بعد تهديدات إردوغان.. مصير إدلب و”الغرام” الروسيّ- التركيّ
خلافاً لما كان متوقعاً، وبعد اتصال الرئيس التركي بنظيره الروسي في ظل معلومات تتحدُّث عن انفراج محتمل في سوريا وإدلب، جاء خطاب إردوغان خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه ليطرح العديد من التساؤلات حول التطورات المحتملة خلال الأيام القليلة المقبلة. فقد هاجم إردوغان بعبارات عنيفة جداً، صديقه السابق الرئيس بشار الأسد، واتّهمه “بعدم الالتزام بتفاهمات أستانا واتفاقية سوتشي في ما يتعلَّق بمناطق خفض التصعيد عموماً، وإدلب خصوصاً”، وهدَّده “بالتدخّل العسكري المباشر، براً وجواً، لإجباره على سحب قواته إلى خلف نقاط المراقبة التركية في ريفي حلب وإدلب، قبل نهاية الشهر الجاري“.
لم يهمل إردوغان أيضاً اتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “بعدم الالتزام بتعهداته شرق الفرات وغربه”. وقال: “لولا روسيا جواً وإيران براً، لسقط النظام منذ فترة طويلة، فهو يعيش بالتنفس الاصطناعي الروسي والإيراني، ولا يمثّل إلا أتباعه”.
إردوغان اتّهم أيضاً معارضيه الَّذين يتساءلون عما تفعله تركيا في سوريا “بالتواطؤ ومعاداة الأمة والدولة التركية”، وقال: “إنَّ تركيا موجودة في سوريا في إطار اتفاقية أضنة، وإنها لن تنسحب من هناك إلى أن يأتي نظام يمثل كلّ الشعب السوري، ويقضي على الإرهابيين (يقصد بهم الكرد)”، من دون أن يهمل “التذكير بالميثاق الوطني للعام 1920″، الذي كان يرى في الشمال السوري جزءاً من الجغرافيا التركية.
هذا باختصار ما قاله إردوغان، ليلخّص بذلك مجمل سياساته في سوريا منذ بداية الأزمة، إذ هاجم الرئيس الأسد بكلمات وعبارات عنيفة جداً، مهدداً إياه “بالتخلّص منه بأيِّ شكل كان”، ما دام – أي إردوغان – “مع المظلومين وضد الظالمين، أياً كانوا، والأسد واحد منهم”.
اللهجة العنيفة التي استخدمها إردوغان، وإن تحوَّلت إلى موقف عمليّ، إلا أن المرحلة القريبة المقبلة ستحمل في طياتها الكثير من المفاجآت، بعد أن رفع الرئيس التركي سقف مواقفه الخاصة بإدلب، على الرغم من اتهام المعارضة له بحماية الإرهابيين هناك.
والسؤال هنا: لماذا أمهل إردوغان دمشق حتى نهاية شباط/فبراير حتى تسحب قواتها إلى خلف نقاط المراقبة، التي يعرف الجميع أنَّ معظمها سيكون خلف القوات السورية بعد دخولها سراقب وأريحا، ومن بعدها جسر الشغور، وربما قبل نهاية الشهر الجاري؟
والسؤال الآخر: ما دام إردوغان قال إنَّه أجرى اتصالاً هاتفياً إيجابياً ومهماً مع الرئيس بوتين، وتوقع لقاءً قريباً معه، مؤكّداً أهمية العلاقات مع روسيا، فلماذا هدَّد الرئيس الأسد وتوعّده، وقال عنه “إنه دمية بوتين، ولولا روسيا لسقط منذ فترة طويلة”؟
ثم لماذا هدَّد إردوغان وتوعَّد “بالقيام بالردّ براً وجواً على أي عدوان يستهدف القوات التركية وحلفاءها (من دون أن يسميها) غرب الفرات وشرقه، وهو يعرف أنَّ روسيا لن تسمح للطائرات التركية بدخول الأجواء السورية”.
