من الديكتاتورية الى الديمقراطية 2
سبق وطرحنا في المقال السابق مرحلتين من مراحل الانتقال من الديكتاتورية الى الديمقراطية، المرحلة الأولى العسكرة والمليشيات المسلحة، والثانية هي التدخل العسكري الخارجي …
وقلنا أن الحالتين لا توصلان الى الديمقراطية .. الأولى بسبب فوضى السلاح، والثانية بسبب التبعية ..
أما الحالة الثالثة: وهي المفاوضات التي توصلنا الى ديمقراطية حقيقية عبر الوصول الى صناديق الاقتراع، أو إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف ويمثلهم، ولكن لا تعتبر أسلوباً واقعياً للاطاحة بأنظمة الحكم الدكتاتورية القوية بغياب معارضة ديموقراطية قوية .. حيث غالباً ما يكون عرض السلام من خلال التفاوض مع الحركات الديمقراطية الذي تتقدم به أنظمة الحكم الدكتاتوري هو عرض خداع .. إذ يعرض النظام الديكتاتوري التوقف عن العنف، مقابل توقف الحركات الديمقراطية عن ثورتها وتحركاتها العسكرية، إضافة إلى وعودها بتحرير المعتقلين السياسيين، ووقف العنف والتعذيب، ووقف العمليات العسكرية، والاعتذار للشعب إذا وافقت الحركات الديموقراطية على وقف المقاومة،ولكن للأسف تنتهي هذه الوعود إلى الشعور بخيبة أمل .. فقلما يقلل التوقف عن المقاومة من حجم الاضطهاد .. حيث أنه عند زوال الضغوطات الداخلية والدولية عن الحكام الديكتاتوريين، تجدهم يمارسون قمعاً وعنفاً أكثر وحشية من ذي قبل..
في بعض الحالات يكون استخدام العنف المحدود ضد أنظمة الحكم الدكتاتورية أمراً لا يمكن تجنبه، فقد تصل درجة الإحباط والكراهية الموجهة ضد النظام الحاكم إلى الانفجار العنيف، وقد ترفض بعض الجماعات التخلي عن أساليب العنف حتى في حالة معرفتهم بأهمية دور النضال اللاعنفي .. هذه الحالات لا تضطرنا الى التخلي عن التحدي السياسي ولكن يجب الفصل بين أعمال العنف وأعمال اللاعنف إلى أقصى درجة ممكنة، وذلك عن طريق الفصل الجغرافي ومجموعات السكان والتوقيت والقضايا .. إذا لم نفعل ذلك فإن نتائج العنف ستكون وخيمة على استخدام التحدي السياسي الذي هو أكثر قوة و نجاحاً.
كما أن الفشل في التخطيط بذكاء، يؤدي إلى حدوث كوارث .. بينما يؤدي الاستخدام الفعال للقدرات العقلية للانسان إلى وضع نهج استراتيجية، تستخدم المصادر المتوفرة بذكاء لمضي المجتمع نحو تحقيق هدف الحرية والديموقراطية فعلى الاستراتيجيين مراعاة الأسئلة التالية عند اختيار أساليب النضال ضد الحكومات الديكتاتورية من مثل:
هل نوع النضال الذي يقع عليه الاختيار ضمن قدرات الحركة الديموقراطية؟
هل تقوم التقنية المختارة باستغلال نقاط القوة التي يتمتع بها الشعب المحكوم؟
هل تستهدف هذه التقنية نقاط ضعف الحكم الديكتاتوري أم تستهدف نقاط قوته؟
هل تساعد هذه الأساليب الديموقراطيين كي يصبحوا أكثر اعتماداً على أنفسهم أم هل يحتاجون إلى الاعتماد على أطراف أخرى أو دعم خارجي ؟
ما هو سجل استخدام الأساليب المختارة في القضاء على أنظمة الحكم الدكتاتورية؟
هل تزيد ام تحد من عدد الاصابات و الدمار الذي يمكن أن يحدث أثناء الصراع؟
ما هي التأثيرات التي ستخلفها الأساليب المختارة على نوع الحكومة التي ستنجم عن النضال في حالة تحقيق النصر ؟
بعد الإجابة على هذه الأسئلة بشفافية ومنطقية تتطابق الواقع بكل معطياته سلباً وإيجاباً، متخذة بعين الاعتبار المشاكل والمعوقات المباشرة وغير المباشرة التي قد تتعرض لها خطة التحول الديمقراطي .. يتم وضع خطة
واضحة الأهداف والطرق والوسائل، للانتقال إلى الديموقراطية، مع وضع خطة بديلة في حال فشل الخطة الأولى ولامانع من وضع خطة ثالثة لعدم السماح للانجرار إلى فوضى العنف، والسلاح غير المنتظم، وبالتالي الانحراف عن هدف المقاومة ..
إضافة إلى مجموعة من الخطوات والمحاذير التي يجب الانتباه لها وتجنبها للمحافظة على المقاومة بخطها الوطني سنعرضها في المقال القادم، والأخير من قراءات على طريق التحول من الديكتاتورية للديمقراطية ..