اليسار العربي… محطّات في تاريخ صاخب

 

يحوي كتاب «اليسار العربي: تواريخ وإرث: الخمسينيات إلى السبعينيات» (منشورات جامعة ادنبرغ ـــــ 2020) للور جرجس أربع عشرة مقالة موثّقة عن محطّات في تاريخ اليسار العربي تقاسمت كتابة مختلف فصوله مجموعة من الباحثات والبحّاثة أغلبهم من غير العرب. وقد رأينا عرض أفكار الكتاب الرئيسة، وفي أحيان كثيرة بكلمات الكُتَّاب، آملين أن يقوم المعنيون بمناقشته، إن رغبوا، إمّا اتفاقاً أو نقضاً.

لور جرجس المؤرّخة الدانماركية المصرية المتخصّصة في التاريخ الثقافي والسياسي والاجتماعي العربي، كتبت «مقدمة عن اليسار العربي من الخمسينيات إلى السبعينيات: التكتلات عبر الوطنية والموروثات المتغيرة» حيث ناقشت، ضمن أمور كثيرة، تعريف اليسار واقتراحها تصوّره كمجموعة من المعاني والقيم.

كتبت أوريت باشكين الفصل الأول (الراديكالية التي لا تُنسى كلمات «الاتحاد» في الروايات العبرية»، خاصة لعصبة معاداة الصهيونية في العراق التي مارست دوراً أساساً في تطور هوية يهودية عربية راديكالية والتزمت الاتجاهات اليسارية والشيوعية حتى بعد مغادرة الشيوعيين اليهود وطنهم.

هنا مورغنشترن المترجمة والأكاديمية المحاضرة في جامعة كمبردج ناقشت في الفصل الثاني (القلوب النابضة: الماركسية العربية ومناهضة الاستعمار وآداب التعايش في فلسطين/إسرائيل – 1944-1960) تلاقي الماركسيين العرب واليهود [؟] من خلفيات مختلفة وبرعاية الحزب الشيوعي في كيان العدو وتأسيس مجلته الثقافية والسياسية «الجديد»، وتناقش الطرق التي استخدموا بها المجلة واستراتيجية التنظيم الشيوعي الشعبي مثل النوادي والمهرجانات الفكرية، لزرع بذور تشكيل حركة تعارض الايديولوجية الصهيونية.

الباحث الفرنسي ماتثيو ري المتخصّص في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر في «معهد أبحاث العالمين العربي والإسلامي ودراستهما» و«المعهد الوطني للأبحاث العلمية» خصص فصله «انتخابات حرة ضد ممارسات استبدادية: ما ناضل البعثيون من أجله» لتحديد القيم الأساس التي يتقاسمها المؤسسون البعثيون، وكيف أثروا في ممارساتهم السياسية وحولوا ناديهم إلى حزب سياسي يدافع عن الأفكار الليبرالية، وكون الدستور والانتخابات الحرة والنظام البرلماني أدوات أساس مطلوبة لتنفيذ برنامجهم ومن ثم تبنيهم تدريجاً مواقف جديدة وقبول الأعمال العسكرية ودعم الأفكار الناصرية في نهاية المطاف.

صون هغبل أستاذ الدراسات الكونية في «جامعة رُسكيلد» الدانماركية ناقش في الفصل الرابع (التعامل مع الانشقاق: خالد بكداش وانشقاق الشيوعيين العرب) الأدبيات المتوافرة عن زعيم الحزب الشيوعي السوري اللبناني لفترة طويلة وكونه تجسيداً للطريقة التي هيمنت بها الحركة الشيوعية العالمية السوفييتية على الشيوعية العربية، ما أدّى إلى القبول غير النقدي لشرائع الماركسية السوفيتية وما يصاحب ذلك من فشل في صياغة تحليلات اجتماعية مستقلّة للظروف الخاصة للمجتمعات العربية. كما يركز الفصل على الخلافات العميقة المحيطة بالقرار القاتل للحزب الشيوعي السوري اللبناني والأحزاب الشيوعية العربية بدعم خطة تقسيم فلسطين لعام 1947 رغم المقاومة السابقة للتقسيم بقيادة فرج الله الحلو.

دانيلا مِلفا تناقش في الفصل الخامس (أممية وطنية: التزام الحزب الشيوعي التونسي بتحرر الشعب) الملامح الرئيسة لالتزام الحزب بالجبهة الخارجية، ولا سيما في ساحة «القارات الثلاث». ياكوب قريص ناقش في الفصل السادس (القومية الأممية: صناعة الجزائر في مهرجان الشبيبة العالمي، 1947-62) مشاركة الوفود الجزائرية في المهرجانات العالمية للشباب واستخدامها المهرجانات للترويج لقضية تقرير المصير الوطني.

الباحث الأميركي وخرّيج الجامعة الأميركية في بيروت نيت جورج والمحاضر في مركز «جامعة كولومبيا لدراسات فلسطين» يسترجع في الفصل الثامن (المنظر الرحالة: المهدي بن بركة والمغرب من القومية المناهضة للاستعمار إلى القارات الثلاث) المساهمة الرئيسة للثوري المغربي المغدور في بناء تحالف القارات الثلاث وإطار العمل فيها وتطور فكره عبر العديد من الظروف المميّزة.

الباحث الإيطالي جينارو جيرفاسيو كتب الفصل الثامن (ماركسية أم قومية يسارية؟ اليسار الجديد في مصر السبعينيات) بهدف تسليط الضوء على النظرية والتطبيق السياسي لليسار الراديكالي المصري في السبعينيات، مُركزاً على تجربة «اليسار المتطرف» التي جسدها حزب العمال الشيوعي المصري.

المناضلة الفلسطينية في قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مها نصار تسترجع في الفصل التاسع (اللاصهاينة والمعادون للصهيونية والثوار: التقويمات الفلسطينية لليسار الإسرائيلي، 1967-73) الطرق التي تداول بها الوطنيون الفلسطينيون تلك الخطابات اليسارية في مختلف أنحاء العالم العربي من خلال قراءة متأنية لإصدارات مركز الأبحاث التابع لمنظّمة التحرير الفلسطينية.

محرّرة هذه المجموعة لور جرجس تتبع في الفصل العاشر (ترجل عن الحصان لقطف بعض الورود: تحقيق متشدد في تجارب اليسار اللبناني الجديد ، 1968-1973) «لجان العمل» و«التحقيق الكفاحي» الذي وضعته منظمة العمل الشيوعي في لبنان ودور وضاح شرارة في ذلك.

الفصل الحادي عشر (تشي غيفارا الشرق الأوسط: ذكرى كفاح خالد أحمد زكي الثوري في أهوار العراق الجنوبية) بقلم الباحث الألماني فيليب فنكلر الذي يتناول حالة ذلك الثائر العراقي الذي ذهب للدراسة في لندن واتصل بجماعات يسارية راديكالية نشطة هناك في الستينيات وانضم إلى حلقة الفيلسوف الإنكليزي المميز برتراند راسل وعودته إلى العراق ومحاولة شن حرب ثورية في الأهوار الجنوبية واستشهاده هناك على يد القوات العراقية.

الفصل الثاني عشر (الأزمة والانتقاد: التحوّل في التقليد الراديكالي العربي بين الستينيات والثمانينيات) كتبه الباحث الكندي ينس هنسن يعيد فيه النظر إلى لحظتين من الأزمات والنقد في التاريخ الفكري العربي في القرن العشرين: نقاش عام بين اليساريين العرب والقوميين في القاهرة عام 1961 وظهور دراسة الماركسيين العرب حسين مروة ومهدي عامل المغدورين في الفلسفة العربية الإسلامية.

الفصل الأخير (عواقب حسين مروة: اغتيال مثقف، 1987) بقلم الباحث اللبناني سامر فرنجية يقدّم فيه مسحاً للماضي من حاضر «استبدادي» و«طائفي» حيث تبدو حلقة القتال اليساري في الستينيات والسبعينيات بمثابة شذوذ في تاريخ بلاد الشام.

كلمة ختامية «اليسار العربي: من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر» بقلم الفلسطيني عبد الرزاق التكريتي المحاضر في «جامعة هوستن» الأميركية استعرض فيها، ضمن أمور أخرى، أدوار بعض اليساريين العرب والحركات الوطنية والقومية، قائلاً: «في هذا المنعطف التاريخي، تكتسب تواريخ النضال القديمة أهمية أكبر من «اقتناء الآثار» ووجوب الاستعادة العاجلة لـ «من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر»».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى