تباين أميركي ــ روسي حول اليونيفيل ولبنان يحسم موقفه: تمديد بلا تعديل
شكّل الاجتماع الذي عقده رئيسا الجمهورية ميشال عون والحكومة حسّان دياب مع سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ، نقطة مفصليّة في الاتجاه الذي سيسلكه التمديد المتوقّع لعمل القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) نهاية آب المقبل، إذ أطلق الرئيسان موقفاً واضحاً لجهة التمسّك بمهام القوة الدولية المشكّلة بصيغتها الحالية بعد حرب تمّوز 2006 وتبعاً للقرار 1701، بمهامها وعديدها، من دون أي تعديلات تطالب بها إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وتحاول تسويقها في مجلس الأمن.
وكشفت كلمات السفراء مواقف الدول، وحساباتها، فجاءت كلمة السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا، بمثابة تحذير وضغط على لبنان بالقول إن القرار 1701 لا يطبّق من الوجهة اللبنانية، مستخدمةً ذات الرواية الإسرائيلية بشأن عجز القوات الدولية عن دخول «الأملاك الخاصّة»، إذ أشارت إلى أنه «لا يمكننا القول إن التطبيق الكامل لهذا القرار (1701) قد حصل. لذا نحتاج الى النظر في زيادة فاعلية اليونيفيل الى مداها الاقصى، وإذا لم تتمكن من تحقيق ولايتها بالكامل فعلينا أن نطرح الاسئلة حول إذا ما كان عددها الحالي هو الافضل». ولفتت الى أن «الأملاك الخاصة لا يمكن لليونيفيل أن تنفذ اليها، وهذه المسألة يجب أن تعالج بصراحة ومن دون أي تردد».
في مقابل كلام شيا، أيّد السفير الروسي ألكسندر زاسبيكين الموقف اللبناني تأييداً كاملاً، وأبدى استعداد بلاده للتنسيق. وقال إن «المطلوب الاستمرار في مهمة اليونيفيل من دون تغيير في مهماتها، لأن ذلك يتجاوب مع مصالح جميع الاطراف المعنيين، لأنه يخدم الأمن والاستقرار»، مشدداً على «ضرورة وقف الخروقات الاسرائيلية لسيادة لبنان، وتقديم الدعم الدولي للبنان في الظروف الصعبة التي يعيش فيها». وبينما اكتفى السفيران البريطاني كريستوفر ماكسويل رامبلينغ والصيني وانغ كيجيان بمواقف عامة، اعتبر السفير الفرنسي برونو فوشيه أن «منطقة الجنوب هادئة، وهي من أكثر المناطق هدوءاً في الشرق الاوسط، ومهمة اليونيفيل ناجحة بشكل أساسي ونشاطها ثابت».
ويعكس التناقض في المواقف الوجهة التي سيسلكها التمديد في مجلس الأمن، حيث تستعد أميركا لمحاولة فرض تغييرات على مستوى المهام، بينما تقف روسيا وفرنسا في المواجهة، لحسابات مختلفة، حيث تعتبر روسيا، بحسب مصادر دبلوماسية، أن «أي مس بمهمة اليونيفيل يهدّد الاستقرار في الجنوب والمنطقة»، بينما تخشى فرنسا على قواتها في البعثة الدولية.
وجاء اجتماع ، بعد الخرق الذي أقدمت عليه قوات الاحتلال قبل يومين بدخول قوّة معادية من الدبابات إلى أرض لبنانية محتلة في عديسة على مقربة من مستوطنة مسكافعام شمال فلسطين المحتلة، لأول مرة منذ سنوات طويلة، ليأتي الرّد من قبل الجيش اللبناني بتوجيه نيران أسلحته نحو القوات المعادية، ما أثار حفيظة الإعلام الإسرائيلي، الذي اعتبر الأمر «مؤشّراً خطيراً». وبحسب المعلومات، فإن حركة العدوّ تأتي بعد سلسلة الأحداث التي حصلت في الجنوب، لا سيّما حادثة قطع الشريط الشائك قبل نحو شهر، والمحاولات المتكرّرة لمواطنين سودانيين عبور الشريط نحو فلسطين المحتلة، ما يسبّب حالةً من القلق لدى المستوطنين في الشمال الفلسطيني. وتدعّم تلك المعلومات المناورات على مستوى الكتائب التي تحصل ليلاً ونهاراً لرفع الجاهزية، في حركة إعلامية تهدف إلى طمأنة الداخل والاستخدام الدبلوماسي في الضغط على مجلس الأمن لتغيير دور اليونيفيل.
