بوريطة ودي ميستورا في نيويورك: لقاء ما قبل لحظة الحسم

لم يكن اللقاء الذي جمع وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة بالمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، مجرد محطة بروتوكولية في أروقة الأمم المتحدة، بل يمكن قراءته كجزء من معركة دبلوماسية صامتة تتحرك فيها الرباط بثقة، وتواجه فيها خصومها بأوراق سياسية متينة ورؤية استراتيجية بعيدة المدى.
الاجتماع الذي جرى بحضور السفير عمر هلال يأتي في لحظة دقيقة، قبل استحقاقات مجلس الأمن المقبلة، حيث تتحضر القوى الكبرى لتجديد مواقفها من ملف الصحراء. وهنا بالضبط يكمن ثقل المغرب: وضوح الرؤية، صلابة الموقف، واستمرارية النهج الذي حدده الملك محمد السادس منذ سنوات، والمبني على الحكم الذاتي كأفق وحيد واقعي وعملي.
الرسالة المغربية في نيويورك لم تكن موجهة فقط إلى دي ميستورا، بل إلى المجتمع الدولي برمّته: المغرب لا يناور ولا يبحث عن حلول مؤقتة، بل يقدّم مبادرة بناءة ذات مصداقية حازت دعماً متزايداً عبر القارات. أكثر من ثلاثين دولة افتتحت قنصلياتها في الأقاليم الجنوبية، وعواصم وازنة باتت تصف المقترح المغربي بأنه “جدي وذو مصداقية”. إنها دينامية لم تعد مجرد أوراق ضغط، بل تحولت إلى حقائق سياسية على الأرض.
وإذا كان دي ميستورا يسعى، كعادته، إلى استكشاف “هوامش التوافق”، فإن المغرب يضع أمامه سقفاً واضحاً: أي مسار لا يقوم على الحكم الذاتي هو دوران في حلقة مفرغة. بهذا الوضوح، يحصّن المغرب موقعه ويجنّب النزاع الدخول في دهاليز عبثية جُرِّبت مراراً دون جدوى.
إن اللقاء الأخير في نيويورك لا يُقرأ من زاوية التفاوض المباشر فحسب، بل كجزء من سباق استراتيجي نحو تثبيت المرجعية الوحيدة للحل: السيادة المغربية مع منح صلاحيات واسعة في إطار الحكم الذاتي. وهذا ما يجعل صوت الرباط اليوم أكثر قوة ووزناً في الساحة الأممية، خصوصاً في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي جعلت العديد من العواصم تبحث عن شركاء موثوقين، مستقرين وقادرين على بناء تحالفات رابحة.
بهذا المعنى، لا يمكن اعتبار اجتماع بوريطة ودي ميستورا لقاءً عادياً، بل هو فصل من فصول تأكيد المغرب على أنه لا يكتفي بالدفاع عن قضيته الوطنية الأولى، بل يصوغ أيضاً معادلة الاستقرار الإقليمي التي لا غنى عنها في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
ويتجه مسار النزاع المفتعل حول الصحراء بشكل متسارع لصالح المغرب، بعد أن باتت مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية تحصد دعما متزايدا من قوى دولية وإقليمية وازنة. وهذا التوجه يعكس تحوّلاً نوعياً في مقاربة المجتمع الدولي للملف، حيث يُنظر إلى المقترح المغربي باعتباره الحل الواقعي الوحيد القادر على إنهاء نزاع طال أمده وأثقل كاهل المنطقة.
وقد شهدت السنوات الأخيرة زخماً دبلوماسياً تمثل في افتتاح أكثر من ثلاثين دولة قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة، وهو ما يعد اعترافاً عملياً بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية. كما أن مواقف دول كبرى مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا وفرنسا عززت هذا المنحى، بعد وصفها مبادرة الحكم الذاتي بـ”الجدية وذات المصداقية”. ومنح هذا التراكم الرباط دعماً سياسياً وقانونياً قوياً، وحوّل المبادرة من مجرد مقترح إلى مرجعية شبه وحيدة للحل داخل أروقة الأمم المتحدة.
وفي المقابل، يجد خصوم المغرب أنفسهم في موقع دفاعي، مع تراجع قدرة الطرح الانفصالي الذي تروج له جبهة بوليساريو بدعم من الجزائر، على استقطاب الدعم الدولي، فالمتغيرات الإقليمية والدولية، من أزمات الطاقة إلى التحديات الأمنية في الساحل، جعلت من الاستقرار السياسي والاقتصادي أولوية للدول الكبرى، وهو ما عزز ثقة هذه الدول في المغرب كشريك موثوق قادر على تأمين المصالح المشتركة.
كما أن خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس الواضح، والقائم على رفض أي مسار لا يقوم على الحكم الذاتي، رسّخ صورة المغرب كدولة ثابتة الموقف، تجمع بين الحزم الدبلوماسي والقدرة على بناء شراكات استراتيجية رابحة.
وفي ضوء هذه المعطيات، يبدو أن ميزان القوى الدبلوماسي والسياسي يميل أكثر فأكثر لصالح المغرب، وأن مبادرة الحكم الذاتي أصبحت الإطار الوحيد الجاد لإنهاء النزاع المفتعل وفتح آفاق جديدة للاستقرار والتنمية في المنطقة.
ميدل إيست أون لاين