انتخابات تركيا.. هل ينتصر البصل على الغواصة؟
عندما يتحدث زعماء المعارضة التركية عن البصل، الذي لم يعد في مقدور ذوي الدخل المحدود شراؤه بسبب ارتفاع أسعاره، يقول إردوغان وإعلامه مستهزئين: “هم يتحدثون عن البصل، ونحن نتحدث عن الغواصات وحاملات الطائرات”‼
في تعليقه على حديث كمال كليجدار أوغلو، الذي قال فيه “إنه علوي”، قال الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، “إننا سنفشل كل الحسابات التي تهدف إلى تحويل تركيا إلى سوريا ثانية”، في إشارة منه إلى “أن ما حدث في سوريا بسبب الرئيس بشار الأسد”.
وعَدّت أوساط المعارضة كلام إردوغان هذا تهديداً غير مباشر للمعارضة، التي قال المتحدثون باسمها إن “إردوغان هو المسؤول الأكبر عن الوضع في سوريا، وقدّم كل أنواع الدعم إلى المجموعات المسلحة التي دمّرتها، من منطلقات طائفية”.
ولم تُهمل المعارضة الإشارة إلى مساعي الرئيس إردوغان للمصالحة مع الرئيس الأسد، الذي قال عنه ما قاله وفعل ما فعله في سوريا، التي لم تعد الموضوع المهم في الحملة الانتخابية، مع اقتراب موعد الانتخابات في 14 أيار/مايو المقبل، وخصوصاً بعد أن توسل إردوغان إلى الرئيس بوتين حتى يجمعه بالأسد، الذي اشترط لمثل هذا اللقاء سحب القوات التركية من سوريا، ووقف كل أنواع الدعم للمجموعات المسلحة التي تقاتل ضد الدولة السورية.
في جميع الحالات، ومهما كانت التطورات المحتملة لمساعي الرئيسين بوتين ورئيسي لتحقيق المصالحة بين إردوغان والأسد، قبل الانتخابات المقبلة، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، الذي رفض انسحاب الجيش التركي من الشمال السوري، فلقد بات واضحاً أن هذه المصالحة لم تعد ضمن اهتمامات الشارع الشعبي التركي بقدر اهتماماته بالبصل واللحم والبطاطا، والتي لم تعد في متناول أغلبية الشعب التركي، بسبب الارتفاع المستمرّ في أسعارها، وتحوّلها إلى رمز الحملة الانتخابية الناجحة التي تبنتها المعارضة.
ويسعى إردوغان ووزراؤه وإعلامه للتصدي لحملات المعارضة، التي وضعت البصل ضمن أولويات حملاتها الانتخابية، عبر الحديث عن الإنجازات العظيمة لحكم الرئيس إردوغان، الذي لم يعد يهمه إلّا التمجيد لهذه الإنجازات، التي يريد أن يصدّقها أنصاره وأتباعه قلباً وقالباً، ومن دون أي نقاش.
فعندما يتحدث كليجدار أوغلو وزعماء المعارضة عن البصل، الذي لم يعد في مقدور ذوي الدخل المحدود شراؤه بسبب ارتفاع أسعاره باستمرار، يقول إردوغان ووزراؤه وإعلامه مستهزئين: “هم يتحدثون عن البصل وهو بقدر ذكائهم، ونحن نتحدث عن الغواصات والسيارات الكهربائية وحاملات الطائرات والمقاتلات النفاثة واستخراج الغاز، وهي جميعاً صناعة وطنية 100%”. وهو ما يصدّقه أتباع إردوغان وأنصاره، بفضل سيطرته على الإعلام الحكومي، و90% من الإعلام الخاص، والذي لا هم له إلّا تسويق هذه المقولات، التي تقول عنها المعارضة إنها مبالغ فيها، أو هي كاذبة تماماً.
فالجنرالات المتقاعدون كذّبوا ما سوّقه إردوغان عن حاملة الطائرات، وقالوا إنها في الأصل سفينة إنزال تم تحويلها إلى حاملة طائرات، وتحمل على متنها مروحية واحدة وعدة مسيّرات، وفيها كثير من العيوب التقنية منذ شرائها من إسبانيا، أي إنها ليست صناعة وطنية 100%، كما يقول إردوغان.
وهذه هي الحال بالنسبة إلى السيارة الكهربائية، التي يتغنى بها إردوغان، وبطاريتها من الصين، والمحرّك ألماني، والتصميم إيطالي، والبعض من أقسامها بريطاني. وهذا هي الحال بالنسبة إلى المسيّرات التركية، التي يصنعها صهر الرئيس إردوغان، وتقول المعارضة إن مجموعة من أقسامها صناعة أجنبية، ومنها كندية وسويسرية وبريطانية.
أمّا ما يقوله إردوغان عن الغاز المستخرج من البحر الأسود، وسيغطي احتياجات تركيا، فأكد خبراء الطاقة أنه من ضرب الخيال، وليس له علاقة بالدراسات والأبحاث الجيولوجية، التي تكذّب ادّعاءات إردوغان، الذي يتحدث يومياً وفي كل خطاب عن هذا الموضوع، وذلك لمنع الشعب من التفكير في همومه اليومية، وأهمها الغلاء الفاحش والتضخم العالمي والبطالة، وانعكاسات ذلك على الواقع، اجتماعياً ونفسياً وأخلاقياً.
يتزامن كل ذلك مع تركيز المعارضة على قضايا الفساد الخطيرة جداً، والتي تقول المعارضة إن إردوغان وأفراد عائلته والمقربين منه تورَّطوا فيها، وزاد حجمها على مئات المليارات من الدولارات. كما زادت الديون الخارجية للبلاد على 450 مليار دولار، وتراجع احتياطي المصرف المركزي من العملات الصعبة إلى ناقص 160 مليار دولار، بينما قال وزير الاقتصاد السابق وزعيم حزب الديمقراطية والتقدم، علي باباجان، “إن إردوغان أوصل الخزانة العامة إلى حافة الإفلاس، ودمّر جميع مؤسسات الدولة التركية ومرافقها وأجهزتها”.
في الوقت نفسه، يتابع المواطنون الأتراك الفيديوهات التي يبثها أحد رجالات المافيا، ويدعى محمد ياقوت (يقول إنه في ألمانيا)، ويتحدث فيها عن قضايا فساد خطيرة، تورّط فيها عدد من الوزراء والشخصيات المهمة في الدولة، ويكشف بالأسماء أسرار قضايا أخلاقية مُزرية لهؤلاء الوزراء والمسؤولين.
وهذا ما كان يفعله زعيم المافيا سادات باكار، العام الماضي، الأمر الذي اضطر الرئيس إردوغان إلى المصالحة العاجلة مع رئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد، بعد أن قال عنه هو ووزراؤه وإعلامه ما لا يقال، وكل ذلك في مقابل أن يمنع باكار، المقيم بأبو ظبي، من بث اعترافاته عبر حسابه في اليوتيوب أو تويتر. وهو ما قامت به السلطات الإماراتية، فمنعت باكار من بث هذه الفيديوهات أو الأخبار عبر تويتر، كما منعته من أي تواصل مع الإعلاميين الأتراك أو الأجانب، بصورة مباشرة، أو عبر الهاتف.
ولم يكُن كل ذلك كافياً للرئيس إردوغان لضمان فوزه في الانتخابات، وهو ما تبيّنه كل استطلاعات الرأي التي تتوقع لكليجدار أوغلو الفوز من الجولة الأولى، بفارق 5 نقاط تقريباً.
ويدفع مثل هذا الاحتمال الرئيس إردوغان إلى مزيد من التصعيد، بما في ذلك البعض من العمليات الإرهابية خلال الأيام المقبلة لمنع الناخب من التصويت لكليجدار أوغلو، بحجّة “ضمان الاستقرار”.
وهو ما عاشته تركيا بعد انتخابات حزيران/يونيو 2015، والتي خسر فيها حزب العدالة والتنمية، الأمر الذي دفع إردوغان إلى التحالف، واتخاذ قرار عاجل من أجل إجراء انتخابات جديدة في تشرين الثاني/نوفمبر. وشهدت تركيا قبلها عدداً من العمليات الانتحارية، التي نفّذها عناصر من “داعش” ومجهولون، وأدّت إلى مقتل ما لا يقل عن 250 شخصاً، وهو أمر كان كافياً لتحقيق انتصار جديد لإردوغان وحزبه.
هذه التجربة، التي يتوقع البعض لها أن تتكرر، وضع الجميع عدداً من السيناريوهات لمواجهة احتمالاتها والاحتمالات الأخرى من أجل منع عمليات التزوير واحتمالات إعلان المفوضية العليا للانتخابات إردوغان فائزاً ليلة فرز الأصوات.
وهو ما قد يضع تركيا أمام سيناريوهات خطيرة جداً، لا يمكن لأحد أن يتوقع تبعاتها، في بلد يعيش كثيراً من التناقضات العرقية والطائفية والدينية، والآن السياسية والاجتماعية، ما دام أتباع إردوغان وأنصاره ينظرون إلى المعارضة العلمانية كأنها عميلة وخائنة وكافرة وعدوة الأمة والدولة التركية المسلمة، وكأنهم هم فقط أصحاب البلد والدولة والقومية والدين.