لن أقول لك .. لا ترحل …
لن أقول لك .. لا ترحل … كثيرة هي الكلمات والجمل والمشاعر التي تدغدغ قلوبنا عندما نسمعها من ناس بسطاء عاديين، عاشوا تجربة تشبه تجربة نعيشها نحن اليوم، ونتحسس نتائجها بانفعالات تتفاوت بين اليأس والاحباط والأمل .. لتترك هذه العبارة أثراً كبيراً في الذاكرة، نتبناها في لاوعينا، و نستعيدها في لحظات مشابهة ..
نبكي، نضحك، نتشاءم، نتفاءل ..
لتكون الحرب والفوضى والألم والمعاناة، بيئة غنية بالمشاعر والحكم والأفكار الانسانية الخلاقة.
فمن رحم الألم يولد الابداع … واليوم أتذكر كثيراً عبارة سمعتها وأثرت في كثيراً في هذه الأحداث الحربية، والأجواء الهمجية التي نعيشها اليوم في سوريا عبارة قالها شاب لبناني فقد أصدقاءه في الحرب اللبنانية إثر تفجير حافلة كان هو الناجي الوحيد منهم حيث قال:
(من وقتها أصبحت وحيداً، وقررت عدم تكوين أصدقاء جدد خوفاً من أن أفقدهم مجدداً، واليوم ليس لي صديق أقلق عليه ….!!! )
اليوم وأنا أودع أصدقائي واحداً تلو الآخر، وهم يجهزون حقائبهم و يقفلون بيوتهم وأشغالهم، ويلقون بمفاتيحهم في جعبة النسيان واللوعة والألم … لا يسعني سوى أن أتذكر هذه العبارة، وأقول لنفسي:
لن أتعرف على أصدقاء جدد.. لا أريد .. لو بقيت وحيدة سأعتاد الوحدة، أهون علي من شعور الحزن والأسى وهم يرحلون أمامي واحداً إثر الآخر…..
هذه آثار الحرب الهمجية القذرة ..
الخوف، الضياع، الرحيل .. الخوف من العنف، والقتل، والفوضى والفلتان الأمني ..
الضياع لعدم الشعور بالأمان والاستقرار، وانحدار المستوى المادي والاقتصادي ، وتوقف الأشغال والأعمال .
الرحيل للبحث عن مكان أكثر استقراراً وأمناً، وبناء مستقبل جديد بعيد عن ويلات الحرب ونتائجها.
هذا ما يحدث اليوم في سوريا، وما حدث في لبنان والعراق، وما سيستمر طالما الرصاص يلعلع فوق رؤوس المدنيين الآمنين،وحالات الفلتان والفوضى من خطف وقتل وتفجير وسلب ونهب مستمرة …
هذا ما سندفع ثمنه مستقبلاً، عندما يغادرنا الفكر ورأس المال واليد العاملة الشابة، وهذا ما سيجعلنا عاجزين عن بنائها لنستعين بخبرات غريبة، وهذا ما سيجعلنا نشعر بالحسرة والوحدة ..
للأسف لا نستطيع أن نقول لأحد اليوم لا ترحل، لأننا لا نضمن له الأمن والأمان .. ولكن نستطيع أن نقول لقياداتنا اللاحكيمة ولكل من يدعم العنف ويمول الارهاب، أوقفوا هذه الحرب المجنونة لنحافظ على ما تبقى من أهلنا وأصدقائنا وبلدنا.
6.10.2013