة وما ثورة.)، وهو يرى (أن الأداء الإعلامي السوري قد بلغ أوج النجاح والازدهار خلال السنوات الأربع الأخيرة المتعلقة بمكافحة الثورة) كما قال المعارض خطيب بدلة في أحد مقالاته.

واقعيا، لم يتوان الفنان الراحل فعلا عن رفع صوته في وجه كل من ساهم بإشعال الحرب على سورية، أو شارك في هذا الإشعال أو تورط فيه، وكان له انتقادات كثيرة على النهج الحكومي السوري لم تجعله يتردد موقفه المؤيد.

لكن المخرج الراحل غسان جبري، فاجأنا بوفاته، ليس بالنعوة التي قرأناها على بوابة الإذاعة والتلفزيون فجر يوم الجمعة الماضي، ولا بعكازته التي شرع بحملها في السنوات الأخيرة، وكأنه يقول لنا : تعبت. ولا بإشاراته الودودة على صفحته بأنه يجلس وحيداً مع الدواء، وكان بيته الجميل يعج بالمثقفين والأدباء والفنانين.. وإنما فاجأنا بهذا الحب الذي يكنه له الآخرون في الصفين المؤيد والمعارض في الوسط الثقافي والفني، وإذا كان التعبير عن هذا الحب تدفق سريعا على صفحات الفنانين والإعلاميين السوريين الموجودين في سورية، فإنه تدفق بنفس الوتيرة على صفحات المعارضة، ففي الوقت الذي توقفت فيه أسرة مسلسل ناس من ورق عن التصوير دقيقة صمت عندما سمعت بالخبر في رد فعل مؤثر ، كتب الفنان السوري المعارض جمال سليمان يقول : ” مؤلم ان تستيقظ على نبأ وفاة إنسان كان له كبير الأثر فيما أنت عليه اليوم. هكذا كان حالي عندما استيقظت على نبأ وفاة المخرج الكبير الأستاذ غسان جبري، صاحب التاريخ المشرف في الدراما السورية، حيث أتحف الجمهور السوري و العربي مذ كانت الشاشة بيضاء و سودا بأعمال ستبقى دائما في الذاكرة و الوجدان مثل ” انتقام الزباء” و “حكايا الليل” و ” دولاب” و ” لك ياشام” و غيرها من الأعمال الرائدة و المؤسسة للدراما السورية. لزوجته الفنانة التشكيلية الكبيرة اسماء فيومي و لكل عائلته و اصدقائه بالغ العزاء.”

وأضاف جمال سليمان في تعليقه على الوفاة الذي أعجب عشرات المعارضين في خارج سورية: ” كان لي شرف البداية تحت ادارته كمخرج عام 1983 و كنت خريجا جديدا من المعهد العالي للفنون المسرحية في بلد لا ينتج اكثر بضع ساعات درامية في العام، فكانت فرص العمل عزيزة و غالية. بالفعل غامر غسان جبري و اسند لي، و أنا ممثل فتي و مغمور، شخصية طرفة ابن العبد في مسلسل يحمل اسم الشاعر العظيم صاحب المعلقة، و كان من تأليف د. رياض نعسان آغا. كان رهانا استهجنه كثيرون. فغير انه بطولة مطلقة و شخصية صعبة بلغتها و تركيبة عبقريتها، ففي ذاك الزمن كان هناك اهتمام بتجسيد شخصيات الشعراء من خلال مسلسلات تلفزيونية، و كان كبار نجوم التمثيل في العالم العربي يتصدون لهذه الأدوار…”

كما ودّع المخرج الشهير هيثم حقي (المعارض أيضا)، ودّع غسان جبري بعبارات حزينة قال فيها : ” تحاورنا كثيراً … واختلفنا كثيراً … لكننا لم نفقد الود الإنساني. ومنذ سنين المنفى لم نلتق… لكنه وزوجته الفنانة التشكيلية السورية الكبيرة أسماء فيومي دائماً في البال. لغسان جبري المخرج والإنسان الذكر الطيب ، ولأسماء وأبنائه والعائلة ولصنّاع الدراما السورية خالص العزاء .”

أما المخرج المعارض مأمون البني، فودعه بتعليق قال فيه: ” نعم موت المخرج غسان جبري آلمني خاصة أننا عشنا في ديار التلفزيون مع الأصدقاء صناع الدراما سنوات كثيرة كانت كافية لتمكين الدراما السورية وتقربها للذائقة لدى المشاهد العربي كان أحد فرسانها غسان جبري وأحد مؤسسها، فقد كان نبيلا في تصرفاته مثقفاً في محادثاته، مستمعاً في حواراته، فنانا في إنجازاته.”

وفي تعليق مقتضب كتب الصحفي والشاعر السوري المتشدد في معارضته حسان عزت يقول : “الرحمة لروح المخرج السوري الكبير غسان جبري.. ” لكنه لم يتوان عن المهاجمة في جمل أخرى. 

ويأتي تعليق الفنان أسامة الروماني، وهو شقيق الفنان الراحل هاني الروماني، إضافة مهمة على تعليق المخرج هيثم حقي، عندما قال : ” ميزة جيلكم يا هيثم أنكم لم تهدموا ما حققه أسلافكم بل بنيتم فوقه..ليت السياسيين تلقفوا هذه الأمثولة. نحييكم جميعاً كونكم روافد عذبة لنهر الفن الملتزم بقضايا شعبه.”

وفاة الفنان غسان جبري في هذه المرحلة فتّقت جراح السوريين، فهل سيقف هؤلاء الفنانون على مشارف وطن يخرج من الموت بأعجوبة ليعلنوا أن الوطن أحلى؟!

غسان جبري ، قامة كبيرة في الفن والثقافة على كل حال، وهو كان ينحاز إلى فكرة أن الوطن ينبغي أن يكون أحلى !

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى