المملكة وخصومة الحلفاء (حبيب فياض)
حبيب فياض
التخبط المشهود في أداء المملكة السعودية على صعيد المنطقة لا يعكس اضطراباً في الدور الاقليمي للرياض بمقدار ما ينبئ بمخاطر وجودية تتهدّد النظام السعودي نفسه. فمملكة آل سعود، ما كانت لتذهب الى ما يشبه التمرد على واشنطن لو لم يكن الخلاف بينهما قد تجاوز الجزئي الى الكلي والمرحلي الى المصيري. في هذا الخضم، يبدو السؤال مشروعاً عما اذا بات النظام السعودي في خريف العمر، وإذا ما أصبحت المملكة مهيأة للحاق بربيع العرب. خاصة أن التجربة أثبتت أن حلفاء أميركا أقل مناعة أمام «لوثة» الربيع العربي قياساً الى خصومها. يدل على ذلك تجربتا تونس ومصر. فقد تخلت واشنطن عن الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك، وهما من أقرب الحلفاء اليها، فيما النظام السوري ما زال قائماً وهو من ألدّ خصومها.
اذاً، بات مشهوداً أن المملكة السعودية مأزومة. الأمر هذه المرة لا يتوقف على عداوات مستفحلة مع الخصوم، ولا يقتصر على انقسامات حادة بين أفراد الأسرة الحاكمة، بل يتعدى ذلك الى خلافات جوهرية مع الحلفاء والأصدقاء.
التوتر في العلاقة بين الرياض وواشنطن، بدأ بالتصاعد عندما أحجمت هذه الأخيرة عن ضرب سوريا واستعاضت عن ذلك باستراتيجية إقليمية جديدة. هذه الاستراتيجية أدّت إلى تعويم المحور الآخر وخسارة السعودية لكل رهاناتها. فالمملكة لم ترَ في شراكة الاميركي مع الروسي وتقاربه من الايراني ومرونته مع السوري، سوى تهميش لدورها وإبقائه ملحقاً خارج دوائر القرار والتأثير. المسألة لم تقف عند هذا الحد، بل تخطته الى التدخل الأميركي في شؤون المملكة الداخلية، من قبيل الحض على اصلاحات جوهرية في النظام السياسي، واستبدال القيادات الحالية بأخرى شابة وصياغة دستور للبلاد وإفساح المجال أمام التعددية السياسية والمشاركة في السلطة عن طريق الانتخاب واحترام حقوق الانسان واطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وصولاً الى اصلاح النظام القضائي والمناهج التعليمية والسماح للمرأة بقيادة السيارة.
يزيد الموقف السعودي تأزيماً اتساع الهوة بين الرياض والدوحة. هما في حالة صراع بالوكالة على الساحة المصرية. فالدوحة تدعم «الاخوان» المطرودين من السلطة، فيما المملكة تدعم الجيش والسلطة الجديدة. كما أن قطر بدأت بالخروج من رمال الأزمة السورية في وقت تصرّ المملكة على الذهاب في معركة إسقاط النظام حتى النهاية. مضافاً الى ذلك، ان الانفتاح القطري على ايران لم يعد خافياً مقابل شبه القطيعة في العلاقات بين طهران والرياض. هذا عدا عن خشية المملكة من أن يطالها شبح التغيير الذي شهدته الإمارة القطرية.
العلاقة بين الرياض وأنقرة هي، أيضاً، جزء من هذا السياق المأزوم. المملكة هي الراعي الاول للانقلاب على «الاخوان» في مصر فيما هم الركيزة في مشروع انقرة الإقليمي. الخلاف بين الإسلام التركي والإسلام السعودي، مرشح للتمظهر على شكل صدام اخواني وهابي لا تقف حدوده عند الحالة المصرية. يؤشر الى ذلك التقاتل في سوريا بين الجيش الحر بما هو مقرب من تركيا والجماعات التكفيرية بما هي صناعة سعودية. ولعل أكثر ما يثير حفيظة الأتراك هو إصرار الرياض على تصدير التكفيريين الى سوريا فيما هم باتوا يشكلون خطراً جدياً على تركيا نفسها من دون أن تكترث المملكة لذلك.
لم تعد السياسات الإقليمية للمملكة قائمة على رؤية محددة. هذه السياسات هي اليوم أقرب الى التمرد العبثي والانسياق الغريزي نحو القتل والفوضى: تصعيد العنف في العراق، منع تشكيل الحكومة في لبنان والتهديد بحرب أهلية، عرقلة مؤتمر جنيف 2، دعم استمرار تدفق السلاح والمقاتلين الى سوريا، ونعم للتقارب والتنسيق مع اسرائيل.