
يعد المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس براك من النخبة المقربة إلى ترامب. حتى أن اسمه ورد في ملفات جيفري ابستاين التي تشغل الرأي العام الأمريكي، وتقلق الرئيس ترامب هذه الأيام. وأوضح براك في تحقيقات هذه القضية أنه ألتقى ابستاين في العام 2016 مرتين على الغداء. مرة برفقة مندوب روسيا في الأمم المتحدة تشوركين، ومع إيهود براك رئيس حكومة إسرائيل السابق. و في المرة الثانية حضر الغذاء برفقة الممثل وودي آلان و تشوركين أيضا. هذان اللقاءين على الغداء كانا ضمن نشاط براك في (الاستثمار في العلاقات) لصالح ترامب وحملته الانتخابية الأولى. المفارقة الأكبر ما قاله براك عن ابستاين. فقد ذكر أنه حضر أيضا في قصر إبستاين ندوات ثقافية حول السياسة والعلاقات الدولية وقضايا أخرى. تصوروا متاجر بالبشر والفتيات القاصرات ومسهل الدعارة للسياسيين وأصحاب المال والنفوذ يقيم ندوات ثقافية. لم لا؟! حتى الداعر يمكن أن يقيم نشاطات ثقافية. أو يمكن أن يتغطى بها. وكي لا ننقص من المعلومات شيئا، فإن التحقيقات لم تشر إلى أي مشاركة لبراك مع ابستاين في حفلات مجون أو دعارة أو استغلال قاصرات، كما حصل مع معلمه ترامب… يعني بريء سيدي! . . بريء!!
بالنسبة لمنطقتنا يشكل توم براك اليوم محور معالجة الأوضاع في سوريا ولبنان. واختاره الرئيس ترامب لهذه المهمة لأنه من أصل عربي لبناني من مدينة زحلة، ولانه صديق مقرب له وثق به جدا، وقال عنه أنه (رجل ذكي وماهر في مجال الاستثمار في العلاقات). وبراك، الذي يبلغ من العمر 78 سنة، ابن عائلة لبنانية مهاجرة إلى أمريكا. والده بائع خضرة وأمه سكرتيرة. وهو الأوسط بين ثلاثة أخوة. عنده ست أولاد من خمس زيجات. ورغم أنه كاثوليكي فإنه كما يبدو يستسهل الطلاق. وبعد آخر زيجة له أقام علاقة غير رسمية مع الصحفية هادلي غامبيل وتركها بعد سنتين. يعني الرجل مزواج وملول، والطلاق عنده سهل مثل “شربة الماء”. وربما هناك انعكاس لذلك في أسلوبه السياسي وتعاطيه الدبلوماسي.
براك يحمل الدكتوراه في القانون.وعمل في المحاماة. وكان المحامي الشخصي للرئيس نيكسون. وعمل نائبا لوكيل وزارة الداخلية في عهد ريغان. وعندما أرسل إلى السعودية أقام صداقة عميقة مع أحد أمراء العائلة المالكة. وكان يلعب معه السكواتش. ورتب العلاقات بين السعودية وهاييتي. كما أنه انجز التفاوض على حقوق الحفر في الإمارات مع مانع العتيبة. وسهل بيع حصة في فندق “رافلز ليرىيتاج” إلى هيئة أبو ظبي للاستثمار. كما باع نادي سان جيرمان إلى هيئة قطر للاستثمار العام 2012. وكان قد دخل في شراكة معها لشراء ميراماكس للإنتاج السينمائي والإعلامي في العام 2010. ثم باع حصته فيها بأربع أضعاف ما دفعه. كما رتب للقاء بين الرئيس ترامب وأمير قطر قبل انتخاب ترامب الأول. براك يملك مزرعة جبلية بالقرب من سانتا بربارة. تمتاز بكروم العنب وينتج منها النبيذ. وعنده لذلك غرفة لتذوق النبيذ في وسط مدينة سانتا بربارة. ومع اعتماده على (الاستثمار في مجال العلاقات) استثمر في التعليم والفنون والصناعات. لكن تركيزه الأكبر كان في (الاستثمار في مجال العقارات المتعثرة) قبل أن ينتقل إلى التركيز على الدول أو البلاد المتعسرة.
