بين” التناص “و”التلاص “
لماذا لا يسعى إلى إقامة ” مرصد أدبي ” يشهّر من خلاله بكل من يسطو على متاع الآخرين وينسبه إلى نفسه في مختلف حقول الأدب والفكر والفن، أسوة بتلك المراصد التي تنشط في المجتمعات المدنية، تتعقّب الانتهاكات الحقوقية وتفضح مرتكبيها في الدول والمؤسسات .
قد يبتسم ويسخر في سرّه كل من يعتبر الأمر دعوة طوباويّة وضرباً من ” الفذلكة الثقافية “ في مجتمعات تنخرها شتى الأمراض ما عدا ” أحمدها وأنبلها ” وهي التهام الكتب وإدمان حشيشة الفن والمعرفة .
قد يذهبون معي بعيداً ويفرضون جدلاً أنّ المراصد الأدبية قد أقيمت على قدم وساق وقلم .. وتمّ إحصاء المتلبّسين من “اللصوص الأذكياء ” والزجّ بهم ضمن لوائح سوداء قصد التشهير وردع كل من تسوّل له نفسه ” الطمّاعة الذوّاقة ” الاعتداء على أصحاب الأكفّ الناعمة من “بروليتاريا ” الإبداع فتعيد للأقلام حقها قبل أن يجفّ حبرها وتعود إلى غمدها ….ولكن…
هل ستفتح غرف التحقيق وتقام المحاكم وتنصب المقاصل للأقلام المزوّرة فينصف المعتدى عليه ويمكّن من استرداد حقوقه المعنوية والمادي؟الحقيقة التي لا تقبل الجدل هو أنّ فعل السرقة وآلياتها ومحرّضاتها النفسية والاجتماعية واحدة من حيث هي رغبة كامنة وسعي للتفوّق المادي والمعنوي على الآخر عبر الاعتداء على ممتلكاته دون اعتبار أخلاقي أو رادع قانوني …وبتواطؤ مع مؤسسات اجتماعية ضمن منظومة فساد واضحة لا غبار عليها .
يقول فقهاء القانون ” لا جريمة ولا عقوبة إلاّ بنص قانوني ” ...واستمرّت جرائم السطو الأدبي حتى بعد سن القوانين الخجولة في الملكية الفكرية التي ظلّت ” ترفاً حضاريّاً “، نمراً ورقيّاً وبلا مخالب، كما غابت العقوبات إلاّ فيما ندر، ذلك أنّ هذه النصوص جاءت في البلاد العربية كنوع من ذرّ الرماد والتبجّح بأننا أمة تحترم المبدعين وتدافع عنهم .
لكنني ـ وبرأيي الخاص ـ أجد أن لا بأس من “غضّ الطرف” فيما يخص الملكية الفكرية المتعلّقة بمنجزات عالميّة من شأنها أن تنقذ مجتمعات فقيرة بكاملها من الأوبئة كاللقاحات الدوائية، أو تتعلّق بأمنها الغذائي وثرواتها الطبيعيّة ….لا أرى حرجاً ـ إطلاقاً ـ في عدم الاستجابة لجشع الشركات المحتكرة ذات النشاط الربحي .
كما لا أجد مانعاً ـ وفي نفس السياق ـ من تحويل النصوص العالمية إلى أعمال درامية محليّة دون التغافل عن ذكر المصدر لدى المتخصّصين .
لا زلت أنتصر لنظرية “روبن هود” و”طرفة بن العبد ” في جدوى العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة عبر افتكاكها من خزائن المترفين لا من أدراج المبدعين طبعاً …ألم يكن هؤلاء الصعاليك مبدعين ؟ …فلماذا لم تسرق منهم جذوة الإبداع في العصور الحديثة المتسمة بثقافة الطمع والجبن .
لقد كان العرب على حق في تقديرهم لمبدأ ” الاقتباس “، ذلك أنّ هذا المصطلح جاء من فعل اقتناء قبس النار من خيمة نحو الأخرى كي تعمّ الفائدة وتضاء مضارب القبيلة، وكذلك الشأن في مصطلح “الاستنباط ” الذي يعود أصله إلى حضارة العرب الأنباط في منطقة وادي موسى، وعليه فقد سمّي كل تطوير في شؤون الدولة والمجتمع استنباطاً، خصوصاً في بدايات العصر الأموي .
أمّا ” التضمين” و” الاستعارة و ” المعارضة ” في الشعر العربي القديم فكانت تنمّ عن نبل في الإشارة إلى المصدر ……….. ويبقى ” التناص” الحديث في أغلبه سرقة مبرّرة وغير موصوفة … وكان الأجدر تسميته بـ” التلاص” .