باحث في الحركات الإسلامية يرصد لـ«الشروق»: «الجندية والبيعة وقداسة المرشد» في مناهج الإخوان (1-3)- (إعداد – هيثم أبو زيد)
إعداد – هيثم أبو زيد
أثارت دعوات المصالحة مع جماعة الإخوان وإعادة دمج الجماعة فى الحياة السياسية جدلا واسعا حول حقيقة موقف التنظيم من العنف، ومن إصرارهم على العمل السرى، بعيدا عن رقابة الدولة، وطرحت الحالة الجدلية عددا من علامات الاستفهام حول الموقف الحقيقى للجماعة من تداول السلطة، ومدى قبولها للتعايش سياسيا ومجتمعيا وفق أسس الديمقراطية والدولة الحديثة.
فهل الإخوان تنظيم سرى يعتمد العنف والقوة وسيلة لتحقيق أهدافه؟ أم أن إطلاق هذه الأوصاف على الجماعة من قبيل المبالغات التى فرضتها الخصومة السياسية بين السلطة الحالية والجماعة؟.. وهل جاء قرار الحكومة بإعلان الإخوان تنظيما إرهابيا كاشفا للواقع الفكرى والعملى للجماعة؟ أم أنه خلع على الإخوان وصف الإرهاب دون سند أو دليل.
«الشروق» تلقى الضوء فى هذا الملف على منطلقات الإخوان الفكرية، وبنيتهم التنظيمية، ووسائلهم الحركية، وأهدافهم الأساسية التى قامت الجماعة من أجلها.
فالإخوان تنظيم مغلق، حديدى، لا يظهر منه على السطح إلا جزء ضئيل، ولا تسمح الجماعة لعامة الناس بالاطلاع على لوائحها الداخلية، ولا مناهجها التربوية، أو أهدافها المرحلية، ولا سبل نيل عضويتها، ولا طرق التصعيد للمواقع القيادية داخلها، مما يجعل من محاولات إدراك «الحقيقة البنيوية» للجماعة مهمة صعبة على أى باحث.
إن الاطلاع على المناهج التربوية للإخوان كفيل بكشف جزء كبير ومهم من أهداف الجماعة، ووسائلها، وأساليب تعاملها مع المجتمع، والسلطة، وأجهزة الدولة، والقوى السياسية، وقادة الفكر والرأى، والمنشقين عنها، والجماعات الدينية الأخرى، ونظرتها الحقيقية لكل هؤلاء.
وأهم ما تكشفه مناهج الإخوان، كيفية صناعة العضوية، ووسائل تأهيل من ترغب الجماعة فى ضمه لصفوفها، وترسيخ الشروط المطلوبة لهذه العضوية، عبر محاضن تربوية، تصهر الأفراد بأفكار الجماعة ورؤاها، وإخراجهم فى حالة من الاستعداد التام للسمع والطاعة، وتنفيذ تكاليف التنظيم دون تردد، والثقة فى قيادة الجماعة مهما كان ما يصدر عنها، حتى لو كان غريبا أو مناقضا لبديهيات العقل.
وتقوم المناهج التربوية للإخوان على عدد من الكتب، من أهمها «فى ظلال القرآن» و«معالم فى الطريق» لسيد قطب، و«الرسائل» لحسن البنا، و«المنهج الحركى للسيرة النبوية» للإخوانى السورى محمد منير الغضبان، و«المدخل إلى جماعة الإخوان» للقيادى السورى سعيد حوى، وكتب اللبنانى فتحى يكن، والعراقى محمد أحمد الراشد، كما وضع قسم التربية كتابا مهما من جزءين بعنوان «طرق التدريس» ووضع على غلافه اسما وهميا هو ماجد بن يحيى العويسان.