(الاستثمار في العقارات المتعثرة) يقوم على مراقبة وتتبع مشاكل أزمات العقارات. خاصة تلك التي تعاني من أزمات مالية، أو من خلافات بين ورثة لها، أو من تهالك في البناء، أو تقادم في هياكلها. المهم أن يكون أصحابها عاجزين عن إصلاحها إما بسبب خلافاتهم وصراعاتهم، أو بسبب جهلهم وتخلفهم، أو بسبب عدم امتلاكهم المال الكافي، أو لافتقادهم القدرة والكفاءة. هنا يقتنص المستثمر العقار المتعثر. ويضع يده عليه إما بشرائه أو بالدخول كشريك مقرر مع أصحابه. ثم يصلحه على هواه وبما يحقق مصالحه، ثم يستثمره إما بتأجيره أو استخدامه أو بيعه إذا مل من استخدامه ومن أصحابه. إنه الاستثمار في أزمات الآخرين، واستغلال مصائب وتهالك وبلاوي الآخرين. وما العقارات المتعثرة إلا شكلا مجسدا لأصحابها المالكيين المتعثرين الضائعين. توم براك ركز تركيزا كبيرا في هذا المجال، واكتسب خبرة كبيرة فيه وحقق أرباحا بالمليارات جناها في هذا المجال.
الآن توم براك مكلف من الرئيس ترامب لمساعدة سوريا ولبنان. مساعدة سوريا على استقرار الحكم الجديد فيها. لتحقيق الاستقرار وإقامة حكم شامل يحقق وحدة وسيادة سورية أرضا وشعبا، ومحاربة الإرهاب حتى القضاء عليه، وصولا لعقد اتفاق مع إسرائيل لوقف النزاع معها للانتقال الى مسار الازدهار و التنمية. كما أنه مكلف بمساعدة لبنان لإنجاز نزع سلاح المقاومة، وأجراء إصلاحات اقتصادية ومالية وكذلك عقد اتفاق مع إسرائيل لأن في كل ذلك مصلحة أمريكية كبيرة كما يقول ترامب.
وهذا ما يجعل مهمة براك كأنها استثمار في البلاد المتعسرة. وهل من تعسر أكبر مما وقعت فيه سوريا منذ 14 سنة، والذي تجلي بصراعات أهلية واستبداد ودكتاتورية متماديين، ومعارضة مشتتة ومشوشة. وهذا ما جعل معظم الحلول لا تخرج عن القتل والدمار، وبما يزيد من الحقد والكراهية. والتفرق بين مكونات المجتمع مما عسر وأخر الحل والوصول إلى الهدف الذي يحفظ سورية ووحدة شعبها. وهل من تعسر أكبر مما سببته الحرب الأهلية اللبنانية وما أنتجته من سياسيين لصوص فاسدين، وما تعرض له لبنان من تدمير اقتصاده وسرقة المصارف، و من اعتداءات إسرائيلية مجرمة ومن سيطرة للمليشيات باسم المقاومة، طبعا مع عدم إغفال أن أكبر المسببين لكل هذا التعسر في سوريا ولبنان كانت أمريكا واسرائيل وسياستها في المنطقة. خاصة ما جرى من إيقاظ للفتن الطائفية، ومن تشجيع وتسليح للفرق ضد بعضها، ومن سكوت على أنظمة دكتاتورية ومستبدة. فهل بعد كل هذا التعسر الذي صنعوه يريدون الاستثمار فيه؟؟!!
توم براك محور حل مشاكل التعسر في سوريا ولبنان هذه الأيام. والخوف أن يتعامل معنا كأننا عقارات متعثره. والخشية من استسهال الطلاق لديه أن يطلقنا. والمصيبة في دبلوماسيته التي تجاهلت حقيقة الداعر ابستاين وتذكر نشاطه الثقافي أن يتجاهل معنا جرائم من يعتدي على شعبنا. السؤال المهم هو حول طريقة تعامل أهل البلاد وأصحابها مع المبعوث الأمريكي. هل سيفاقمون تعسرهم ليصبح الاستثمار بالبلاد ضدهم وضد مستقبلهم؟؟ أم سيستفيقون لينتبهوا على أهمية بلادهم ويستيقظون من تعصبهم وعماهم واندفاعهم إلى فناءهم!!!!!!
بوابة الشرق الأوسط الجديدة