الهوية الوطنية في الدراما السياسية
انطلاقًا من أن المضمون السياسي هو أحد مؤشرات الهوية الوطنية التي تتمثل في الانتماء، والبعد المعرفي، والنظرة للذات، والإحساس بالاختلاف، والحنين للوطن، والمضمون السياسي تركز الباحثة د.دعاء أحمد البنا في كتابها “دراما المخابرات.. وقضايا الهوية الوطنية” على كيفية تناول الهوية الوطنية في الدراما السياسية (دراما المخابرات المأخوذة عن ملف المخابرات العامة المصرية) المقدمة في كل من السينما والتليفزيون. مؤكدة على وجود علاقة وثيقة بين كل من الدراما السياسية في السينما والتليفزيون. مثلا في مصر كانت بداية دراما المخابرات، التي تمثل شكلاً من الدراما السياسية، في فيلم الصعود إلي الهاوية، الذي حقق نجاحًا جماهيريًا، أغرى صناع الدراما التليفزيونية بالاستجابة واستثمار استعداد المشاهد لاستقبال هذا النوع من المضمون في أفلام السينما، وكانت البداية في المسلسل التليفزيوني “دموع في عيون وقحة“.
وتشير إلى أن الفن سياسة والسياسة فن، ولا يمكن الفصل بينهما. فالسياسة تدخل في كل شيء ولا تقتصر على شئون الحكم والسياسة الداخلية والخارجية لأن هذه جزئية وليست كل شيء، ففي الاجتماعات سياسة وفي الكوميديا سياسة والحب أيضا سياسة. وعند الدفاع عن كرامة الإنسان وحث المشاهد على التمسك بقيمه الأصلية، فهذه هي قمة السياسة، لأن أي غزو حضاري لا يمكن أن ينجح، إلا في ظل الجهل إذا تخلى الفن عن دوره في خلق المعدات وخطوط الدفاع اللازمة، وأيضا عندما يكون أخطر مشكلة تواجه الإنسان العربي حاليا هي الانتماء للأرض والأصالة والقيم، فالشباب اليوم يشعر بالاغتراب في بلده، فيهاجر، ليشعر باغتراب أكبر، وعندما يتصدى لمافيا الفكر الاستهلاكي من خلال التليفزيون الذي يدخل كل بيت فهذه هي قمة السياسة.
وترى البنا في كتابها الصادر عن دار العربي للنشر أن الأفلام السياسية تناقش حقوق المواطن في علاقته بالدولة مثل فيلم “ناجي العلي” وفيلم “ضد الحكومة”، وفيلم “ناصر 56”. وتقول “في مرحلة الستينيات قدمت نماذج من أبطال حاولوا صياغة سؤال الحاضر والمستقبل وناقشوا الماضي بعمق وصراحة أوسع، اتكاء على مجمل التحولات الجارية في الواقع فلم يكن “سيد عبد الجواد” إلا حلقة تتواصل مع أبوسويلم” في أفلام “الثلاثية” و”الأرض” فإذا كان الأول تجليا لنقاش المرحلة الأولى من عمر مصر من مطلع القرن العشرين حتى ثلاثينياته، فإن الفيلم الآخر ناقش تمسك الفلاح بأرضه واستحالة اقتلاعه منها”.
وتعرض البنا بالتحليل لعدد من الأعمال الدرامية التي تناولت قضايا سياسية داخلية وخارجية، التي تناولت شخصيات سياسية بارزة معتمدة على في ذلك على المادة الفيلمية السينمائية التي تم عرضها في التلفزيون المصري باعتبارها أحد أشكال الدراما التليفزيونية السياسية، ومنها مسلسل “فارس بلا جواد” ومسلسل “زهرة الياسمين” وأفلام “ليلى بنت الصحراء”، “لاشين”، “من فات قديمه”، “مصطفى كامل”، “الله معنا”، “رد قلبي”، “جميلة بوحريد”، “في بيتنا رجل”، “الباب المفتوح”، “ثمن الحرية”، “شروق وغروب”، “المتمردون”، “القضية 68″، “ميرامار”، “شيء من الخوف”، “الأرض”، “زائر الفجر”، “الكرنك”، “عودة الابن الضال”، “اسكندريه ليه”، “احنا بتوع الأتوبيس”، “البرئ”، “الغول”، “زوجة رجل مهم”، و”الراقصة والسياسي”، “المواطن مصري”، الارهاب والكباب”، “الارهابي”، “فتاة من اسرائيل”، “نصر 56″، و”معالي الوزير”.
وتلاحظ البنا أن الأفلام التي تناولت حرب فلسطين عام 1948 فرضت عليها هذه الحرب بعدا عربيا حيث دارت المعركة في فلسطين التي اعتبرتها الأفلام أرضا عربية دون أن تضع حدودا بينها وبين مصر التي هي عربية أيضا فالجندي المصري يدافع عن فلسطين في هذه الأفلام كما لو كانت جزءا من مصر، وقد تناولت هذه الأفلام “فتاة من فلسطين” 1948، و”نادية” 1949، “أرض الأبطال” 1955، “وداع في الفجر” 1956، “أرض السلام” 1957، “ومن أحب” 1965″.
وتؤكد البنا أن الحروب والأحداث الكبرى كافة لم تؤثر في الفكر السينمائي كما أثرت حرب 1967، ففي الحربين السابقتين ضد إسرائيل عام 1948 وعام 1956، ثم الحرب اللاحقة 1973، اقتصر رد الفعل على إنتاج مجموعة من الأفلام بعضها يدخل ضمن أفلام المناسبات وبعضها يحتفظ بقيمة تجعله باقيا وحيا حتى الآن.
وتحلل عددا من الأفلام التي تناولت حرب 1967 منها “ثرثرة فوق النيل” و”أغنية على الممر”، “العصفور” و”الخوف”، و”الظلال في الجانب الآخر” و”وضاع حبي هناك”. وكذلك الدراما التي تناولت حرب الاستنزاف مثل فيلم “أبناء الصمت”، والدراما التي التي تناولت حرب أكتوبر 1973 مثل “الرصاصة لا تزال في جيبي” و”بدور”، “العمر لحظة”، و”الطريق إلى إيلات”.
وتلفت البنا إلى أنه لفترة ما في تاريخ مصر المعاصر تحولت المخابرات العامة المصرية إلى وحش كاس لا يرحم في أذهان الناس، وفي الوقت الذي كانت فيه المخابرات المصرية منهمكة في العمل الصامت ضد أعداء الوطن والذين يريدون نشر الخراب في أرجاء المنطقة كانت هناك موجة من الشائعات ترسخت في العقول أن المخابرات العامة أشبه بجهاز “الجستابو” الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود، وكان لابد من تصحيح الصورة وإعادة لكل ذي حق حقه. وبعد نكسة 1967 كان من اللازم أن تنتشر موجة إعلامية توضح للناس أن جهاز المخابرات كأي جهاز آخر يعمل من أجل مصلحة الوطن وأنه جدار الحماية الواقي له، ولذا خرجت أعمال درامية كثيرة تليفزيونية وسينمائية طوال السنوات التالية، لكن على الرغم من كثرتها النسبية، فإن هذا لا ينفي أنها أقل القليل، ونظرة واحدة للأعمال الاجتماعية والكوميدية فإنه يلاحظ أنها تأخذ مساحة عريضة بخلاف أعمال المخابرات المصرية والتي يمكن حصرها في “الصعود إلى الهاوي”، “إعدام ميت”، “بئر الخيانة”، “فخ الجواسيس”، والأعمال التليفزيونية “داليا المصرية”، “دموع في عيون وقحة”، “رأفت الهجان”، “الثعلب”، “السقوط في بئر السبع”، “الحفار”، “وادي فيران”، “وحلقت الطيور نحو الشرق”، “العميل”.
تحلل البنا هذه الأعمال مؤكدة أنها تحمل الكثير من قصص التضحية والايثار والحب، بل العشق لتراب الوطن، ولفتت إلى خروج عديد من القصص والروايات التي تحكي عن عمليات قامت بها أجهزة المخابرات المصرية والعربية، وترددت في العقول والوجدان أسماء عديد من الشخصيات التي ساهمت في كتابة تاريخ المخابرات، ومن أشهر رواد الأدب المخابراتي في العالم العربي المبدع صالح مرسي.
وفي إطار رصدها تحليلها للعقبات أمام الدراما السياسية بشكل عام ودراما المخابرات بشكل خاص في مصر كانت الرقابة التي تمارسها السلطة هي العقبة الرئيسية يليها الانتاج، وقد رأت أن الأفلام السياسية ناضلت بوجه خاص لكي تثبت وجودها لكن الرقابة كانت دائما تقف لها بالمرصاد. وتقول أن صدور قرارات بشأن عدم تحويل بعض القصص والأحداث الموجود في ملف المخابرات المصرية إلى دراما تليفزيونية يعد من أشكال الرقابة التي تتعرض لها دراما المخابرات كأحد أنواع الدراما السياسية، على الرغم من أن هناك من يدعي أن ذلك يرتبط بأسباب إناجية لا سياسية”.
وفي ملاحق الكتاب تفرد البنا تحليلا لبعض نماذج الأفلام والمسلسلات التي تناولت العرب والصراع بين العرب وإسرائيل: الأفلام الإسرائيلية التى تناولت العرب، الأفلام الإسرائيلية قبل حرب 1967م. وقد بدأت تحليلاتها لما قدمته السينما الروائية، وهي من أهم الوسائل التي توليها الدعاية الإسرائيلية والدعاية الصهيونية بشكل عام اهتماما كبيرا، ويشهد نشاطا واسعا في مجالات الإنتاج، حيث تأخذ السينما الإسرائيلية تيارات ثلاثة: سينما العهد القديم والتوراة ـ سينما النازية ومعاداة السامية ـ سينما الحرب ضد العرب وتمجيد اليهود المعاصرين. ومن الأفلام التي حللتها “أوديد التائه”، “صابرا”، “كانوا عشرة”، “التل 24 لا يرد”، “جوديت”، “الظل العملاق”، “غيوم فوق إسرائيل”، “عصاة تحت الضوء”، “عمود النار”، “عملية القاهرة”، فيلم “الخروج”، “أحب مايك”، “في وادي الحضارة”، “في وادي الحضارة”، “ثمانية ضد واحد”، “عصر الجمل”، وأفلام أخرى تمثل مجموعة الأعمال الدرامية تناولت الأنا العربية والمصرية لدى الآخر الخارجي – إسرائيل – وذلك قبل حرب يونيو عام 1967م، حيث يذكر “سمير فريد” أن حرب يونيو 1967م أدت إلى وضع الصراع العربي الصهيوني في إطاره الحقيقي، فلم تعد القصة هي احتلال فلسطين وإنما احتلال فلسطين ومصر وسوريا والأردن ثم لبنان، ولم تعد القضية الفلسطينية فلسطينية، وإنما أصبحت قضية عربية.
وتتوقف البنا أيضا مع الأعمال الدرامية الاسرائيلية التي تضمن صورة العرب بعد حرب 1967م، ومنها أفلام “معركة سيناء”، “صابرا”، “ملف القدس”، كما تشير إلى الأفلام الإسرائيلية بعد حرب 1973، ومنها “البرعم”، “كل الحياة”، “شارع استر”، “انتصار في عنتيبي”، “أطفال الغضب”، “الأحد الأسود”، “القرصان”، “أمي.. الجنرال”، “عائلة تزناني”، “عملية ثندر بولت”، “السفير”، “ارتداد القذيفة”.
ومن السينما الروائية إلى المسلسلات التى تناولت العرب تكشف البنا عن آليات تعاون التليفزيون في إسرائيل مع شبكات التليفزيون العالمية، منذ بداية الثمانينات وتتناول بالتحليل مسلسل “سادات”، وهو مسلسل تليفزيوني أمريكي، وهو من أهم الأعمال التليفزيونية الأمريكية التي تناولت مشكلة الصراع العربي الصهيوني، أو ما يطلقون عليه مشكلة الشرق الأوسط. والمقصود من هذا المسلسل الذي تكلف ملايين الدولارات هو الترويج لوجهة النظر الصهيونية في الصراع، والتأكيد عليها لدى الرأي العام الأمريكي والغربي عموما، بل والرأي العام العربي أيضا.
وتقول البنا “قد حدد ‘العرب’ كآخر في الدراما الصهيونية في صورة عدائية أو له صور سلمية، ويتم التعبيرعن ذلك من خلال الدراما التليفزيونية والسينمائية، فهى ليست مجرد نموذج جدلي يستخدم لصياغة وبروز المؤامرة في أفلام صهيونية، ولكن أيضا كمصدر لسمات العبرانيين الجدد، بواسطة إظهار كل من سمات الاختلاف والتشابه فمن خلال الثنائيات “تشجيع أو رفض”، “قرب أو بعد”، “جرأة أو خوف” تتشكل صورة العرب. فالعلاقة ما بين اليهود الإسرائيليين والعرب والفلسطينيين في المناطق المحتلة هي أساس الدعامة المشتركة في الموضوعات التي تناولتها الدراما السياسية الإسرائيلية من خلال الروابط الثقافية والشخصيات المعقدة والصراعات السياسية والاقتصادية والمخاوف التي تتواجد في الماضي والحاضر. وعلى مدار العشرين عاما السابقة، حاولت الدراما الصهيونية أن تصل إلى ما يسمى الوقائع الصارمة للصراع العربي الإسرائيلي، وتقديم الصراع على الأرض، والملكية المتروكة، واللاجئين العرب، وكان ذلك نتيجة لعملية طويلة وبطيئة للتغلب على آليات الدفاع، وإنكار الذات، والظلم، والرقابة الذاتية، والرقابة عبر الآخر، مع الإشارة إلى أن الدراما العربية قدمت اليهود في نمط الشخصية الحقيرة.
وتؤكد إن هذه الدراما تقدم الأرض كهدف وطني مهم لليهود، وأن الخطر يمثله العرب، واستخدمت في تجسيد ذلك عديد من الكلمات ذات التأثير العاطفي في حب الأرض وتحويلها إلى رمز وأسطورة، ومواجهة الخطر العربي فالأرض هي القضية الأساسية وتمثل الشعور بالانتماء، وأن من يتحكم في الأرض يتحكم في الدولة.
وفي مثل هذا النوع من الدراما من أفلام ومسلسلات وسلاسل يتم استخدام الأغاني الوطنية العربية من خلال الشخصيات الوطنية الرئيسية التي ترددها.
وتؤكد البنا أن الدراما الإسرائيلية/الصهيونية على امتداد تاريخها هي ابنة الصهيونية ونبت من ثمارها، تتلون كما السياسة الإسرائيلية باللون الذي يتناسب والمرحلة التي تمر بها الدولة. في كل الأحوال، حتى في أفلام الموجة الجديدة التي أتاحت فرصة أكبر للشخصية الفلسطينية وللسفارديم، تظل عنصرية تعبرعن أيدلوجيتها مهما تزينت بزي الديمقراطية. وكل الأفلام والدراما تحمل مضمونا سياسيا، وبتحديد أكثر، تحمل بعدًا سياسيًا، ذلك أن السياسة هي جوهر أي نقاش حول الدراما الإسرائيلية؛ وذلك لعدة أسباب منها: أن قيام إسرائيل كدولة تختلف عن كثير من الدول في أنها جاءت نتيجة عقيدة سياسية محددة وهي الصهيونية، ذلك بالإضافة إلى إشكالية أخرى تأخذ بعدًا لغويًا، فيما يشبه “حرب المسميات”، فأي حديث أو كلام يضع الفرد أمام أكثر من معنى مثل “إسرائيل” و”إيرتس إسرائيل” و”فلسطين” و”فلسطين المحتلة”، وهو ما يورط المحلل في قضايا وجهة النظر والمنظور السياسي”.
وتلفت إلى أن العرب حتى اليوم لم تستطع استخدام الدراما كإحدى الأدوات الأساسية في شرح القضايا أو في مجابهة الدراما المعادية التي تستغلها الصهيونية استغلالاً كبيرا بوسائل شتى، ومن خلال إنتاجات سينمائية ودرامية كثيرة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وتتابع البنا أن “الدراما العربية، وعلى وجه الخصوص الفيلم العربي لا يتمتع بحضور حقيقي على الساحة العالمية لتشاهده الجماهير الواسعة وينقل إليها خطابا متميزاً يعبر عن الشخصية العربية، فذلك بعيد، ونادراً ما يصل فيلم أو عمل درامي عربي إلى الجماهير الأوربية العريضة. فمن بين 4500 فيلم روائي عربي يلاحظ أن منها حوالي أربعة آلاف فيلم في مصر وحدها أمكن تحديد بعض أبعاد الموضوع بوجود نوع العزلة المفروضة على الفيلم العربي خارج حدود بلاده، وما تسميه الناقدة الأمريكية “إليزابيث مالكموس” “الفيتو” الذي يحول دون مشاركة الفيلم العربي بالقيام بدور حضاري.. إنه موقف متناقض ومحزن وسيء: فمن جهة، هناك رغبة عالمية للتعرف على العرب، وقد برزت بنحو خاص بعد حرب 1973م، وكان يمكن للسينما والتليفزيون ـ بالطبع ـ أن يلعبا دوراً مهماً وخطيراً، بل وكان ذلك للعربي فرصة ذهبية لا يكررها التاريخ المقبل المنظور ومن جهة تنمية عقبات حالت دون وصول الدراما العربية إلى العالم لتقدم الصورة الحقيقية للعرب”.
ميدل إيست أونلاين