الوحش مختبئاً و مفضوحاً
كيف يختبئ الوحش في أعماقنا و كيف يكشّر عن أنيابه ؟
إليكم هذه الأحداث التي جرت معي شخصياً و أحكموا بعدها على هذا التصرف .!..
حدث ذلك ذات صيف في أحد المصايف الجبلية في بلادنا حين تعرفت إلى شخص يبدو رقيقاً ودوداً، أو هكذا خيل لي، إذ كان رقيقاً في إستقبال ضيوفه، سخياً في بسط إخوانة العامر لهم ولا أنكر أنه استهواني في لقاءاتي الأولى معه غير أن المصادفة أسعفتني ذات صباح باكر حين استيقظت على صدى جارح لطلقات نارية في الأحراج المجاورة وحين سألت قيل لي إنها لصيادين مبكرين فدفعني الفضول إلى الخروج و قد أمضّني صوت الطلقات المدوي يعكر صفاء الطبيعة وهي تفتح عيونها وآذانها عليه .
إلتقيت بعد قليل بالصيادين. كانوا ثلاثة يحمل كل منهم بكل إعتزاز سلاحه ” جفتاً ” ثقيلاً بسبطانتين، ويتزنر بعدّة كاملة للصيد والقنص وهم جالسون يشربون قهوة الصباج تحت شجرة وارفة.
فوجئت بأن صاحبي الجديد كان واحداً من هؤلاء الثلاثة وما كاد يراني حتى إنفجر بضحكة غريبة وهو يرحب بي ويقدمني لزميليه فأشار أحدهما إليه يثني عليه أنه كان الأسرع والأدق في إصابة ثلاث عصافير صغيرة بطلقتين .
وقفت إزاءهم مأخوذا بالمفارقة التي صدمتني … كيف يفكر هؤلاء البشر ؟! ألا يشعرون بأنهم يزعجون المنازل القريبة بما يصدرونه من ضوضاء في هذه السكينة الصباحية الصافية ، وهل هواية الصيد هي ما يصنعونه الآن في مفاخرتهم بقتل عصافير صغيرة ليس ألطف من زقزقتها في هذا الصباح الباكر ؟!.
لبثت جامداً في وقفتي دقائق ، ثم لم أملك نفسي من أن أصارحهم بإستغرابي ، وحين لم يعجبهم كلامي ولم يعجبني كلامهم آثرت الإنسحاب!…
قد لا تصدقون أن هذا الشخص الذي كدت أصطفيه صديقاً جائتني أخباره مصادفة بعد أقل من عام أنه كان يضرب زوجته وأنها طلبت الطلاق فطردها شر طرد هي وأولادها الصغار الثلاثة.
كانت هذه الأخبار صحيحة، وكان ظني في محله غير أنني لم أكن أتصور أن الوحش الكامن في أعماقه جبار إلى هذا الحد ومع ذلك فما زلت أفرح بالصداقات الجديدة، فالوحوش على كثرتها لن تقضي على هواية المودة في أعماقي، ولكن لابأس من أن يحتاط الواحد منا قبل الإندفاع بعيداً مع العلاقات الجديدة فيأخذ حذره قبل أن يسلم قلبه إلى شخص لا يستحق هذه الوديعة الغالية.