وبعض هذه الكتب مقرر للدراسة داخل الأسر الإخوانية، وبعضها غير مقرر بصفة رسمية لكن القيادات تحث أفراد الصف على قراءته ونشره بين الأعضاء، كما أن بعض هذه الكتب تم تدريسه لنحو ربع قرن، ثم أوقف قسم التربية تدريسه ليستبدل به كتب أخرى تحوى نفس الأفكار، وتؤصل كل هذه الكتب للأفكار الرئيسية لجماعة الإخوان، والتى يمكن أن نردها إلى أربعة أركان: التنظيم، والسرية، والمرحلية، والقوة.
«الشروق» تلقى الضوء فى هذا الملف على الأركان الأربعة فى فكر الإخوان، والشكل الهرمى التنظيمى، ومراتب العضوية فى الجماعة، ومناهج التربية الإخوانية وأهم روافدها.
الجماعة.. أو الإثم
يؤمن الإخوان إيمانا راسخا بالتنظيم، لا باعتباره وسيلة ضرورية توصلهم إلى أهدافهم، بل باعتباره مطلوبا لذاته، فالتنظيم جزء رئيسى من الفكرة الإخوانية، بل هو الفكرة الإخوانية فى حقيقتها، حيث تمتلئ مناهج الإخوان وكتبهم، بكل ما يرسخ فى نفوس الأعضاء من أهمية التنظيم، ووجوب الانضمام له، والحفاظ على وحدته، والطاعة لقيادته، ومقاومة أعدائه.
ويدرس الإخوان فى دورات تصعيد الأفراد من مستوى المؤيد إلى مستوى المنتسب وجوب العمل الجماعى من خلال تنظيم، ثم يستعرضون الجماعات العاملة على الساحة ليخلصوا أن الإخوان هى جماعة الحق، وأن الانضمام لتنظيمها واجب، يأثم من لا يلتزم به.
وقد كان حسن البنا أول من أسس لقداسة التنظيم، حين جعل الارتباط بالجماعة مشروطا ببيعة وقسم يؤديه العضو، ليصبح بعدها ملكا للجماعة، يبذل وقته وماله لأجلها، بل ويدفع روحه لنصرة لوائها.. ثم جاء سيد قطب، وأعطى أهمية كبيرة لفكرة التنظيم، وضخم من شأنها فى نفوس أتباعه، وأكد على ضرورة قيام «طليعة البعث الإسلامى» لتعيد الأمة الإسلامية، التى يرى قطب أن وجودها انمحى من فوق الأرض.
وقد أكد البنا مرارا على ضرورة الانتماء لتنظيمه، والانخراط فى صفوف جماعته، واعتبر أن الإخوان حازوا كل مميزات الجماعات والدعوات، فقال فى رسالة «دعوتنا»: «الإخوان دعوة عامة محيطة لا تغادر جزءا صالحا من أية دعوة إلا ألمت به وأشارت إليه».
كما أن البنا قسم الناس إلى أربعة أقسام بحسب موقفهم من الانتماء لتنظيمه، ووصف من قبل الانضمام لجماعته بأنه «مؤمن»، وألقى على من لم يحسم موقفه من عضوية الإخوان صفة «متردد»، واختار لقب «نفعى» لمن أعرض عن جماعته بسبب عدم انتفاعه منها، وأما من أدار ظهره للإخوان، ورفض الانضمام لتنظيمهم، فهو فى نظر البنا «متحامل» ينظر للإخوان بمنظار أسود، ولا يرى الخير الذى تحمله الجماعة.
ثم تضافرت مناهج الإخوان على أهمية الانضمام للجماعة، والانخراط فى تنظيمها، فنجد القيادى الإخوانى فتحى يكن أمير الجماعة الإسلامية فرع التنظيم بلبنان يقول فى كتابه «ماذا يعنى انتمائى للإسلام»: «إن الانتماء للحركة الإسلامية انتماء لهذا الدين، وامتثال لأمر الله، وطمع فى رحمته ورضاه».
ومن اللافت أن يكن ألف كتابا سماه «المتساقطون على طريق الدعوة»، ثم ترك الجماعة آخر حياته، ومات بعيدا عن عضوية التنظيم، فأصبح وفق معياره وكتابه من المتساقطين على الطريق.
أما القيادى السورى سعيد حوى، فيقول فى كتابه «المدخل إلى جماعة الإخوان»: لابد للمسلم من الارتباط بجماعة منظمة، ولابد أن يكون التنظيم صالحا، ومن تأمل وجد أن الإخوان هم الذين فطنوا لهذا الطريق وساروا فيه»… ويستدل حوى لكلامه عن وجوب الانتماء للتنظيم بقول الله تعالى «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم» (النساء – 59).
ويضيف حوى فى نفس الكتاب: «لابد أن يكون التنظيم هو العقل المفكر والمحرك للمسلمين… وعلى المسلمين أن يوالوا بعضهم البعض، والولاء الكامل لا يتحقق إلا ضمن جماعة».
مراتب العضوية
مؤيد: مرحلة تربوية مؤهلة لعضوية التنظيم، حيث يتم اختيار مجموعة من الأفراد ممن يتوافر فيهم الاستعداد للعمل الجماعى والتنظيمى، وأبدوا قدرا من الليونة والطاعة، لينتظموا فى لقاء أسبوعى، يدرسون فيه مناهج وضعت خصيصا لهذه المرحلة، كما يطلب منهم بعض التكليفات المحدودة، وحضور الأنشطة العامة، وتستمر هذه المرحلة لمدة سنة على الأقل، تقرر بعدها قيادة الجماعة مدى صلاحية هؤلاء الأفراد للتصعيد لمستوى المنتسب من عدمه، ولا تحصل الجماعة من أفراد هذا المستوى اشتراكا شهريا.
منتسب: المستوى الأدنى لعضوية التنظيم الإخوانى، ويتم التصعيد إليه من مستوى «المؤيد»، بعد اجتياز دورة للتصعيد، يدرس العضو خلالها وجوب العمل لإقامة دولة الإسلام، وأن يكون العمل فى جماعة، كما تستعرض الجماعات العاملة على الساحة، مع تبيين عيوبها وسلبياتها، والانتهاء إلى أن جماعة الإخوان هى الأفضل، والأسبق، وأن الانتماء إليها واجب.. ومدة اجتياز هذا المستوى سنة على الأقل، قبل التصعيد إلى المستوى التالى.
منتظم: هو المستوى الأوسط لعضوية التنظيم، إذ يأتى بين مستويى المنتسب والعامل، ويتم التصعيد إليه من مستوى المنتسب دون دورة للتصعيد، ومدة العضوية المنتظمة خمس سنوات فى المتوسط، لكنها تزيد فى كثير من الأحيان، بسبب عدم تمتع العضو بشروط التصعيد للمستوى التالى، كأن يكون لديه أى خلل فى السمع والطاعة أو الثقة المطلقة فى القيادة، أو يكون كسلانا، أو لا يؤدى التكليفات على الوجه الأكمل، وبعض الأعضاء مكث فى مستوى المنتظم نحو عشرين سنة دون تصعيد للعضوية العاملة.
العامل: أعلى مراتب العضوية فى التنظيم، وبالأدق هى العضوية الكاملة، ولا ينالها العضو إلا بعد سنوات من التربية والاختبار، والمرور بمرحلتى المنتسب والمنتظم، ولابد لصاحبها أن يعطى مستوى عاليا جدا من السمع والطاعة، وألا يعرف بجدال ولا نقد، وأن يكون له جهد واضح فى تبرير كل تصرفات القادة والمسئولين مهما تكن غريبة، وتعتبر الجماعة العضو العامل صالحا لمعرفة أسرارها، بل إنها قد تعرفه بأنه العضو الذى توليه الجماعة سرها كله، وللإخوان العاملين حق التصويت عند إجراء انتخابات داخلية فى التنظيم، كما أن العضوية العاملة شرط لتبوؤ أى موقع قيادى، دون غيرها من المستويات.
ويؤدى العضو العامل قسم البيعة، وهو عهد وميثاق يعطيه الإخوان لمرشد الجماعة، ويتجدد عند اختيار مرشد جديد، ويحرص قادة الإخوان أن تؤخذ البيعة فى أجواء من الجدية والسرية التامة، وقسم البيعة كما يلي: «أعاهد الله أن أكون جنديا مخلصا فى جماعة الإخوان المسلمين، وأن أسمع وأطيع فى العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى ألا أنازع الأمر أهله، وعلى أن أبذل جهدى ومالى ودمى فى سبيل الله والله على ما أقول وكيل». وتنظر الجماعة إلى العضو العامل الذى يترك التنظيم باعتباره ناكصًا بالبيعة، وبالعهد مع الله.
هيكل التنظيم
الأسرة: هى أصغر وحدة تنظيمية داخل الهرم الإخوانى، وتتكون من عدد محدود من الأفراد يغلب أن يكون ما بين 5 إلى 7 أعضاء، من مستوى تنظيمى وتربوى واحد، وتنعقد مرة أسبوعيا، برئاسة مسئول يسمى «النقيب».
الشعبة: هى أصغر وحدة جغرافية فى تنظيم الجماعة، وتتكون من عدد من الإخوان ما بين 40 إلى 60 عضوا، موزعين على عدد من الأسر حسب مستويات عضويتهم، ويديرها مجلس مكون من نحو 6 أو 7 أعضاء يرأسهم مسئول الشعبة، وهو أول مستوى قيادى فى التنظيم.
المنطقة: مستوى تنظيمى جغرافى، يتكون من عدد من الشعب، ما بين 3 ل5، وتدار بواسطة مجلس إدارة المنطقة المكون من مسئولى الشعب ومسئول للتربية. وللمنطقة اختصاصات تربوية، بشأن التصعيد لمستويات العضوية، ولا تتمتع الشعبة بهذه الاختصاصات.
القطاع: وحدة تنظيمية جغرافية تضم عدة مناطق، وهو مستوى لا تعتمده الجماعة إلا فى المحافظات الكبيرة، حيث يصعب على قيادة المكتب الإدارى للمحافظة متابعة عدد كبير من المناطق، فأوجد التنظيم مستوى جغرافيا يضم كل عدة مناطق متقاربة فى قطاع واحد، فمستوى القطاع يوجد على سبيل المثال فى القاهرة والدقهلية والبحيرة، ولا يوجد فى بورسعيد والسويس.
المكتب الإداري: تقسم الجماعة الجمهورية إلى مكاتب إدارية بعدد المحافظات، فكل محافظة هى مكتب إدارى، يتبعه عدد من المناطق، ومسئول المحافظة هو رئيس المكتب الإدارى، كما أن لكل محافظة مجلس شورى خاصا بها، ويدير مسئول المكتب الإدارى المحافظة بالتعاون مع مجلس صغير هم أعضاء المكتب الإدارى، ويغلب أن يكونوا ممثلين لمختلف القطاعات الجغرافية للمحافظة.
القيادة العليا
مجلس الشورى: هو السلطة التشريعية للجماعة، ويضع السياسات العامة، ومن أهم اختصاصاته انتخاب أعضاء مكتب الإرشاد من بين أعضائه، ويتكون من نحو 110 أعضاء تنتخب مجالس شورى المحافظات 90 منهم، بينما يعين مكتب الإرشاد نحو 15، وتحظى القاهرة بالنصيب الأكبر من عضوية المجلس، حيث تتمثل ب19 عضوا منتخبا بالإضافة للمعينين، كما تمنح لائحة الجماعة عضوية مجلس الشورى العام لكل من سبقت له عضوية مكتب الإرشاد لمدة لا تقل عن عامين.
مكتب الإرشاد: هو الهيئة التنفيذية العليا للتنظيم، ويتكون من 16 عضوا، ينتخبهم مجلس الشورى العام للجماعة من بين أعضائه، بحيث يكون 9 منهم على الأقل من المقيمين فى القاهرة بصفة دائمة، ويتفرغون تفرغا كاملا لأعمال الجماعة، ويختار عضو واحد عن محافظتى الإسكندرية ومرسى مطروح، فيما ينتخب عضوان للوجه البحرى، وآخران للصعيد، كما يختار عضوان من الإخوان المقيمين بالخارج لعضوية المكتب، ويجب أن تتوافر فيمن يختار لعضوية المكتب بعض الشروط، أهمها أن يكون قد أمضى عشر سنوات عضوا عاملا بالتنظيم.
المرشد العام: هو الرئيس الأعلى لتنظيم الإخوان فى مصر والعالم، ويبايعه الإخوان العاملون على السمع والطاعة، ويعاملونه بإجلال يصل إلى درجة التقديس، حيث يظنون أنه لم يصل إلى مكانته التنظيمية إلا بمكانته الدينية روحيا وعلميا، رغم إن جميع مرشدى الإخوان لم يكن من بينهم من تخصص فى العلم الشرعى، وفى حالة غيابه، يتولى نائبه الأول جميع اختصاصاته.
ومن المتعارف عليه أن الجماعة مر عليها ثمانية مرشدين، أولهم المؤسس حسن البنا، ثم حسن الهضيبى، فعمر التلمسانى، فحامد أبو النصر، فمصطفى مشهور، فمأمون الهضيبى، فمحمد مهدى عاكف، ثم المرشد الحالى محمد بديع… لكن المدقق فى تاريخ الجماعة يعلم أن حسن الهضيبى توفى أواخر عام 1973، وأن عمر التلمسانى بويع مرشدا ليلة 1 يناير 1977، فهل ظلت الجماعة دون مرشد ثلاث سنوات؟، بالطبع لا، ويعلم كل من يقلب فى تاريخ التنظيم، أن الأعضاء النافذين المسيطرين من بقايا النظام الخاص، أمثال مصطفى مشهور وأحمد حسنين، قد اختاروا زميلهم حلمى عبدالمجيد مرشدا سريا للجماعة، لكن إخفاء اسم المرشد سبب مشكلات كثيرة ومتوالية، فاضطرت قيادة التنظيم، لاختيار التلمسانى، وإعلان اسمه للناس.
المراقب العام: هو المسئول الأول لأحد فروع التنظيم فى أى دولة فى العالم غير دولة المقر، وتنتشر جماعة الإخوان فى عدد كبير من الدول لا يعرف على وجه الدقة، وإن كان قادة الجماعة يزعمون وجود التنظيم فى نحو ثمانين دولة، ومن أشهر الدول التى يوجد بها مراقب عام اليوم، المملكة الأردنية، والسودان، كما يوجد مراقب عام للإخوان فى سوريا يقيم بالمهجر.
التنظيم العالمي: هو القيادة العامة لأفرع جماعة الإخوان فى مختلف دول العالم، ورئيسه الأعلى هو المرشد العام للجماعة، وباستثناء التمويل، يظل دور «العالمى» محدودا، ويقوم عدد من قيادات الجماعة النافذين فى الخارج ببعض الأدوار، يتم استخدامها فى تضخيم دور التنظيم فى نفوس الجماهير عموما وأعضاء الجماعة على وجه الخصوص، وبعد انتفاضة الشعب المصرى ضد حكم الإخوان، والضربات القوية التى تلقاها التنظيم فى مصر أمنيا وجماهيريا، فعلت الجماعة دور التنظيم الدولى، لمواجهة السلطة الجديدة فى مصر، وشن الحملات الإعلامية عليها فى دول الغرب.
السرية
تعتبر السرية ركنا أصيلا ومهما عند تنظيم الإخوان، لا يرتبط بمرحلة معينة، ولا بظروف طارئة، فالجماعة عرفت السرية منذ إنشاء مؤسسها حسن البنا ل«النظام الخاص» والذى اشتهر لاحقا ب«الجهاز السرى».. فقد أحاط البنا هذه القوة العسكرية الخاصة بقدر كبير من السرية والكتمان.
وبعد الضربة التى وجهها النظام الناصرى للإخوان عام 1954، عقب محاولة اغتيال جمال عبدالناصر بميدان المنشية فى الإسكندرية، أصبحت الجماعة كلها تنظيما سريا، لا يعمل إلا فى الخفاء، ولا يعرف أحد الأسماء المكونة لهرمه التنظيمى.
ولأن الملاحقة الأمنية كانت ذريعة العمل السرى للإخوان فى العهد الناصرى، فقد كان من المنتظر أن تخرج الجماعة إلى النور فى عهد الرئيس السادات، الذى أفرج عن أعضاء التنظيم من القيادات والقواعد، وسمح لهم بالعمل العام فى المساجد والجامعات والنقابات، فى مواجهة اليسار بشقيه القومى والاشتراكى، إلا أن القيادات المسيطرة على التنظيم تمسكت بالسرية، وبدأت البناء الإخوانى من جديد على أساس من الخفاء والعمل بعيدا عن النور.
وتؤصل مناهج الإخوان لأهمية السرية، وتفرد لها مساحات واسعة، وكعادة الإخوان دائما، تزعم كتب المناهج أن السرية هى اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، الذى عرفت دعوته فى مكة مرحلتين: الأولى هى سرية الدعوة وسرية التنظيم، والثانية هى علنية الدعوة مع استمرار سرية التنظيم.
ويقول فتحى يكن فى كتابه «ماذا يعنى انتمائى للإسلام؟»: «لا يجوز أن تكشف الحركة كل ما عندها من مخططات وتنظيمات، فليس فى ذلك مصلحة على الإطلاق، بل إن ذلك يعد جهلا بالإسلام، وتعريضا للحركة وأفرادها لمكر الأعداء.
أما السورى منير الغضبان مؤلف كتاب «المنهج الحركى»، فيتحدث عن أهمية السرية، ويلح عليها فى مواضع كثيرة من كتابه، فيقول فى صفحة 50: «لابد من المحافظة على سرية التنظيم، واختيار مركز سرى للتجمع بعيدا عن الأعين، يلتقى فيه الجنود مع بعضهم، ويلتقون بقياداتهم».
ويقول فى صفحة 116: «على الحركة الإسلامية ألا تظهر كل أوراقها، اعتمادا على وجود مناخ ديمقراطى، وعليها أن تبقى رصيدا من أشخاصها، وتنظيمها، وحركاتها، ومراكزها سرا، حتى لا تباد لو فكرت الجاهلية بالانقضاض عليها»، ولعل هذه الأسطر تلقى ضوءا على مسألة «الخلايا النائمة» التى شاع استخدامها أخيرا للإشارة إلى رجال الإخوان السريين فى مختلف المواقع.
وفى فقرة كاشفة لأساليب الإخوان وطرق تعاملهم مع قوى المجتمع يقول المؤلف: «لا شىء أقوى للحركة الإسلامية من أن تتعامل مع حلفائها وأعدائها ببلاهة ظاهرية، بحيث تعرف مخططاتهم وتتظاهر بجهلها لهذه المخططات». ويضيف: «كما لابد أن يكون للحركة رجالها فى صفوف العدو المحالف». ومن اللافت هنا أن المؤلف يؤكد على «البلاهة الظاهرية» حتى مع الحلفاء وأصدقاء الجماعة.
أما عن أهمية وجود جهاز معلوماتى سرى للجماعة فيقول المؤلف: «لقد ظهرت أهمية هذه القضية مع تجربة الحركة الإسلامية مع أعدائها، فضعف المخابرات لديها أدى لاشتعال معركة راح ضحيتها عشرات الألوف نتيجة المعلومات الخاطئة التى وصلت للمجاهدين.
صحيفة الشروق المصرية