كل الأطراف الفاعلة تفكر وتخطط للخروج من حرب غزة بإعادة ترتيب الشرق الأوسط ابتداءً من المنطقة العربية وفي مركزها فلسطين .
وإذا كانت أمريكا والغرب أبرز و أقوى الفاعلين فإن روسيا والصين موجودتان أيضاً مع حضور مؤثر لإيران إضافة لمحاولات تركيا بالانخراط في العملية. ولكن كل الأطراف أمامها حقيقة واضحة وواقع ساطع هو أن (قوة الردع الإسرائيلية كسرت)، وأن (أسطورة تفوقها في المنطقة سقطت)، و أول من تنبه لهذه الحقيقة كانت الولايات المتحدة التي سارعت لإرسال حاملات الطائرات التي رأى الخبراء أنها أتت أساساً لتعويض الضرر الذي أصاب قوة الردع الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك، وإذا ما استمرت المقاومة بقوتها النسبية التي أظهرتها بتسليم دفعة الرهائن يوم الأحد من وسط مدينة غزة، فإن هذا ما سيحول إسرائيل إلى (وحش مكسور) وليس جريحاً فقط و هو ما سيفاقم المخاوف على الشعب الفلسطيني من جرائم هذا الوحش المكسور المجنون الشرس..
الاسئله المربكة لصانع القرار الأمريكي تتركز في كيف سيتعاطى مع المنطقة واسرائيل (انكسرت قوتها)، ولم تعوض وحشيتها ضد أهالي غزة ما أصابها من كسر لردعها. ولا بد أن الادارة الأمريكية ستحاول أن تخرج من حرب غزة إلى حل سياسي يضحي بنتنياهو بعد تلبيسه الجريمة والانكسار و ستعمل الإدارة الأميركية على إعادة ترميم القوة الإسرائيلية الشاملة في المنطقة بطريقة ما سنكتشفها مع الأيام . كما أن واشنطن تريد من هذا الحل السياسي استبدال سلطة محمود عباس بسلطة جديدة (قادرة على صنع السلام ) والأساس في كل ذلك (التخلص من حماس) وإخراج قوتها من المعادلة الفلسطينية . ويرى البيت الأبيض انه لتحقيق كل ذلك يحتاج لشراكات مع الدول العربية، وبشكل خاص السعودية ومصر والأردن وقطر والإمارات، خاصة وأن تحقيق بعض هذه الأهداف يرقى للمستحيل كالتخلص من المقاومة و إلغاء دورها..
من الواضح أن روسيا مرتاحة لما يجري في غزة لأنه يفضح السياسة الأمريكية تجاه العرب. و لأنه يشاغل الغرب عن الحرب في أوكرانيا. ولابد أن يكون لموسكو دور في الحل السياسي الذي يجري العمل عليه . اما إيران فيرى البعض أنها الرابح الأكبر، خاصة من (كسر قوة الردع الإسرائيلية) التي تأمل طهران أن تؤدي إلى إعادة الدول العربية النظر لتوجهها للإستقواء بهذه القوة الإسرائيلية لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. خاصة و أن طهران حققت مكاسبها دون أن تدخل الحرب رغم الثقة لدى كثيرين أنها وراء كل ما جرى .
الأهم من كل هذه العوامل هو كيف ستتعاطى الدول العربية مع إسرائيل المنكسرة قوتها الردعية والمستعرة وحشيتها الشرسة ضد الشعب الفلسطيني؟؟؟ وكيف ستتفاعل مع الحل السياسي الذي تقوده أمريكا لترتيب المنطقة استراتيجياً ؟؟؟ كما أن السؤال المطروح على العرب يسعى لبحث كيفية تطوير أو تحديث تفاعل الدول العربية مع إيران كجارة صاحبة نفوذ قوي في بعض الدول العربية، و كمحركة لميليشيات بات لها فعلها المؤثر في الإقليم كله..
أمريكا تعمل وتحضر وتحشد لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة .إيران تناور و تراكم لتحافظ على نفوذها و تأثيرها وفعلها. روسيا حاضرة ولها يد في كل ما يحصل وتسعى كي لا يكون هناك ما يهندس في المنطقة على حسابها. وفي المركز إسرائيل المنكسرة قوة ردعها ستحاول أن تستعيد تشكيل قوتها و ستسعى حتما لإثبات هذه الاستعادة ربما بعدوان جديد، خاصة وأن أمريكا لم ولن تتخلى عنها وعن وظيفة قوة ردعها تجاه المنطقة. فهل يطور العرب فعالياتهم السياسية التي واكبت الحرب في غزة ليشكلوا رؤية عربية منسقة وليفعّلوا من دورهم في الحل المطروح كي لا يكون ترتيب الشرق الاوسط الجاري طبخه على حسابهم أو ضدهم، خاصة و أن الشعوب العربية تأمل من قادتها أن لا يفوتوا الفرصة لأي سبب…… ومصالح القوى المتصارعة لا تنتظر بل تسخر من خلافاتنا المضيعة لمستقبلنا جميعاً كعرب فاعلين في منطقتنا و وطننا ….
بوابة الشرق الأوسط الجديدة