وأكّد عون تمسك لبنان باليونيفيل ودورها الإيجابي، وقال إن «التوجه إلى مجلس الأمن بطلب تمديد المهمة لسنة إضافية، من دون تعديل لولايتها ومفهوم عملياتها وقواعد الاشتباك الخاصة، والاستمرار في القيام بدورها الحيوي حاجة إقليمية لا بل دولية»، مشدداً على أن «تمسكنا بها لا يفوقه سوى تشبثنا بالحريات العامة وبسيادة لبنان التامة». لكنّه أعطى اليونيفيل أكثر ممّا تستحق، بمنحها الفضل في استقرار الجنوب، بينما تثبت الوقائع والدروس التاريخية أن معادلات الردع التي ثبتتها المقاومة بالدماء والقوة العسكرية والشعبية هي السبب الأول للاستقرار.
أما دياب، فتلا موقفاً مطابقاً لموقف عون، معدّداً الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان في المرحلة الأخيرة. وذكّر السفراء الأجانب بأن «مجموع الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية خلال العام 2019 وحده، بلغ 2551 انتهاكاً، وفي العام 2020 فقد بلغ مجموع الانتهاكات 374 في البر و386 في البحر على مدى خمسة أشهر فقط، و250 انتهاكاً في الجو على مدى أربعة أشهر».
وفيما يشتد الضغط الأميركي في الجنوب وعلى الحدود الشرقية مع سوريا، كان من المفترض أن يحل قانون «قيصر» الموجّه ضد سوريا بحزمة عقوبات قاسية على طاولة عمل اللجنة الوزارية المكلّفة بمتابعته أمس، بعد أن ورّطت الحكومة نفسها في نقاشه والخروج بموقف، كان يمكن نقاشه على المستوى السياسي لحماية الحكومة من تداعياته. وأجّلت اللجنة اجتماعها الأول إلى يوم الإثنين، على أن يحضر الاجتماع وزراء المالية والاقتصاد والداخلية والسياحة والدفاع والزراعة والطاقة والصناعة.
الضغط السياسي على الحكومة والجيش والقوى السياسية من بوابة الحاجة إلى دعم صندوق النقد الدولي لمساعدة، ومحاولات الربط بين سلاح المقاومة والانهيار الاقتصادي، يستكمل السبت، في التظاهرة التي يقف خلفها حزبا الكتائب والقوات اللبنانية وبعض المجموعات المشكّلة بعد 17 تشرين، حيث تبرز شعارات معادية للمقاومة ومطالبة بتطبيق القرار الدولي 1559. ودفع العنوان السياسي المشبوه لهذه التظاهرات التي تحمل غطاءً مطلبياً، إلى حصول انقسامات وتباينات بين تلك المجموعات والمجموعات الوطنية الأخرى التي تتحرّك في الشارع بالعناوين المطلبية من دون السير بالأجندة الأميركية والتحريض على سلاح المقاومة. ودعا العديد من الحركات والتجمّعات إلى التظاهر الجمعة تأكيداً لشعارات 17 تشرين، وتثبيتاً للتمايز عن المجموعات المنبثقة من رحم 14 آذار وتتخّذ من التحركات المطلبية عنواناً لتغيير الوجهة السياسية للبلاد.
وفيما تتخبّط البلاد في أزماتها المتراكمة، اندلع سجال بين رئاسة الجمهورية وكتلة المستقبل النيابية، حول صلاحيات رئاسة الحكومة. وأصدر المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية بياناً، أمس، أكّد فيه أن «مجلس الوزراء يمارس دوره وفقاً للصلاحيات المحددة له من دون زيادة أو نقصان. (…) ما يقال غير ذلك هو محض افتراء». وأكد البيان أن «رئيس الجمهورية الذي نادى في خطاب القسم بضرورة تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني بكاملها من دون انتقائية أو استنسابية، متمسك بهذه الوثيقة». في المقابل، ردّت كتلة المستقبل النيابية مستغربة أن «تنبري دوائر القصر للدفاع عن مقام مجلس الوزراء وتفنيد الانتقادات التي توجه اليه، فيما تلتزم دوائر رئاسة الحكومة الصمت».
صحيفة الاخبار اللبنانية