بوب ديلان أول «موسيقي» يحوز نوبل للآداب أيقونة الثقافة المضادة..
هل كانت حقا مفاجأة، في فوز المغني الأميركي الشهير، بوب ديلان بجائزة «نوبل للآداب»، نهار أمس، عن عام 2016؟ ليأتي اسمه خلافا لكل التوقعات التي تكهنت بها مكاتب المراهنات منذ نهاية الشهر الماضي؟ قد يُشكل ذلك مفاجأة للبعض، لا لقسم من المتابعين، إذ كان ورد اسم ديلان ـ للمرّة الأولى ـ على لوائح المرشحين للفوز بهذه الجائزة العام 1996. يومها وجد الدعم الكافي من صديقه الشاعر ألن جينسبرغ، إذ قال عنه إنه «شاعر بطولي وموسيقي أساسي في القرن العشرين». كذلك عادت مكاتب المراهنات للتداول باسمه العام 2011 كمرشح محتمل وفق ما أعلنته يومها صحيفة «الغارديان» البريطانية.
التعبير الشعري
نجم الستينيات ليس غريبا إذًا عن قراءة اسمه في «عالم الأدب»، وإن كان ذلك لا يكفي بالطبع ليتفق الجميع حول أحقيته أو عدمها بفوزه بأرفع جائزة أدبية في العالم، على الرغم من البيان الصادر عن اللجنة الملكية السويدية، الذي قرأته «الأمينة العامة للأكاديمية السويدية» ساره دانيوس والتي قالت فيه إنه يستحقها «لأنه نجح في أن يبدع ضمن إطار التقليد الموسيقي الأميركي الكبير، أنماطا جديدة من التعبير الشعري»، قبل أن تضيف أن ديلان كتب «شعرا من أجل الأُذن»، مؤكدة «التناغم الكبير» بين أعضاء الأكاديمية، حول هذا الاختيار.
لنبدأ من الجملة الأخيرة التي قالتها الأمينة العامة حول «التناغم» بين أعضاء الأكاديمية. كلام، لا بدّ أن يقودنا إلى نوع من التساؤل: هل حقا اتفق الجميع على منحه الجائزة؟ أليس التأخر في إعلانها إلى نهار أمس، يفيد أن مشكلة قائمة في الخيار، مثلما عودتنا نوبل على مرّ تاريخها؟ وكيف نفهم مثلا كلام أحد الأعضاء السابقين في اللجنة الملكية الذي صرح قبل أيام بأن على الجائزة أن تبقى مكافأة للكتّاب الكبار؟ في أي حال، ربما هي المفاجأة الثانية التي تبدعها اللجنة الملكية، بعدما منحتها العام 1997 إلى «الممثل» الإيطالي داريو فو على الرغم من أنه كتب العديد من المسرحيات، وللصدف التعيسة، توفي أمس داريو فو، قبل ساعات قليلة من معرفة اسم زميله الذي سيبقى معه في «سجل الخالدين».
ثمة سؤال آخر يطرحه كلام ساره دانيوس. فكما يُفهم من كلامها إن الجائزة ذهبت إلى شاعر. هل فعلا لم يعد هناك شعراء يستحقون هذا التقدير؟ هل معنى ذلك أن الشعر أصبح في مكان آخر، غير ذاك الذي نعرفه؟ وهل أدب الولايات المتحدة، (آخر كاتب من الولايات المتحدة حاز نوبل كانت توني موريسون العام 1994)، يُختصر اليوم على مجموعة نصوص كتبت لتغني؟ كل الأسماء الشعرية والروائية الأميركية أين هي؟ ربما لسنا مخولين للاجابة مكان اللجنة السويدية، كل ما نعرفه أن ديلان ـ وهو بالطبع أحد أهمّ فناني الغناء في العالم ـ هو النجم الأدبي الأكبر هذه الأيام، وليكون أول موسيقي يحظى بهذا الشرف.
مسحة سوريالية
وبعيدا عن الجائزة، لا يمكن اعتبار بوب ديلان سوى أيقونة من أيقونات الثقافة الأميركية، أو بالأحرى أيقونة من أيقونات «الثقافة المضادة» التي انتشرت في ستينيات القرن الماضي، وبخاصة تلك التي عرفت حضورا في تمردها على حرب فيتنام عبر أغانيه، (كما عبر أغاني صديقته جون بايز وغيرهما)، التي نجحت في تخطي الكثير من الحواجز لتعبر إلى العالم بأسره. نصوصه الأولى اقتربت كثيرا من تلك المسحة السوريالية التي اشتهر بها شعراء «جيل البيت»، ليطورها موسيقيا عبر عدة أنواع عمل عليها من الفولك والبلوز والكاونتري وأخيرا الروك.
