النضال العالميّ ضدّ الإمبرياليّة يمرّ بفلسطين
يأخذنا كتاب «فلسطين: مقدمة اشتراكية» (منشورات هايماركت ـ 2020) الذي شارك في كتابة فصوله التسعة مجموعة من البحّاثة العرب والأجانب من أهل الاختصاص، إلى عقود مضت عندما كانت الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة في بداياتها، ونقطة جذب لمجمل حركات التحرر في دول عربية والمعارضات العربية الوطنية والقومية، من عُمان والبحرين وحتى من مشيخات الإمارات العربية المتناحرة وجنوبي اليمن المتحرر حديثاً من الاستعمار البريطاني وإلى المغرب الأقصى. في تلك الأيام، عمدت الحركة الوطنية الفلسطينية إلى إقامة علاقات وثيقة مع جبهة التحرير الوطني في فيتنام ومع القائد الفيتنامي الأسطوري الجنرال جياب، ومع الصين قبل أن تتحول إلى رأسمالية الدولة الاحتكارية، ومع كوبا، ومع قوى كردية ثورية ومنظمات تركية مثل جيش التحرير الشعبي التركي والجيش الأحمر الياباني ومع مختلف قوى الحرية والتحرر في العالم في تلك العقود. هذا قبل أن ينتهي أمرها إلى أن تصبح مؤسسة سياسية يمينية استبدلت علاقاتها مع «أصحاب الجلالة والفخامة» ومع وكالة الاستخبارات المركزية وحلف الناتو بقوى التحرر العالمية التي كانت [وما زالت] تتضامن مع قضيتنا الوطنية التحررية رغم ارتداد جماعة أوسلو.
طلائع انتقال الحركة الوطنية الفلسطينية من معسكر الثورة إلى معسكر الاستسلام، معسكر التسويات الذي بدت «طلائعه» تظهر للعيان بالخضوع لإملاءات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ذات الصلة، وأولها مغادرة الساحة الأردنية وتركها «للملك الصغير الأجير عميل الإمبريالية الفاجر عاهر الأردن وجدّه الملك الأجير الذي أجروه على العرب كلهم وعلى فلسطين وعلى شرفنا … إلخ»، كما كان يسميه قبل هزيمة حزيران وما تبع ذلك من رهن قرار القاهرة للرجعيات العربية، وقبول استبدال أموال البترودولار الفاسدة والمفسدة من الرجعيات العربية بالاعتماد على جماهير شعبنا في الأردن على وجه التخصيص.
المؤلف بفصوله المختلفة لا يتعامل مع تلك المرحلة، لكن أساس رسالته التذكير بأن جوهر قضية فلسطين جزء لا يتجزأ من النضال العالمي ضد الإمبريالية، وليس خلافاً على حدود كما تريده قيادات أوسلو الفاشلة. الكتاب يذكِّر القراء ببديهيات الصراع مع العدو الصهيوني والمعسكر الغربي المؤيد له وداعمه، وكيفية مواجهتهم، خصوصاً بعد انتقال معسكر الرجعية العربية إلى التحالف العلني مع العدو الصهيوني.
محرّرا المؤلف وكاتبا المقدمة وهما الناشطة الفلسطينية سمية عوض والناشط الأميركي برين بِين، وكلاهما مقيمان في الولايات المتحدة، كتبا: «إذا كنت تقرأ هذا المؤلف، نتخيل أنك تهتم. وتريد معرفة المزيد. تريد صقل معرفتك أو تطوير مهاراتك أو تحليل المعلومات من خلال إطار ثوري واشتراكي. أنت جزء من اليسار المزدهر الذي يرفض قبول الوضع الراهن والبقاء صامتاً بينما العالم يحترق من حولنا. ذلك ما يمكن للمرء القيام به؟ قم بالتوصيل. عبّر عن حبك، تصوّر طرقاً إبداعية لاتخاذ الإجراءات، احضر اجتماعاً محلياً، أو قم بعمل منشور، أو ساعد في تنظيم عرض توضيحي، أو تطوع في حملة لجمع التبرعات، أو ابحث عن حملة سحب استثمارات، أو نسق لوحة، أو ارفع لافتة في تجمع حاشد، أو كن عضواً في الجمهور، أو قم بتثقيف صديق، أو إعادة تغريد، أو المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي أو انستغرام، وتعزيز الإشارة عبر الإنترنت… فلسطين قضية استعمار استيطاني متحرك، إنها دولة فصل عنصري آخذة في الاتساع، وهي مهيأة لمذبحة قادمة. إن دعم فلسطين أمر حتمي لأولئك الذين يعلنون الوقوف إلى جانب العدالة».
محررة العمل وزميلها قسّماه إلى ثلاثة أجزاء أولها «الظروف المعطاة والمنتقلة من الماضي» الذي يضم ثلاثة فصول ويبدأ بتحديد جذور النضال اليوم وإلقاء الضوء على النكبة والأيديولوجية السياسية في جذور المشروع الاستعماري-الاستيطاني الإسرائيلي الصهيوني، وينتهي بتقديم سياق تاريخي لحركة التحرير الفلسطينية الممتدة من النكبة إلى الانتفاضة الثانية. فهم هذا التاريخ هو مفتاح استخلاص الدروس من الماضي ورسم مسار النضال اليوم. هذا الفصل يذكّرنا برسالة مؤلف «اليسار الفلسطيني وانحساره: معارضة موالية» الذي سبق لنا عرضه في هذا المنبر (راجع «الأخبار» 31/10/2020). الجزء الثاني «الطريق إلى القدس يمر بالقاهرة» يضم أيضاً ثلاثة فصول، لكنه يركز على نحو أكبر على الخطوط العريضة الحالية للنضال من أجل التحرر الفلسطيني، مع الأخذ في الحسبان مختلف اللاعبين اليوم، بدءاً من تاريخ ما يسمى عملية السلام باعتبارها امتداداً لمخالب الليبرالية الجديدة. كما يشرح هذا القسم سبب استبعاد أي دور تحرري (مزعوم) للطبقة الإسرائيلية العاملة المرتبطة عضوياً بالمشروع الاستعماري-الاستيطاني الصهيوني، رغم إصرار المشاركين في المؤلف على التضامن العالمي للطبقة العاملة باعتباره الطريق الوحيد للحرية. أخيراً، ينظر المشاركون إلى الكيفية التي شكّل بها المسار الثوري المتعرج باستمرار للربيع العربي لحظة النضال الحالية.
القسم الثالث «يا عمال العالم اتحدوا» يسلط الضوء على الديناميكية الهامة للتضامن العالمي. أولاً، حركة المقاطعة وعلاقتها بتغيّر المد في النضال. ثانياً، العلاقة التاريخية بين النضال من أجل فلسطين ونضال تحرير البشر الملوّنين في الولايات المتحدة. ثالثاً، الديناميكية المتداخلة للنوع الاجتماعي ومفاهيم النسوية داخل فلسطين وخارجها.
الاستنتاج يجمع تلك هذه الخيوط لإثبات الحاجة إلى ربط تحرير فلسطين بالنضال ضد الإمبريالية والرأسمالية العالمية، سواء في تشخيص الوضع أو في وصفة الحرية.
كتاب ثمين لمن يرغب في الانضمام إلى النضال من أجل تحرير فلسطين وإقامة دولة فلسطين الديمقراطية العِلمانية مكان الكيان الاستعماري-الاستيطاني الصهيوني والمشاركة في صنع مستقبل أفضل للإقليم وأهله.
صحيفة الأخبار اللبنانية