بلدة الطفيل اللبنانية وموقعها في الحرب السورية!
دمشق ــ خاص بوابة الشرق الأوسط
أنشأت الحرب في سورية مفهوما خاصا للخرائط، رغم أن أحد أهدافها كما يقول كثير من السوريين هو تقسيمها ورسم خرائط جديدة لها وللمنطقة بشكل عام، ومفهوم الخرائط هو مصطلح له علاقة بخطوط التجاور بين البلدان ناهيك عن المهام الجغرافية للخرائط في كل مجالات الحياة الحيوية.
والحدود السورية اللبنانية أكثر تداخلا مما يتوقع المحللون السياسيون والمراسلون الصحفيون إلى الدرجة التي يمكن ملاحظة أفراد من أسرة واحدة ينتمون إلى الدولتين معا وهذا ما كشفته وسائل الاعلام السورية واللبنانية في الفترة التي تلت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، وأ‘د برنامج تلفزيوني شهير لهذه الغاية كان اسمه مستلهما من أغنية لفيروز عنوانها (سوا ربينا)! وقرية طفيل قرية لبنانية تقع جغرافيا داخل التضاريس السورية من جهة عسال الورد، وهي تدخل في حدود الخارطة اللبنانية الشرقية من جهة بعلبك وبريتال..
والغريب أن الحرب انعكست على أهالي قرية طفيل بشكل مضاعف بحكم هذه الخصوصية، فقد زادت معانتها مع دولتها التي تنتمي إليها والتي أهملتها زمنا طويلا منذ قيام الدولة اللبنانية، فلم تفتح لها طريق إلى بعلبك، وكان طريقها تلقائيا ينبغي أن يمر من دمشق، أي أن على المواطن اللبناني في طفيل أن يدخل نحو مائة كيلومتر في الأراضي السورية، ثم يدخل لبنان ويقطع مسافة تقاربها ليصلإلى مدينة بعلبك التي لاتبعد عنه سوى عشرات الكيلومترات.
خلال الحرب غدت الجهات اللبنانية أكثر ابتعادا وتنصلا من مسؤوليات الدولة تجاه قرية تتبع لها، وزادت معانات نلقائيا مع الدولة السورية التي لجأت لتأمين حدودها إلى إنشاء حواجز تفصل طفيل عن عسال الورد التي كانت تحتضنها لوقت طويل، أي صارت قرية طفيل في سجن ليس هناك من يشرف على المحتجزين فيه..
وكما هو الحال في كل المناطق الحدودية في العالم فإن هناك تشابكات أمنية بين القرى المتجاورة فقرية طفيل تبعد عن بلدة عسال الورد السورية 3 كلم، وجعلتها هذه المسافة أكثر تماسا مع الحدث السوري سواء من جهة القضايا الجمركية (التهريب) وتبادل السلع ، أو القضايا الاجتماعية (التزاوج : أولاد خالة مختار الطفيل عبد الرحمن دقو سوريون في عسال الورد) أو القضايا السياسية وتبعاتها في الحرب السورية (هناك معارضون للنظام السوري من سكان طفيل!!!!).
وعندما تصاعدت الأحداث، وتحولت الجرود إلى ساحة للمعارك، وجد كثير من سكان طفيل أنفسهم مرغمون على مغادرة بلدتهم إلى مناطق أكثر أمنا، فانتقلوا إلى الداخل اللبناني وتركوا 787 هكتارا من أراضيهم للحرب والنهب، أي صاروا لاجئين لبنانيين في لبنان (!!!)، وأنشأت مجموعات كبيرة منهم مخيما في منطقة وادي عطا في عرسال، أي أن حالهم في لبنان أصبحت كحال السوريين اللاجئين !!
وكما كتب المراسلون من هناك ، فلا يختلف ” حال مخيم الطفيل عن حال المخيمات السورية الأخرى في عرسال، إلا في أن قاطنيه لبنانيون، مهجرون في بلدهم. البؤس والعوز والفقر، والحالة المأساوية التي يعيشونها، واحدة. لكن ما يزيد وضع أهالي الطفيل اللاجئين سوءاً أن الجميع تخلى عنهم. فالجمعيات الدولية، ومؤسسات الأمم المتحدة، ترفض تسجيلهم كلاجئين أو إعطاءهم مساعدات بحجة أنهم لبنانيون، وعلى الدولة اللبنانية أن تتكفل بهم. وهذه الأخيرة تتهرب من مسؤولياتها أيضاً بحجة أنهم “نازحون”. ونتيجة ذلك واحدة: أهالي الطفيل اللبنانيون أصبحوا مهجرين في وطنهم، ولا أحد يلتفت إليهم.”
مضت سنوات الحرب، ومأساة أعداد كبيرة من سكان طفيل تزداد إلى أن لاحت ملامح العودة لللاجئين السوريين، فحلت مشاكل أهالي عسال الورد قبل مشاكلهم، وكلنا يتذكر كيف تصدرت عودة المئات من سكان بلدة عسال الورد إلى بلدتهم أخبار القنوات الفضائية التي ظنت أنها بذلك تروج لعودة ملايين السوريين إلى بلادهم ، وكان هذا نوعا من المستحيل!
في أواخر تشرين الثاني الماضي تحولت مسألة العودة إلى قضية ساخنة، وكان من السهل تحقيقها طالما نجحت عودة المئات من سكان عسال الورد بتنسيق واضح وجلي مع حزب الله ومع رسائل شكر لدوره في مرافقة العائدين ..
أخيرا عاد أكثر من مائة مواطن لبناني من أهالي طفيل إلى بلدتهم الباردة التي تقع على سفح جرود عسال الورد من جهة الشرق وكأنها في الداخل السوري ، ومع عودتهم ستعود المأساة إلى بدايتها : هل ستؤمن لهم الدولة اللبنانية طريقا جبليا إلى بعلبك؟ أم أن طريقهم إليها يمر عبر دمشق ؟!
تلك هي حال بلدة الطفيل اللبنانية مع الحرب في سورية، لكن امرأة من تلك البلدة خرجت على إحدى المحطات الفضائية لتقول : الآن نعود للحياة فنزرع أرضنا ونحصدها بدلا من أن نكون لاجئين !!