ولد بوب ديلان (واسمه الحقيقي روبرت ألن زمرمان) في 24 أيار من العام 1941 في «دولوث» مينيسوتا، لعائلة يهودية تنتمي إلى الطبقة الوسطى. أول التأثيرات التي تعرض لها، موسيقى الروك كما قدمها إلفيس بريسلي، وبعد ذهابه إلى «مينيابوليس» لإكمال دراسته، وقع هناك تحت تأثير موسيقى البلوز والكاونتري والفولك، ليقرر العام 1961 ترك الدراسة ليتجه إلى نيويورك من أجل البقاء والتردد على الساحة الموسيقية الأشهر التي كانت تضج بها «غرينويتش فيليج».
ذاك المكان أتاح لتجربته أن تتبلور، ليصبح واحدا من أشهر أبناء جيله، حيث اعتبر أهم كاتب أغنيات (في ذاك الجيل) قبل أن تبدأ أغانيه وموسيقاه في إفراد مكانة كبيرة لها، وبخاصة مع ألبومه الثاني The Freewheelin› Bob Dylan الصادر العام 1963، لتكر السبحة التي لم تتوقف، إذ أصدر مع بداية هذا العام ألبوما جديدا. صحيح أن ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، عرفت هبوطا في شعبيته وانتشاره، إلا انه عاد مع الألفية الجديدة بعنوان Modern Times (2000) ومن ثم Together Through Life (2009) ليشهد ولادة جديدة عند الجيل الجديد.
في أي حال، مرة أخرى تثير اللجنة الملكية المفاجأة، مثلما ستثير التعليقات والنقاشات.. فكثيرون منّا ما زالوا يعتقدون أن الأدب والشعر في مكان آخر، وإن كان هذا لا يمنع في أن يحوز ديلان نوبل الفن مثلا فيما لو وجدت.
داريو فو.. اللاإمتثالي
.. يمكن تسمية ذلك بألعاب القدر، أو ربما بالمصادفة التعسة. في يوم إعلان جائزة نوبل للآداب، يغادر آخر كاتب إيطالي حاز نوبل للآداب (1997) الكاتب المسرحي والممثل الأكثر تجديدا في المسرح المعاصر داريو فو، والذي يُعد من أكثر المسرحيين «غير الامتثاليين»، عن عمر يناهز 90 عاما.
قد تكون هناك صفة أخرى لداريو فو، إذ إنه أكثر كاتب مسرحي ـ بعد غولدوني ـ قدمت نصوصه على مختلف مسارح العالم. وهذا ليس بقليل في عالم أعاد اكتشاف ما قدمه هذا الرائد الإيطالي، في نهاية القرن الماضي، كأن يعيد اكتشاف نصوص مثل «موت الفوضوي العرضي»، و «ماريجوانا والدتي هي الأفضل»، وغيرها من النصوص التي جعلت حضوره وارفا وجماهيريا في بلده، بداية، قبل أن يترجم ويقدم في أرجاء الأرض.
عديدة هي المواقف التي ساهمت أيضا في صعود شعبيته ونجاحه: دعوته الدائمة إلى الثورة ضد جميع أشكال السُلطات، بما فيها السلطة الدينية المتمثلة في إيطاليا بالفاتيكان، حيث كتب مسرحيته الموسومة «البابا والساحرة» ومن ثم «الفارس» الكبير الذي كتبه العام 2003 ضد حكم برلسكوني بعنوان «الشاذ ذو الرأسين» والذي استمر على الخشبة لفترة طويلة جدا، حيث اكتظت القاعات كل ليلة، بيد أن المسرحية تعرضت للرقابة وحذفت منها الكثير من المشاهد حين عرضت على شاشة التلفزيون، (لم تبدأ مسرحياته بالظهور على الشاشة الصغيرة، إلا بدءا من العام 1977، بسبب مشكلاته مع العدالة كما بسبب مشكلاته مع اليمين المتطرف، وهو المناضل في صفوف اليسار المتطرف).
صحيفة السفير اللبنانية