والسؤال الأخير: هل سينفّذ إردوغان جميع تهديداته في حال استمرار التوتر مع روسيا وأميركا معاً، بعد أن هاجم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل عنيف جداً أيضاً بسبب خطته الخاصة بفلسطين؟ وكيف؟
يفرض هذا السؤال نفسه في ظل معلومات تتوقَّع توتراً جديداً في العلاقات التركية- الأميركية شرق الفرات، بعد أن هاجم إردوغان الأميركيين وحلفاءهم الأوروبيين “بتنفيذ أجنداتهم الخاصة والخبيثة في سوريا وشرقها بشكل خاصّ، وهو ما يزعج أنقرة، بسبب دعم هؤلاء لوحدات حماية الشعب الكردية السورية”.
باختصار، لم يعد سهلاً بعد الآن على إردوغان أن يتراجع عن كلِّ ما قاله، وإلا سيجد نفسه في وضع صعب جداً في مواجهة انتقادات المعارضة، فسوف تقول عنه “إنَّه جبان”، وإنه “خاف من ترامب وبوتين”. وقد قال عنهما زعيم المعارضة، كمال كليجدار أوغلو، إنَّهما “يلعبان بإردوغان وكأنه كرة الطاولة”.
لم يمنع ذلك إردوغان من الرهان على هذه العلاقات، تارةً مع ترامب، وتارة أخرى مع بوتين، وهو ما فعله أمس الأول خلال زيارته إلى أوكرانيا، مكرّراً رفضه قرار روسيا ضمّ شبه جزيرة القرم إليها في العام 2014، ودعم بلاده لتتار القرم وهم من أصل تركي، من دون أن يهمل التوقيع على اتفاقيات التعاون العسكري والاقتصادي والمالي مع كييف، في موقف ينم عن تحدي موسكو، وكأنَّ إردوغان أراد أن يقول لها “إنّه يملك هو أيضاً العديد من الأوراق ضدَّها في حال استمرار تعنّتها في سوريا”، وذلك بحسب رأي المقربين من إردوغان، وهم يتحدَّثون عن خطط للسماح للسفن الحربية الأميركية بدخول البحر الأسود لمحاصرة روسيا من جورجيا وبلغاريا ورومانيا، في تحدٍّ خطير جداً لموسكو.
يبقى القرار النهائي للرئيس إردوغان، فما عليه إلا أن يقرر، وهذه المرة بشكل نهائي، ما الَّذي يريده من سوريا، وإلى متى سيستمر بالتنسيق والتعاون مع الرئيس بوتين في كلّ الأمور، وأهمها إدلب وقضيتها الملحّة.
فإما أن يحسم بوتين هذه القضية خلال أيام قليلة، وإما يعود وإردوغان إلى سوتشي من أجل صياغة جديدة لهذه القضية. وسيثبت أيضاً مدى جدية القرار السوري باستعادة كلّ البلدات، بما فيها جسر الشغور وأريحا، على أن تبقى إدلب، المدينة المحاصرة، ورقةً للمساومات الجديدة بين جميع الأطراف.
يعرف الجميع أنَّ الرئيس بوتين لن يتراجع عن موقفه هناك بسبب الإرهابيين الأجانب الَّذين إن استمرت أنقرة في حمايتهم، “فالغرام التركي- الروسي سينتهي”، ليقول لإردوغان: “اخرج من جميع الأراضي السورية الَّتي سمحت لك بدخولها منذ آب/أغسطس 2016، لنعود أعداء، كما كنا عندما أسقطت الطائرة الروسية في سوريا في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2015”.
وفي جميع الحالات، وربما لآخر مرة، إذا نفَّذ إردوغان تهديداته، فسوف يجد بوتين نفسه في وضع صعب جداً، فهو مضطر إلى اتخاذ موقف واضح وعملي في علاقاته مع “الحليفين العدوّين” إردوغان والأسد. ولم يعد أمامه ألا بضعة أيام، وكحدّ أقصى حتى شباط/فبراير، ليحسم قراره، ويقول لنا جميعاً أيهما أهم بالنسبة إلى روسيا التي لم يعد أمامها حلول وسط بعد أقوال إردوغان الأخيرة: الجارة تركيا بكلّ معطياتها الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية والمالية والجغرافية، أم سوريا التي لولاها لما وجد الجيش الروسي بحراً وبراً وجواً موطئ قدم له في البحر الأبيض المتوسط، وبفضلها ربما في العالم أجمع؟
الميادين نت