تأثير العمليات الفدائية في الضفة في الانتخابات الإسرائيلية
أمام تصاعد المقاومة في الضفة، يرى قادة الائتلاف الحكومي أن آراء الناخبين تتبدل جزئياً، ويرون أيضاً أنّ تصاعد المقاومة سيؤدي إلى مواقف أكثر يمينية في المجتمع الصهيوني، بحيث تنعكس تصويتاً لمصلحة نتنياهو.
يلقي تصاعد الأحداث في الضفة الغربية المحتلة بظلاله على الانتخابات الإسرائيلية الجديدة التي ستجري مطلع تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، إذ يستشعر المستوى السياسي وقادة الائتلاف الحكومي الحالي الحرج من مخاطر العمليات الفدائية الفلسطينية في مختلف مناطق الضفة، نظراً إلى أنها تؤدي إلى زيادة ضغط اليمين والمتطرفين عليهم، ما يهدد سمعتهم ومستقبلهم الانتخابي.
على الرغم من أنَّ الكتلة الانتخابية بين معسكر اليمين من جهة بقيادة بنيامين نتنياهو ومعسكر اليسار والوسط من جهة أخرى بقيادة لابيد – غانتس شبه ثابتة، فإنَّ حرباً انتخابية باتت محتدمة خلال الفترة الحالية بين الطرفين، وسط اتهامات متبادلة في مختلف الملفات، أبرزها ملف الضفة الغربية المحتلة الذي شهد تحركات يمينية ضد الحكومة الحالية واتهامات لرئيسها يائير لابيد ووزير الأمن بيني غانتس بالعجز أمام المقاومة الفلسطينية المتصاعدة، وعدم قدرتهم على فرض ردع يوقف العمليات الفدائية اليومية.
المخيف بالنسبة إلى ائتلاف الحكومة الحالية (التحالف ضد شخص نتنياهو) هو تزايد تأييد معسكر اليمين في المجتمع الصهيوني خلال الفترة الحالية، بما يؤدي إلى إمكانية حصول كتلة اليمين على 60 مقعداً +1، ما يعني عودة رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو إلى قيادة الحكومة من جديد.
وما يعزز هذه المخاوف هو التراجع الكبير للائتلاف الحالي الذي تظهره استطلاعات الرأي في “دولة” الاحتلال منذ أكثر من عام، تزامناً مع التوتر الأمني في الضفة المحتلة، إذ لا تعطي الاستطلاعات معسكر الائتلاف الحالي أكثر من 56 مقعداً، فيما تعطي معسكر نتنياهو بين 59 – 61 مقعداً.
وأمام تصاعد المقاومة في الضفة، يرى قادة الائتلاف الحكومي أن آراء الناخبين تتبدل جزئياً لدى شريحة مؤثرة في نتائج الانتخابات (فارق مقعدين إلى 3 مقاعد)، ويرون أيضاً أن تصاعد المقاومة الفلسطينية سيؤدي إلى مواقف أكثر يمينية في المجتمع الصهيوني، بحيث تنعكس تصويتاً لمصلحة نتنياهو، وخصوصاً من المصوتين الموجودين في مستوطنات الضفة المحتلة.
ويترافق الخوف من زيادة التحركات والدعاية التي تقوم بها أحزاب اليمين تجاه الوضع في الضفة الغربية والاتهامات المتسلسلة التي يطلقها نتنياهو بضعف الحكومة الحالية وعدم قدرتها على إدارة الملفات الأمنية والسياسية بشكل مناسب، إضافةً إلى جهود ائتلاف الصهيونية الدينية الذي يقوده المتطرفان بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذان ارتفعت حصتهما في جميع الاستطلاعات الأخيرة من 6 مقاعد إلى 12 مقعداً، نتيجة مواقفهما الأكثر يمينية وتطرفاً تجاه الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية.
منذ تشكيل الحكومة الأخيرة في كيان الاحتلال، لم يتوقف اليمين المتطرف -الذي يساند نتنياهو ويرغب في عودته إلى قيادة الحكومة- عن اتخاذ خطوات ومواقف لإحراج الائتلاف الحكومي الحالي ووضعه في الزاوية تجاه الالتزامات الدينية.
هذا الأمر يفهمه لبيد وغانتس جيداً، إذ إن الاستفزازات الفجة في المسجد الأقصى والانتهاكات الكبيرة التي تغضب الفلسطينيين تأتي في الإطار نفسه، فيما يستغل اليمين هذا التوجه، نظراً إلى أن لبيد وغانتس لا يستطيعان مواجهته، كي لا يخسرا جمهور اليمين وجزءاً من المصوتين لهما.
فترة الشهر الحالي قد تكون حرجة للمستوى السياسي الحالي في كيان الاحتلال، وسط تقديرات في “الجيش” بأنَّ موجة العمليات ستزداد خلال فترة الأعياد التي تسبق الانتخابات، إذ تقدر المؤسسة الأمنية بأن المستوى السياسي سيجد صعوبة في تحمل ضغط الرأي العام في حال وقوع عمليات تؤدي إلى مقتل إسرائيليين. وقد يذهب إلى عملية واسعة في الضفة الغربية، وهو ما قد يؤدي إلى تفجر الأوضاع مع غزة أيضاً.
يخشى المستوى السياسي في كيان الاحتلال حالياً مواجهة عسكرية غير مرغوب فيها مع قطاع غزة، إذ إن تكرار مواجهة عسكرية مشابهة لمعركة “سيف القدس” سيكون قاصماً لظهر الائتلاف الحالي وقادته، فما لم ينقذ نتنياهو عام 2021، لن ينقذ لابيد أو غانتس عام 2022.
في مقابل هذا الأمر، بدأ أطراف الائتلاف الحكومي خطوات استرضاء اليمينيين والمستوطنين في الضفة المحتلة، إذ أبلغ وزير الأمن بيني غانتس قادة المستوطنين بأنه يعتزم المصادقة على مخططات بناء في المستوطنات في الفترة القريبة، وقبل انتخابات الكنيست، وذلك خلال لقائه بهم في اعتصام لهم قبالة منزله، احتجاجاً على عدم انعقاد اجتماع مجلس التخطيط الأعلى التابع لـ”جيش” الاحتلال في آب/أغسطس الماضي للتصديق على مخططات بناء استيطاني إثر ضغوط أميركية.
ويخشى الائتلاف الحكومي الحالي عمليات فدائية كبيرة قبيل الانتخابات بأيام، إذ إنَّ مثل هذه العمليات سيؤدي إلى تغيير محتمل في مزاج الناخب الذي سيزداد حنقاً على القيادة الحالية، وسيتجه إلى خيارات يمينية متطرفة تؤدي إلى تقوية اليمين المتطرف وعودة نتنياهو، فيما يعد ضيق الوقت عاملاً يكبح جماح قيادة الحكومة للذهاب إلى خطوات ذات اعتبارات شخصية لتحسين صورتهم أمام الجمهور.
أمام ما سبق، يمكن أن نلخّص تأثير تصاعد العمليات الفدائية في الاحتلال خلال الفترة الحالية:
– تظهر العمليات الفدائية حال الضّعف لدى المستوى السياسي وعدم قدرته على إدارة الأوضاع في الضفة المحتلة، وأن الخط السياسي الذي تدار به الأوضاع حالياً فاشل بامتياز، إذ إنَّ المغامرة بإعطاء أمل للسلطة الفلسطينية بإمكانية إعادة المفاوضات في مقابل قيامها بدورها الأمني لا يحقق المطلوب.
– استمرار العمليات يفجّر الصراع الداخلي، ويلقي اللوم على الاستفزازات الإسرائيلية في المسجد الأقصى كسبب لتفجّر الأوضاع في الضفة الغربية وفقدان الأمن.
– تضعف العمليات الفدائية قدرة السلطة الفلسطينية على تنفيذ مهام التنسيق الأمني، وسط ضغط شعبي يكون أقوى من الضغوط والرؤية السياسية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. هذا الأمر ينعكس سلباً على القدرات الأمنية للاحتلال في الضفة المحتلة في مواجهة العمليات الفدائية والمقاومين.
– تعدّ الدماء الفلسطينية والانتهاكات ضد الفلسطينيين مادة انتخابية دسمة تتناسب مع الجمهور اليميني والانتخابات الإسرائيلية، إلا أنها لا تعد نقطة انطلاق للعمل المقاوم في الضفة، إذ إن فعل المقاومة ينطلق من البعد الوطني الفلسطيني وبرنامج المقاومة.
– تؤدي العمليات الفدائية إلى حال من عدم الاستقرار الأمني داخل كيان الاحتلال، وتدفع المجتمع الصهيوني إلى وصم قيادته الأمنية والعسكرية بأنهم يدفنون رؤوسهم في الرمال.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً