نوافذ

اليمامة كوسى

نجاة

أيا أميرَ البحيرة الراكدة، يا مَن كانت أكثر ألقابكَ إنصافاً هي أنّك الغريقُ الذي فقد صوته، أحدّثك الآن وأنا أتذكّرُ كم كنتَ بعيداً عن الضفّة، وكم كنت مُحاطاً بالفرّاغ في أكثر أجزاء البحيرة عُمقاً.

أتذكّرُ جيّداً كم كان الظلام غزيراً، وكم بدت نجاتك مستحيلة، بالكادِ كنتُ أسمعُ خيوط أنفاسك الرفيعة وهي تعلو وتهبط وسط ذلك الصمتِ المُطبِق.

كانت هناك فكرتان تتناطحان في رأسي طيلة الوقت، الأولى هي أنّني لا بد أن أراك في الصباح جالساً على الضفّة تغنّي أغانيك المفضّلة، فتتوقف قليلاً عندما تراني وتقول لي: عشتُ كابوساً مقيتاً البارحة لكن لا تقلقي الوضع تحت السيطرة الآن.

والفكرة الثانية هي أنّ برودة المياه التي كنتُ أتحسّسها بيديّ حينها يستحيل أن تكون أمراً مُتخيّلاً، وهذا يعني بأنّ بقاءك فيها كان سيجعلكَ تتجمّدُ في الصباح لا محالة.

الفكرة الأولى كان منبعها ثقتي التامة بك ومعرفتي بقدراتك وأما الثانية فكان منبعها كتاب الفيزياء والكيمياء الذي لم يسبق له وأن ذكر أمراً خاطئاً على حدّ علمي.

لقد كنتُ أعاني من صداعٍ شديد في ذلك الوقت ولا أخفيكَ بأنّ الفكرة الثانية كانت تطفو على السطح ولا سيما بعد رفضك لجميع محاولات الإنقاذ وعدم استجابتك لأيّ منها، لكن وللمفارقة الغريبة، كان شيئاً ما بداخلي يضغط على فكرة التجمّد بقوّة لتعود وتنزل إلى القاع لبعض الوقت ثم تعاود الصعود مجدداً. في الحقيقة لم أكن أرغب في تصديق فكرة أنّك يمكن أن تغرق إلى الأبد، ورغم أنّ الظلام كان قد ملأ الأفق ولم تكن تلك الساعات من الليل تبشّرُ بحلولِ فجرٍ قريب، كنتُ أستطيعُ أن أرى قبساً من نور ينبعثُ من أعماقِ روحك، صحيحٌ أنه كان خافتاً للغاية لكنني استطعتُ أن أراه وأن أؤمن بقدرته على إنقاذك.

أعلمُ أنّ حواسّك كانت مخدّرة كليّاً، لم تكن تسمعني عندما أناديك أو أحدّثك، ولم تكن تستطيعُ الحديث إليّ وأظافرُ الحزنُ واليأسُ تتشبّثُ بحنجرتك وتضغط عليها، كما أنك لم تكن ترى أيّ شيء حولك كما لو أنّ ستارةً أُسدلت على عينيك دون أن تشعر، لكنك يا عزيزي ورغم كلّ ما حدث لك ذلك اليوم؛ نجوت.

لقد نجوتَ وعلّمتني بأنّ النجاة لم تكن بحاجة إلى صوتي أو صوتك أو صوتِ أيّ أحد آخر، ولم تكن بحاجة لرؤية ما يحيط بك أو ما يُغرِقُك بقدر ما كانت بحاجة لأن ترى ذلك القبس الضئيل من النور الذي يقبعُ في أعماقك.

إنّ ضوءك الداخليّ أيّها الأمير كان وحدهُ القادر على إنقاذك وجعلك ترى المُمكن وسط عتمةِ المستحيل الدامسة، لذا أرجوك رجاءً مُلحّاً إن غَرِقتَ مجدّداً ألّا تتوهَ عيناك عن مكانه أبداً، وكن على يقين بأنهُ سيبقى المُلازمُ الأمين لروحك، يضيءُ عتمتها ويوجّهُ طريقها متى ما احتاجت إلى ذلك.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى