«المنطقة الآمنة»: 3 شرائط… ودور لأوجلان؟

 

عشية عيد الأضحى، وصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، شهر آب، بأنه «شهر الانتصارات»، قائلاً إن «شهر آب في تاريخنا يمرّ على أنه شهر الانتصارات. من انتصار ملازكرد الذي سندركه بعد أسبوعين، إلى حملة مرج دابق. ومن نصر 30 آب الذي هو ذروة حرب استقلالنا، إلى حملة قبرص. هو شهر شهدنا فيه محطات كثيرة جداً. أخيراً، بدأنا في شهر آب حركة درع الفرات التي وجّهت أولى الضربات إلى كوريدور الإرهاب الذي عملوا على إنشائه على امتداد حدود سوريا معنا. إن شاء الله سنضيف في آب الحالي محطة جديدة إلى سلسلة الانتصارات في تاريخنا».

في التحديد الزمني، موقعة ملازكرد حصلت في 26 آب 1070 بين السلاجقة الأتراك والبيزنطيين، وانتهت بانتصار تاريخي للسلاجقة، بقيادة ألب أرسلان، فَتَح أبواب الأناضول وآسيا الصغرى أمام العنصر التركي. في 24 آب 1516، حصلت معركة مرج دابق بين العثمانيين والمماليك، وانتهت بانتصار كبير للسلطان سليم الأول فتح أبواب بلاد الشام، ومن ثم مصر، أمام السيطرة التركية. في اليوم نفسه من عام 2016، حصلت عملية «درع الفرات» التي انتهت باحتلال الجيش التركي لمثلث جرابلس ــــ أعزاز ــــ الباب. أما في 30 آب 1922، فقد هزم مصطفى كمال (أتاتورك) اليونانيين في موقعة أفيون قره حصار، التي فتحت الطريق أمام استعادة إزمير وساحل إيجه من الجيش اليوناني. اليوم، يطلق أردوغان وعداً، ووعيداً، بأن يضيف إلى الانتصارات التي سردها «إنجازاً» جديداً، هو «تنظيف» منطقة شرقيّ الفرات من الوجود العسكري لـ«وحدات الحماية الكردية»، العصب المركزي لـ«قوات سوريا الديموقراطية» (قسد). التوجه التركي كان عبر عملية عسكرية حُشد لها منذ أشهر، لكن فجأة كان الاتفاق في السابع من آب على تغيير التوجه، باتفاقية إقامة «منطقة آمنة» في شرقيّ الفرات مع الولايات المتحدة.

كون المنطقة الآمنة تتضمن مبدئياً دخول القوات التركية عبر دوريات مشتركة مع الأميركيين، يضمن لتركيا وجوداً في تلك المنطقة (بمعزل عن حجم الأخيرة)، يحقق لها – ولو جانباً – مما كانت تتطلع إليه عبر عملية عسكرية. التعجيل في اجتماع الضباط الأتراك والأميركيين في شانلي أورفه مؤشر على أن اتفاقية المنطقة الآمنة جدّية، وما قد يعترضها من شروط متعلقة بالتفاصيل لن يكون عقبة أمام المضيّ بها، خصوصاً أن الفشل هنا يعني انتقال تركيا، وفقاً لوزير الدفاع خلوصي أكار، إلى «الخطة باء وتاء» إذا ظهر أن واشنطن غير جادة وتتلاعب لكسب الوقت، أي القيام بعملية عسكرية تركية من جانب واحد. حتى الآن، لم يتحدّد مركز غرفة العمليات المشتركة الذي قد يكون، وفقاً لصحيفة «خبر تورك»، في آقتشا قلعه أو سوروتش في محافظة أورفه أو قيزيل تبه في محافظة ماردين، والذي يفترض أن يحسم قبل السادس من أيلول المقبل، والقرار – وفقاً للأميركيين – بيد الأتراك.

الأطراف المعنية مباشرة بالمنطقة الآمنة ثلاثة، هم: الولايات المتحدة وتركيا و«وحدات الحماية الكردية». هذا لا يعني استبعاداً لدور الدولة السورية، إذ لا شيء يمكن أن يتخذ صفة قانونية من دون موافقتها، وقد أعلنت دمشق موقفها منذ اللحظة الأولى برفض أي اتفاق بين تلك الأطراف، واعتبار المنطقة الآمنة عدواناً على سوريا. ما بين تصريحات واشنطن ومواقف أنقرة، طغت على «قسد» موجة من الصمت والترقب، إلى أن ظهر أول موقف واضح من قائدها، مظلوم عبدي (كوباني)، قبل أيام، يمكن من خلاله رصد بعض المؤشرات. أيضاً، من خلال تعليقات محللين أكراد في صحيفة «يني أوزغور بوليتيكا»، وأوساط قيادية في «الإدارة الذاتية» لمنطقة شمال شرق سوريا أو ما يُطلَق عليها «روج آفا»، يبدو:

1- أن الأكراد السوريين (على الأقلّ الذين يمثلهم «حزب الاتحاد الديموقراطي»، وهم الفئة الوازنة) ليسوا ضد المنطقة الآمنة، بل إن مظلوم عبدي يقول إن الأكراد هم الذين يريدون هذه المنطقة، وإنهم لا يمانعون الحوار مع عدوهم تركيا، وإن ذلك «أمر إيجابي». لكن الحوار يجري الآن عبر الأميركيين، أي إن الأميركيين في نظر «قسد» مجرد وسيط.

2- لكن هذا الوسيط هو في الوقت نفسه شريك. عبدي يصف الأميركيين بـ«شركائنا». وهذا يطرح علامات استفهام حول توجه القوى الكردية في المرحلة الراهنة. فإذا كان الأميركيون «شركاء»، فماذا يمكن أن تكون عليه صفة الدولة السورية التي، برأي عبدي، تقرأ التطورات بنحو خاطئ، فيما هي أكبر من شريك؟ ألا يعني ذلك ضمناً أنها ليست شريكاً؟ وفي حال التوصل إلى اتفاق بين تركيا وأميركا والقوى الكردية على المنطقة الآمنة، ألا يعني ذلك اتساع الهوة بين الأكراد والدولة السورية، والمضيّ قدماً في ترتيبات أكثر تعقيداً للخريطة السورية، وبالتالي إطالة عمر الأزمة؟

3- تؤكد القوى الكردية التوصل إلى اتفاق. وفي التفاصيل، فإن الأتراك يريدون منطقة آمنة بين تل الأبيض ورأس العين أولاً، أي بطول ما بين 65 و100 كلم، فيما القوى الكردية تريدها على امتداد الحدود حتى لا تبقى لتركيا ذريعة في الأماكن الأخرى للتدخل العسكري. وتطالب تلك القوى بعمق قدره 5 كلم، وأحياناً 9 كلم، وصولاً إلى 15 كلم في بعض المناطق. وهي لا تعارض عودة اللاجئين إلى مناطق شرقيّ الفرات، على أن يُعتقل المنتمون إلى «داعش» ويحاكَموا. المصادر التركية تتحدث عن منطقة آمنة من ثلاثة شرائط: شريط أول بعمق 5 كلم ينسحب منه المقاتلون الأكراد، وتُسيَّر فيه دوريات تركية ــــ أميركية مشتركة، ولا يدخل الجيش التركي بموجبه المدن التي ستديرها مجالس محلية أمنية مع الولايات المتحدة. ثم شريط ثانٍ بعمق 9 كلم، يبقى فيه المقاتلون الأكراد مع نزع السلاح الثقيل منه، ولا يدخله الجيش التركي. وفي مرحلة ثالثة، توسيع الشريط الثاني 4 كلم ليصبح 9 كلم وبالشروط نفسها، ليصبح العمق الإجمالي للمنطقة الآمنة 18 كلم. أما مطالبة الأتراك بعمق 30 ـــ 40 كلم، فتهدف إلى أبعد من تنظيف المنطقة من المسلّحين الأكراد، لتشمل السيطرة على الطريق الرئيسة الممتدة من الغرب إلى الشرق، والتحكم بها لدى الحل النهائي عبر قوات موالية لتركيا.

4- في خضمّ هذه التطورات، دخل عنصر جديد على خط المفاوضات. على الرغم من زيارة محمد أوجلان، شقيقه عبد الله أوجلان (فتشت السلطات التركية محمد أوجلان (68 عاماً)، عارياً، مع أن زياراته تتكرّر منذ 20 عاماً) في سجنه في تركيا يوم عيد الأضحى ولقائه به لمدة ساعة، فقد كان موقف زعيم «العمال الكردستاني» من الوضع في شرقيّ الفرات عامّاً، عندما دعا إلى حل سلمي للمسألة، لأن الحرب تُلحق الضرر بتركيا، كما بالشعب هناك. لم يتطرق أوجلان إلى مسألة المنطقة الآمنة، وذكّر بإقامته في سوريا 20 عاماً ومعرفته التامة بالشعب هناك وعلاقته بالعشائر الكردية، داعياً إياهم إلى الوحدة. لكنه قال، في تصريح نادر لمحطة تلفزيونية تركية، إنه لو كان الأمر بيده لكان حلّ الوضع في شمال سوريا خلال أسبوع! يتساءل الكاتب التركي، فهيم طاشتكين، في صحيفة «غازيتيه دوار»، عمّا إذا كان هذا التصريح مقدمة لمبادرة جديدة من أوجلان خلال شهر أيلول المقبل.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى