المغرب… آخر المجاهرين بعداوة فلسطين
لم تتعامل تل أبيب وإعلامها مع اتفاق التطبيع المُعلَن بين إسرائيل والمغرب على أنه خطوة مفاجئة، بل خطوة عادية في سياق أوسع يشمل العديد من الأنظمة العربية، في أعقاب اتفاقات التطبيع الخليجية. وفقاً للتقديرات الإسرائيلية، فإن غالبية الأنظمة العربية تقف في الصف لإبرام مثل هكذا اتفاقات مع الدولة العبرية، وإن كانت لكلّ نظام أسبابه الخاصة. وتعود العلاقات بين إسرائيل والمغرب إلى عقود مضت، على رغم أن النظام الملكي في الرباط ظلّ رافضاً للتطبيع العلني، وإن ارتضى الملك المغربي في عام 1994 افتتاح مكتب اتصال مع إسرائيل يُعنى بالشأن الاقتصادي بين الجانبين.
وقْع عدم المفاجأة لا يقتصر على الداخل الإسرائيلي فقط، بل يشمل أيضاً كلّ مراقب لمسار التطوّرات في المنطقة، ومطّلعٍ على العلاقات المغربية – الإسرائيلية التاريخية، ومتابع للمواقف التي توالت على لسانَي دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو في أعقاب محطّات التطبيع السابقة، والتي كانت «تُبشّر» بانضمام العديد من الدول الأخرى، فيما لا يزال المسار مفتوحاً أمام انضمام المزيد قبل رحيل ترامب. ولئن كان التطبيع الإماراتي والبحريني مرتبطاً بسياق داخلي أميركي، إلا أن كلّ هذا المسار متّصل بما هو أبعد من تأسيس علاقات متبادلة بين الأنظمة العربية وكيان العدو، إذ يندرج في سياق إقليمي أوسع مؤدّاه تصفية القضية الفلسطينية، والتمهيد لنسج تحالفات جديدة على وقع التطوّرات التي شهدتها ويُتوقّع أن تشهدها المنطقة، وبلورة محاور أكثر وضوحاً في أطرافها ومعالمها وأهدافها.
مع ذلك، تبقى الأولوية بالنسبة إلى رئيس وزراء العدو، في هذه المرحلة حصراً، هي التوظيف الداخلي الذي يتساوق مع إيقاع الترتيبات الإقليمية الاستراتيجية. وهو ما سنشهد ترجماته التسويقية، السياسية والإعلامية، في ظلّ ما يواجهه نتنياهو من تحديات داخلية. وفي هذا الإطار، تَوجّه نتنياهو بالشكر إلى الرئيس الأميركي «على كلّ الأشياء الكبيرة التي قمتم بها من أجل الشعب الإسرائيلي ودولة إسرائيل، لن ننسى ذلك أبداً». ووصف اتفاق التطبيع مع المغرب بـ«التاريخي»، معلناً تسيير رحلات مباشرة قريباً بين الجانبين، مضيفاً أنه سيتمّ أيضاً من جديد إقامة مكاتب ارتباط في إسرائيل والمغرب، ثمّ التحرّك بالسرعة الممكنة من أجل «إقامة علاقات وطيدة سلمية دبلوماسية كاملة».
على أن الحديث عن مسار تطبيعي شامل لا يتعارض مع حقيقة أن لكلّ نظام سياقاته ورشوته الخاصة. وهو ما برز في إعلان الرئيس الأميركي الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة الـ«بوليساريو». واعتبر ترامب أن «اقتراح المغرب الجادّ والواقعي والذي يحظى بمصداقية، بحكم ذاتي (في الصحراء الغربية)، هو الأساس الوحيد لحلّ عادل ودائم لتحقيق السلام الدائم والازدهار». وكما هي الحال في كلّ تنازل قَدّمته أنظمة عربية على حساب قضية فلسطين، فإن تلك الأنظمة تلجأ إلى تغطية ذلك بضريبة كلامية تتّصل بحلّ القضية الفلسطينية، في محاولة فاشلة للتخفيف من وطأة مواقفها وخطواتها التي تستهدف في الصميم الشعب الفلسطيني. وعلى هذه الخلفية، يأتي حديث الملك المغربي، محمد السادس، عن تمسّك بلاده بـ«حلّ الدولتين» للصراع مع إسرائيل، بل وذهابه إلى القول إن التطبيع مع العدو لن يؤثر بأيّ شكل على التزامات المغرب تجاه القضية الفلسطينية!
هذه المواقف تحاول التعمية على حقيقة أنه بالانفتاح على إسرائيل، إنما يتمّ تشجيع الأخيرة على تصلّبها المتطرّف في مواجهة السلطة الفلسطينية، وتعزيز سياساتها الاستيطانية، وطمأنتها إلى أنها غير مضطرة للقبول بالسقف السياسي الذي تطرحه السلطة كأساس للحلّ، ما دامت البلاد العربية مفتوحة أمامها سياسياً وأمنياً واقتصادياً. وهو بالضبط ما كان يروّج له معسكر اليمين في كيان العدو، والذي كان ينظّر لمعادلة أن الأنظمة العربية باتت ترى في القضية الفلسطينية عبئاً ينبغي التخفّف منه، وأنها على استعداد لنسج علاقات مع إسرائيل من دون أن تضطر الأخيرة إلى تقديم «تنازلات» تتّصل بالأرض والاستيطان وبكلّ ما يتعلّق بالحقوق الفلسطينية.
في كلّ الأحوال، نقلت قناة «كان» عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى توقّعه أن تعلن دولة أخرى إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل بعد عمل مضنٍ من قِبَل الجهات ذات الصلة في هذا الموضوع، وأن الأمر قد يكون يتعلّق بأيام معدودة فقط. وفي ما يتعلّق بالمغرب، أضافت القناة أنه يجب القول إن إسرائيل أجرت خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من عدم وجود علاقات رسمية، اتصالات مع المغرب خلف الكواليس، وأن من قاد هذه الاتصالات هو وزارة الخارجية، متابعة أنه في الفترة القريبة يُتوقّع أن تبدأ المحادثات الرسمية، سواءً حول الاتفاق نفسه لأنه حتى الآن كلّ ما يوجد هو تغريدة على «تويتر»، أو حول توقيت فتح الممثّليات وتفاصيله.
أمّا بخصوص اختيار ملك المغرب الانضمام إلى مسار التطبيع في الوقت الذي يتّجه فيه ترامب للخروج من البيت الأبيض، فقد رأى معلّق الشؤون العربية في «القناة 13»، تسفي يحزقلي، أن ذلك يعود إلى عدّة أسباب، أولها أن المغرب ليس دولة عدوّة، إذ إنه كان لإسرائيل مكتب مصالح على أراضيه، لكن «الآن، الأمر له رسالة ضخمة، وهو يعني أن الملك المغربي يعلن أنه ينضمّ إلى عربة السلام التي ستجلب له منفعة اقتصادية، وهذه هي قصة السلام مع المغرب، حتى لو كان الاعتراف بالصحراء أمراً مهمّاً». والدلالة الأخرى الأهم، بحسب المعلّق الإسرائيلي، أن ما جرى شَكّل ضربة للفلسطينيين؛ كون والد الملك الحالي كان رئيس «لجنة الدفاع عن القدس»، وهو أيضاً لديه وظيفة رسمية ورمزية في «الدفاع عن القدس».
صحيفة الاخبار اللبنانية