المعارضة التركية تتهمه بالاتجار بالمخدرات.. وإردوغان يرد
اتهامات كليجدار أوغلو وقادة المعارضة التركية لإردوغان بقضايا الفساد والمخدرات وتبييض الأموال، ورد إردوغان ووزرائه على هذه الاتهامات، بات واضحاً أنها ستكون من أهم فقرات الحملة الانتخابية القادمة.
بعد أسبوع من اعتقال رئيسة اتحاد أطباء تركيا بسبب اتهامها الجيش التركي باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني شمالي العراق، جاءت اتهامات زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو لإردوغان ووزير داخليته لتثير نقاشاً كبيراً، بل وعنيفاً جداً لما له من علاقة مباشرة بسمعة إردوغان وتركيا في الداخل والخارج.
وهو ما كان كافياً بالنسبة إلى إردوغان لشن هجوم معاكس عنيف جداً على كليجدار، في الوقت الذي أقامت فيه النيابة العامة دعوى قضائية عليه بتهمة تلفيق الأكاذيب بهدف التأثير في الرأي العام، وذلك وفق قانون الرقابة الجديد الذي أقره البرلمان قبل أسبوعين، ويقضي بسجن المتهم فترة تتراوح من سنة إلى ثلاث سنوات.
والسؤال ما الذي أغضب إردوغان ووزراءه وإعلامه الموالي من أحاديث كليجدار أوغلو، بل قادة أحزاب المعارضة الأخرى، وأهمها وزير الاقتصاد الأسبق وزعيم حزب الديمقراطية والتقدم، علي باباجان؟
باختصار ما قاله كليجدار أوغلو يمكن تلخيصه بالتالي: “إردوغان ومَن معه في السلطة مسؤولون عن الاتجار بالمخدرات داخلياً وخارجياً، وحماية عصابات المافيا وغض الطرف عن نشاطاتها وأهمها غسيل الأموال والقيام بجميع أنواع التهريب”.
ادّعاءات كليجدار أوغلو ومسؤولي حزب الشعب الجمهوري، الذين نشروا عدداً من الوثائق والأدلة والمعلومات التي تثبت ادعاءاتهم، جاءت بعد اتهامات مماثلة أطلقها زعيم المافيا سادات باكار، المقيم في الإمارات، حيث تحدث عبر حسابه على “يوتيوب” و”تويتر” عن قضايا فساد خطرة، قال إنّ المقربين إلى إردوغان تورّطوا فيها.
وكان وزير الداخلية سليمان صويلو ومستشار إردوغان للشؤون الأمنية محمد آغار الهدف الأساسي لاتهامات باكار، الذي تحدث وبإسهاب عن عمليات تهريب للمخدرات من كولومبيا والمكسيك إلى شمالي قبرص التركية وعبر تركيا، بواسطة السفن التي يملكها نجل رئيس مجلس الوزراء السابق بن علي يلدرم.
ونشر باكار، ومن بعده شبكات التواصل الاجتماعي، صوراً ظهر فيها وزير الداخلية صويلو مع متهمين رسمياً بالاتجار بالمخدرات على علاقة بعصابات المافيا، التي تتقاتل فيما بينها في إسطنبول، وهو ما أشار إليه كليجدار أوغلو الذي تحدث عن عمليات قتل استهدفت بعض القيادات، وهي من أصول أذربيجانية وألبانية وصربية وسوى ذلك.
ونشر عدد من الحسابات في شبكات التواصل الاجتماعي صوراً مماثلة لهذه الشخصيات سيئة الصيت مع الرئيس إردوغان وزوجته ومسؤولين آخرين في الدولة التي قدّمت إلى هذه الشخصيات جميع التسهيلات، بما فيها الهروب من تركيا بجوازات سفر رسمية. ومن هؤلاء “رجل الأعمال سيزجين باران كوركماز الذي أصبح فجأة غنياً، ثم هرب بمساعدة وزير الداخلية إلى النمسا، فسلمته إلى أميركا وهي تحاكمه الآن بتهمة التحايل على المؤسسات المالية الأميركية”، وكل هذا وفق كلام كليجدار أوغلو ومسؤولي الحزب.
قيادات “الشعب الجمهوري” التي قدّرت “حجم الأموال التي جرى تبييضها في الـ20 سنة الماضية بـ84 مليار دولار، 24 منها بيّضت هذا العام فقط”، قالت إن “إردوغان يفتخر بأنه غطى عجز المصرف المركزي بهذه الدولارات، ولا يدري أحد مصدرها، ولا كيف دخلت تركيا وبواسطة من”.
وزير الداخلية سليمان صويلو، وهو الهدف الرئيس لاتهامات المعارضة، هدّد وتوعد كليجدار أوغلو، وقال إنهم “سينشرون قريباً تسجيلات صوتية لكليجدار أوغلو” من دون أن يحدّد مضمونها. وهو وصف كليجدار أوغلو “بمنعدم الأخلاق والكاذب والمختل عقلياً”، مؤكّداً أنهم “سيحاسبونه على أقواله وأفعاله”، التي قال إنها “تستهدف شرف وكرامة وسمعة الدولة والأمة التركية”.
المعلومات ترجّح أن يلاحق الرئيس إردوغان ووزير داخليته كليجدار أوغلو وفريقه قانوناً باتهامه “بالعلاقة مع الداعية فتح الله غولن من جهة، وحزب العمال الكردستاني الإرهابي من جهة أخرى”، باعتبار أنها نقاط الضعف لدى أتباع وأنصار “العدالة والتنمية”، الذين يتعرضون لغسل أدمغة من قبل وسائل الإعلام، التي يسيطر إردوغان على ما لا يقل عن 90% منها.
ومن دون أن يكون كل ذلك مع الحملات الإعلامية والسياسية الأخرى كافياً بالنسبة إلى إردوغان، الذي تتوقع كل استطلاعات الرأي العام أن يمنى بهزيمة مطلقة في انتخابات الـ 14 من أيار/مايو المقبل. ويدفع وسيدفع هذا الاحتمال إردوغان إلى استنفار كل إمكانياته من أجل تضييق الحصار على كليجدار أوغلو ومن معه في “تحالف الأمة” الذي يضم 5 أحزاب أخرى، خصوصاً أنه، أي إردوغان، يسيطر على جميع مرافق وأجهزة ومؤسسات الدولة، وأهمها الجيش والاستخبارات والأمن والقضاء التي سيستخدمها في حربه على معارضيه وفي مقدّمهم كليجدار أوغلو، ومن يدور في فلكه.
ويرجّح بعض المتابعين أن يستمر كليجدار أوغلو في حملاته العنيفة بمضامينها الخطرة ضد إردوغان، خصوصاً في قضية المخدّرات وغسيل الأموال، وهو ما سيثير اهتمامات العواصم الغربية التي يتحدّث إعلامها بين الحين والآخر عن ثروة إردوغان الشخصية، المقدرة بمئات المليارات. ودفع ذلك الكونغرس الأميركي قبل 3 سنوات إلى مطالبة الجهات الأميركية المعنية بالتأكد من ذلك وكشف التفاصيل.
في الوقت الذي يتحدث فيه الإعلام المعارض عن دخول عشرات المليارات من الدولارات من روسيا وأوكرانيا، على نحو سري، وبتسهيلات من السلطات التركية التي سبق أن أصدرت في السنوات العشرين من حكم “العدالة والتنمية” 8 قوانين تشرًع دخول الأموال مجهولة المصدر إلى تركيا من دون أي مساءلة ومحاسبة وملاحقة قانونية، وبعد أن ألغت الحكومة قانون “من أين لك هذا” ليس للأتراك وحسب بل للأجانب كذلك. وتقول المعارضة إنهم، وخصوصاً القطريين، أدخلوا إلى تركيا مليارات الدولارات واستثمروها في مشروعات مشتركة مع المقربين إلى إردوغان، ما دفع منظمة الشفافية الدولية إلى إدراج اسم تركيا في اللائحة الرمادية، وهي ما قبل السوداء في تصنيف الدول سيئة الصيت، من حيث قضايا الفساد وغسيل الأموال وعلاقة كل ذلك بالاتجار بالمخدّرات.
باختصار، اتهامات كليجدار أوغلو وقادة المعارضة وأحاديثها المتتالية عن قضايا الفساد مع الكشف عن معلومات جديدة، ورد الرئيس إردوغان ووزرائه على هذه الاتهامات، بات واضحاً أنها ستكون من أهم فقرات الحملة الانتخابية التي ستشهد مواجهات ساخنة وعنيفة جداً بين الطرفين، والسبب في ذلك بسيط وواضح: بالنسبة إلى الطرفين، تركيا ما بعد الانتخابات، لا، ولن تكون تركيا الآن، ومهما كانت نتائج هذه الانتخابات، بإردوغان أو من دونه، فإن تغيّر تركيا ليس رهان الشارع التركي وحسب، بل كل من له علاقة ومصلحة وحسابات في تركيا، بإردوغان ومن دونه أيضاً!