باليه «القرصان» مزيج متميز بين شرق وغرب

يعد باليه «القرصان» درة ثمينة من ريبرتوار فرقة أوبرا القاهرة لم يشاهده الجمهور منذ خمس سنوات، وقد نجحت إدارة الفرقة في اختيار هذا العمل الذي يمثل مزيجاً من أجواء الشرق المميزة وعناصر الباليه الكلاسيكي الغربي.
والقرصان اقتبست قصته من قصيدة القرصان للشاعر الإنكليزي لورد بايرون (1788 – 1824) والتي نشرها عام 1814، فكانت مصدر إلهام كثر من الموسيقيين والمسرحيين. عرض الباليه للمرة الأولى على المسرح الملكي في لندن عام 1837 وعلى نص من تصميم فرديناند آلبرت ديكومب على موسيقى روبرت بوكسا، وبعد نحو عشرين سنة تناول المصمم جوزيف مازيلييه القصة ذاتها في باليه بالاسم ذاته على موسيقى أدولف آدم ليصبح في ما بعد من أشهر الباليهات في الريبرتوار العالمي.

وقُدم فيما بعد في نسخ عدة أشهرها نسخة ماريوس بتتيبا (1818 – 1910) وكان ذلك عام 1899، وهي التي اعتمد عليها الراحل عبدالمنعم كامل الذي قدمه للمرة الأولى في مصر.
يتكون الباليه من ثلاثة فصول وسبعة مشاهد، تدور قصته في أحد الموانئ ببلاد الشام، والتي تقع على مضيق البوسفور حيث تتحطم سفينة القراصنة إثر عاصفة شديدة بالقرب من أحد الموانئ الشامية، ولم يتبق منها إلا الحطام ونور الدين قائد السفينة وخادمه علي وبعض الأتباع وتنقذهم ياسمين وجولنار وبعض الفتيات من الموت، تنشأ قصة حب بين ياسمين ونور الدين ثم يهاجمهما تاجر الجواري أحمد ويتم بيعهما لسعيد باشا ثم تحدث معارك كثيرة بين الباشا وحراسه ويتمكن نور الدين من إنقاذ الفتيات، تمضي الحوادث حتى يلتئم الشمل ويتم الاحتفال بحب ياسمين ونور الدين.

والعمل «باليه إيمائي» التمثيل الصامت فيه له دور بارز وهو يعد مثلاً جيداً للباليه الكلاسيكي في حركاته وأسلوب تقديمه، إذ يتميز بالرقصات المتنوعة بين الفردية والثنائية والجماعية كما يقوم الراقصون فيه بحركات ماهرة تستدعي التصفيق والتوقف لتحية الجماهير.
قدّم الباليه على مدار أربعة أيام تنوع فيها المؤدون، بخاصة أدوار البطولة. وكان من أجمل المشاهد الرقصة الثنائية وقام بأدائها ببراعة بطلا العمل، وهي رقصة تعبيرية تستهل بموسيقى بطيئة يليها تنويع للراقص ثم تنويع للراقصة ثم اختتام ثنائي قوي جعل الجمهور يصفق طويلاً حيث جاء الأداء بحرفية وإتقان ميزا معظم مشاهد العمل الحركية.

أما المشاهد الجماعية، والتي يحفل بها العمل، فأتت مميزة منها رقصة العبيد في المشهد الثاني من الفصل الأول وهو مشهد السوق التي تعرض فيها الجواري للبيع، وبرعت فيه كل من سحر حلمي ورجوى حامد، ورقصة الزهور في مشهد الحديقة المسحورة ورقصة الجاريات الثلاث وهي رقصة ثلاثية تستهل بالفالس ويتبعه تنويعات على اللحن الأصلي… وكان الراقصون الرجال وهم مصريون على مستوى عال من اللياقة منهم نجما الفرقة أحمد نبيل ومحمد فضلون وغيرهما. وبدا واضحاً التدريب الجيد والإعداد المتميز لمديرة الفرقة أرمينيا كامل.

رافقت العمل أوركسترا أوبرا القاهرة بقيادة المايسترو الإيطالي دافيد كريشنزي الذي وفق في معظم فقراته وجاءت انتقالاته بين أساليب المؤلفين الموسيقيين المختلفة جيدة إلى حد كبير كما تفوق عازفو المجموعات الآلية المختلفة وعازفة الهارب، حيث إن هناك مقاطع عزف منفرد كثيرة لهذه الآلة.الإبهار الحقيقي في العمل للديكور واعتمد على الستائر التي تعطي إيحاء التجسيم مع الشاشة الشفافة للفصل بين المشاهد، وكان مشهد المركب في الخلفية من المشاهد الجميلة التي حازت تصفيق خاص من الجمهور أيضاً. لا ننكر أن الأكسسورات والملابس والماكياج جاءت مناسبة تماماً ونجحت في إيضاح الجو الشرقي، أما الإضاءة للمصمم الموهوب ياسر شعلان، فكانت من أهم عناصر نجاح العمل، إذ لم تكن فقط مبهرة وإنما تم توظيفها في شكل متميز للتعبير عن الحوادث. وتميز مهندس الصوت خالد درويش في إبراز تفاصيل الموسيقى التي جاءت متسقة مع الحركة المسرحية. أخيراً، تميز العمل بانصهار جميع العناصر في بوتقة واحدة جعلت العرض متعة موسيقية وبصرية.

صحيفة الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى