مع ارتفاع عدد قتلى جيش الاحتلال في العدوان الهمجيّ والبربريّ على قطاع غزّة، ومع استمرار المقاومة بقصف إسرائيل برشقاتٍ صاروخيّةٍ، والنقاش المتأجج داخل الكيان حول تحقيق أهداف الحرب من عدمها، بدأت تتكشّف الحقيقة التي يُواصِل المستوى الأمنيّ مدعومًا بالسياسيّ القيام بإخفائها عن الجمهور العريض، وبثّ صور انتصاراتٍ وهميةٍ.
وفي هذا السياق وفي مقالٍ يُعتبر جريئًا وتغريدًا خارج السرب، خرج اليوم الثلاثاء الجنرال بالاحتياط يتسحاق بريك ليقول الحقيقة: الناطق العسكريّ الإسرائيليّ كذّاب، وجميع المُراسلين والمُحللين والمختّصين بالشؤون العسكريّة في وسائل الإعلام العبريّ لا يقولون الحقيقة، بل هم عمليًا أسرى ثقافة الكذب التي يعكف على تصنيعها الناطق بلسان جيش الاحتلال، الجنرال داني هغاري، الذي يعقد كلّ يومٍ بالمساء مؤتمرًا صحافيًا، تقوم جميع وسائل الإعلام ببثٍّ بشكلٍ حيٍّ ومباشرٍ.
ووفقًا للجنرال بيرك فإنّه من خلال المعلومات التي تصله من قادة الجيش والجنود، الذين يقاتلون في غزة، تتبيّن النتائج التالية: الناطق العسكريّ والمحللين العسكريين في أستوديوهات قنوات التلفزيون الإسرائيليّة يعرِضون عرضًا كاذبًا حول الآلاف من القتلى من عناصر حماس، وبالإضافة إلى ذلك يقومون بالكذب حول المعارك وجهًا لوجه بين الجنود والمقاومين.
وشدّدّ الجنرال بريك على أنّ عدد القتلى من عناصر حماس بنيران الجيش الإسرائيليّ أقّل بكثير جدًا من العدد الذي يقوم بتسويقه الجيش والإعلام العبريّ، لافتًا إلى أنّ القسم الأعظم من الحرب تدور بشكلٍ مغايرٍ، وأنّ! القتلى الإسرائيليين بسوادهم الأعظم لاقوا حتفهم جرّاء انفجار عبوّاتٍ ناسفةٍ أوْ جرّاء أطلاق صواريخ مضادةٍ للدبابات من قبل حماس، كما قال.
علاوة على ذلك، أوضح الجنرال الإسرائيليّ أنّ المقاومين من حركة حماس يخرجون من الأنفاق، ويقومون بوضع عبوّاتٍ ناسفةٍ، وبالمقابل يقومون بإطلاق الصواريخ المُضادة للدبابات باتجاه القوات الإسرائيليّة، وبعد ذلك يعودون للأنفاق ويختفون، لذا فإنّه في هذه الظروف لا يمكن الحديث عن حلٍّ سريعٍ، على حدّ تعبيره.
ورأى الجنرال بريك أنّه بات واضحًا للعيان أنّ الناطق العسكريّ الإسرائيليّ والمستوى الأمنيّ في الكيان يعملون على إظهار الحرب وكأنّها انتصارًا كبيرًا، حتى قبل أنْ تتضّح الصورة.
وتابع أنّه من أجل تحقيق هذا الهدف يقوم الجيش الإسرائيليّ بدعوة طواقم قنوات التلفزيون العبريّة لزيارة غزّة، وهم بالمُقابل يقومون بتوثيق “صور انتصاراتٍ”.
ورأى بريك أنّ الحرب الحالية هسي الحرب الأكثر تصويرًا منذ قيام الدولة العبريّة، وحتى في العالم برّمته، بهدف إبراز انتصاراتٍ قبل أنْ نقترب من تحقيق الهدف المنشود، وهذا التصرّف، أضاف الجنرال الإسرائيليّ، من شأنه أنْ يجلب الأضرار الكبيرة في حال لم يتِّم تحقيق أهداف الحرب وهي: القضاء على قدرات حماس العسكريّة وتحرير الأسرى الإسرائيليين، ولذا كان من المهم جدًا أنْ تتحلّى إسرائيل بقليل من الحياء، على حدّ وصفه.
وأوضح الجنرال بريك أنّ هذا التصرف يُشابه جدًا ما جرى قبل الهزيمة التي لحقت بإسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، حث دأب المحللون، ومنهم جنرالات سابقين بالجيش على الترديد في قنوات التلفزيون أنّ شيئًا من هذا القبيل لن يحدث لإسرائيل، لأنّ جيشها هو الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، فيما أنّ الأعداء ما زالوا مرتدعين، الأمر الذي يؤكِّد بما لا يدعو مجالاً للشك بأنّهم لم يتعلّموا شيئًا من هزيمة أكتوبر الفائت.
الجنرال بريك جزم قائلاً إنّ القضاء على أنفاق حركة حماس بحاجةٍ لسنواتٍ طويلةٍ، وهذا الأمر سيُكلِّف الشعب الإسرائيليّ عددًا كبيرًا من الضحايا، لافتًا إلى أنّه اليوم حتى الجيش يعترف بأنّ الحديث عن الأنفاق يعني الحديث عن مئات الكيلومترات، وهي متفرعة وعميقة، وقسمٌ منها مبنية بطبقاتٍ مع مراكز قيادة وقتال.
وكشف الجنرال بريك النقاب عن أنّ حركة حماس قامت ببناء هذه الأنفاق على مدار عشرات السنوات بإشرافٍ منهيٍّ من كبار المهنيين في هذا المجال، ومُضيفًا أنّ الأنفاق تربط قطاع غزّة بالطول والعرض على حدٍّ سواء، بما في ذلك امتداد لشبه جزيرة سيناء من تحت مدينة رفح، على حدّ قوله.
بالإضافة إلى ذلك، كشف الجنرال بريك النقاب عن أنّ الجنود والضباط، الذين يقاتلون في قطاع غزّة أوضحوا له إنّه سيكون من الصعب جدًا القضاء على حماس، على الرغم من التدمير الذي أحدثه القصف الإسرائيليّ، مشيرًا إلى أنّ حماس ستواصل حرب العصابات ويُلحِق خسائر جسيمة بالأرواح لجيش الاحتلال، وبالتالي يجِب الانسحاب من الأماكن المكتظّة والقيام بعملياتٍ عسكريّة “جراحيةٍ” لوقف النزيف، على حدّ تعبيره.
وخلُص إلى القول: هل يُمكن للمستوييْن السياسيّ والأمنيّ البحث عن حلولٍ إبداعيّةٍ للوصول إلى النصر، وقطع الطريق على الهزيمة النكراء؟
صحيفة رأي اليوم الألكترونية