عندما يتحول الوطن الى حلم ..!!
عندما يتحول الوطن الى حلم تنتفض المعاني وتدمع القلوب كلما رأيت مشاهد القتل والدمار تلتهم مساحة جديدة من الوطن ليتحول عبق التاريخ حجارة تبكي قصص من مروا من هنا ومضوا الى غير رجعة .. و لتغفو دمشق، أقدم عاصمة مأهولة بالتاريخ، على قصف و تستيقظ على تفجير .. وليتحول أقدم سوق تاريخي بالعالم (سوق الحرير) في حلب … ولتتحول تدمر ، وبصرى الشام ، وقلعة الحصن،آأثار وتاريخ وحضارة وطن، إلى مجرد آثار مدمرة .. وركام يبكيه كل من عرف سوريا ومر فيها وتمتع بحكاية الانسان الأول والحرف الأول … ومشى في حواريها العتيقة المتكئة على جذور الياسمين الضاربة فيها منذ الأزل.
إنه الوطن … ذلك العشق السرمدي الذي لا تكتشف مدى عمقه إلا لحظة الفراق أو لحظة الألم … ليصبح التهجير واللجوء والترحال وجع السوري هرباً من لعنة الموت التي اتخذت من أرض الحياة موطئ قدم … ليبقى السؤال المؤلم الذي لا يفارق أي سوري: لمصلحة من يتم تدمير سوريا ونهب آثارها وتهجير شعبها وتصفية عقولها واستنزاف خيراتها ؟؟؟!!
يشهد العالم اليوم دمار وطن … وهو يتفرج .. معلناً عجزه عن اتخاذ أي إجراء لإنهاء معاناة هذا الشعب ووقف نزيفه … من منطلق عدم التدخل في حياة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها!! .. ولتصبح الازدواجية في المعايير ومصالح الدول العظمى المتحكم الأوحد والوحيد في حياة الشعوب ومصيرها ، وشكل دولتها ونمط حياتها ، ولتصبح شعارات الانسانية وحقوق الانسان مجرد شمّاعات يعلق عليها تجّار الأوطان والحروب والأزمات بضائعهم ليبنوا ممالكهم على حطام أوطاننا وانسانيتا.
يلتهم شعور العجز واليأس والضياع يوميات السوري بالداخل … بعد أن انتقل القرار من يده الى خارج حدود الوطن .. ليصبح مستقبل السوري ألعوبة بيد إعلام ممول مأجور يعطي الحقيقة كما يريد .. ولمصلحة من يموله .. ويتبنى مواقف وتصريحات بعض ممن أعمى الحقد بصيرته .. ومتخذاً منهجاً متطرفاً أبعد ما يكون عن طبيعة الشعب السوري الطيب المتسامح التواق الى حياة حرة كريمة بعيداً عن الطائفية والتطرف .. ليجد نفسه فجأة في مجابهة مع ابن بلده السوري في حرب طائفية معلنة .. أوقدها إعلام نظام اقصائي خبيث تبنى على الفور نهج تتطيف الثورة ووصمها بالتطرف والإرهاب .. وتسويق نفسه على أنه نظام وطني ديمقراطي .. حامٍ للأقليات وممثل الاكثرية .. آزره بالمقابل إعلام عربي ممول أكمل على ما تبقى من وطنية الثورة وحصرها في زاوية الثورة المتطرفة.. وحول السلاح الى الناطق الرسمي باسم الشعب الثائر والممثل له .. معلناً استشهاد السلمية على مذبح العنف والحقد والثأر …ليقع السوري بالداخل ضحية نظام أمني دموي .. ومعارضة صوتية هزيلة .. وإعلام طائفي ممول .. وسلاح فوضوي أرعن .. تدعم كل طرف فيه مصالح دول اقليمية عظمى .. تستبيح دمه وخيراته وحضارته و آثاره.
الى اليوم، ومنذ استشهاد أول سوري في درعا، وبعد مرور عامين تقريبا، ما زلنا نكرر ذاتنا .. ونعيد كلماتنا ولكن بمرارة أكثر ووجع أكبر بعد أن تجاوز عدد الشهداء 70 ألفاً، وبعد أن تجاوزت الخسائر 250 مليار دولار .. وبعد أن أصبحت آثار هذا البلد ركاماً .. وأرضه محروقة … ليبقى السؤال الاخير :
متى سيصحو الضمير السوري، قبل الضمير العالمي والعربي، ليوقف هذه الكارثة الانسانية التي تقتل السوري وتدمر البلد .. متى سيفهم النظام أن القصف والتدمير والقتل ليست حلاً لاثبات أنه مالك الوطن وصاحب الحق بإبادة من يعارضه الرأي .. متى ستفهم المعارضة انه لا أحد يحب الشعب وسيقف مع قضيته إذا كانت المعارضة نفسها مشرذمة ومفتتة وعاجزة عن السيطرة على السلاح الذي لا تملك حلاً سوى المطالبة به .. متى سيفهم الجميع أن الشعب السوري يموت .. والاطفال تتشرد .. والبلد يتدمر وهم ما زالوا ينتظرون دعم السلاح .. ويتبارون بتخوين بعضهم البعض … وتسجيل مواقف بطولية على حساب دم الشعب .. فهاهي لبنان والعراق والسودان والصومال نماذج ما تزال حية في ضمير الانسانية عن قدرة الكره واﻻحقاد والطائفية والسلاح على تدمير بلد وتقسيمه وإعادته الى عصور الطائفية والقبلية .. وتفتيت شعبه وسحقه و إعادته الى عصور التخلف والفقر والجاهلية …
ما هو الثمن؟ ومتى ستأتي تلك اللحظة النورانية التي سيعي فيها الجميع أن هناك سبلاً أخرى لإيجاد حلول تنقذ ما يمكن إنقاذه، أو ما قد تبقى مما يمكن إنقاذه، إن صح القول، من وطن ومجتمع ومقدرات تتآكل مع كل يوم يمضي.