تباين روسي – ايراني حول سوريا … هل يشعل المنطقة؟ (عباس ضاهر)
عباس ضاهر
لم يكن تصريح نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف حول سوريا زلة لسان ولا سوء تعبير أو تفسير، حتى أن التوضيح أو نفي وزارة الخارجية الروسية لما "نُسب" لبوغدانوف جاء بعد نشر الصحافة الروسية الخبر بأكثر من أربع وعشرين ساعة، بينما جاء توضيح بوغدانوف نفسه بعد ثمان وأربعين ساعة.
في الأروقة الدبلوماسية الدولية يتحدثون عن حُسن علاقة بوغدانوف مع الاميركيين، علماَ أن بوغدانوف شذّ مرات عدة عن الإلتزام الروسي المعلن مع دمشق في مقاربة الأزمة السورية، فصححت موسكو "أخطاء" نائب وزير الخارجية، لكنها لم تردعه عن تكرار تلك التصريحات.
إلتزمت روسيا دعم سوريا بقوة، من فيتوات مجلس الأمن إلى صد المشاريع العسكرية الغربية والتسليح والمساعدة الإستخباراتية والنصيحة السياسية…. حتى أصبح الطريق الدولي إلى دمشق يمر بموسكو. لكن الروس مارسوا هذه السياسة حفاظاَ على مصالحهم لا حباَ بالنظام السوري.
على خط واشنطن – موسكو حاك بوغدانوف وآخرون، منذ بداية الأزمة، اتفاقات لضبط الأزمة السورية ورسموا خطوطاَ حمراء لحفظ مواقع تمتد من دمشق إلى دول الجوار، باتجاه مصالح إقليمية مشتركة.
وجاء اتفاق جنيف ليتوج المقاربة الأميركية – الروسية، لكن الأميركيين ناوروا مع الروس بشأن طبيعة المرحلة الانتقالية في سوريا: واشنطن تريد المرحلة المذكورة بدون الرئيس بشار الأسد وموسكو تقول إن هذا الشرط غير قابل للتنفيذ إلا من خلال اتفاق سوري – سوري، يُترجم إما بالحوار وإما بالانتخابات.
توالت الأحداث السورية ولبّى خلالها السوريون تمنيات الروس، لكن الأمور توسعت حتى وصلت إلى دمشق أخبار عن استعداد موسكو للسير باقتراح يقوم على أساس عدم ترشح الأسد لانتخابات عام 2014، وذلك من خلال تظهير عدم رغبته (الأسد) شخصياَ بالترشح، إضافة إلى توسيع صلاحيات مجلس الوزراء وحفظ حصة النظام في الرئاسة والجيش والحكومة والمؤسسات (اتفاق طائف سوري).
رفضت دمشق هذا الطرح، كما أصر الإيرانيون على أن تكون المرحلة السورية الجديدة بوجود الأسد، مع الحفاظ على حقه بالترشح للانتخابات المقبلة. ومن هنا رصد المطلعون تبايناً إيرانياَ – سورياَ من جهة مع حلفائهم الروس، علماَ أن طهران فتحت باب التفاوض مع الأميركيين بعيداَ عن موسكو حول مواضيع "نووية – إقليمية – دولية".
ورأى المطلعون أن التباين حصل حول عناوين ميدانية سورية في قضايا المواجهة، فلم يسمح الروس للسوريين برفع مستوى المواجهة ضد المسلحين في شمال سوريا مثلاَ، التزاماَ باتفاق موسكو مع واشنطن حول مستوى المعركة وعدم استفزاز الأتراك، ما يمنع أيضاَ المسلحين بالمقابل من قصف مواقع حساسة في قلب العاصمة كالقصر الرئاسي الذي يبعد عشرين كيلومتراَ عن مكان تمركز المسلحين في ريف دمشق، علما أن صواريخ حصل عليها المسلحون قادرة على الوصول الى اربعين كيلومتراَ.
جاء موقف بوغدانوف وقبله وصلت إلى دمشق إشارات روسية، مرت بطهران وحملت معها امتعاض الروس من الرد السوري، فأرسلت دمشق الى موسكو الوزير قدري جميل – صديق الروس، يرافقه في الشكل وفد من جبهته السياسية. ومن روسيا تحدث بعد لقائه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونائبه بوغدانوف عن عدم لمسه أي تغيير في الموقف الروسي، تبعه التوضيح الروسي على مرحلتين، بينما كان مطلعون يتحدثون عن استعداد سوريا لتوسيع المعركة نحو دول الجوار في حال الإصرار الروسي على التفاهم الآحادي مع الأميركيين وإجبار دمشق على سلوك الخيارات الروسية. ويستند هؤلاء المطلعون الى حديث الإيرانيين يومياَ عن اشتعال المنطقة إذا تأزم الوضع السوري أكثر.
فماذا يعني ذلك؟ هل رفع المحظور عن استعمال الأسلحة الثقيلة والصواريخ وصولاَ الى استخدام أسلحة بيولوجية…؟ وهل يصل التصعيد إلى تهديد بعض دول الجوار؟
بالمقابل، كانت الصورة تختصر عند المعارضة السورية بجملة إشارات: الائتلاف المعارض طلب من الأميركيين فرصة أسبوعين واعداَ بالنصر، لكن معارضين لا ينتمون للائتلاف يجزمون أن مطلب الائتلاف يتوزع باتجاهين، ضمان الحصول على الأموال الموعودة التي تصل إلى 600 مليون دولار، و مماطلة بسبب عجز "الجيش الحر" عن إبعاد "جبهة النصرة" عن الواجهة السورية، كما كان طلب الأميركيون.
لكن مطلعين يرون ان استمهال المعارضة سببه سعي "الجيش الحر" للسيطرة على مرفق حيوي كمطار دمشق أو إثارة بلبلة جديدة توظف في الإعلام ضد النظام السوري. ومن هنا أتت أحداث مخيم اليرموك. ويرى المطلعون أنفسهم أيضاً أن دولاً عربية طلبت من المعارضة تقديم الوعود للأميركيين الآن والاستمهال لرفض تلك الدول تسوية لم تقدم تباشيرها ثمناً بسيطاً لأي عاصمة عربية.
زحمة المعطيات تؤكد أن الأزمة مفتوحة على خيارات عدة. لكن روسيا ملزمة بمتابعة السير إلى جانب دمشق، كي لا تخسر حليفين من دون أن تكسب بديلاَ، إضافة الى خوفها من توسع المد الأصولي في المشهد السوري من جهة، والتحدي الذي تواجهه موسكو من الحدود السورية الى الحدود الروسية وما بينهما تركيا ودول تتجه أكثر نحو أسلمة الأنظمة، إضافة إلى انفتاح الأميركيين والإيرانيين على مفاوضات موعودة، تُغني عن دور موسكو.
في جميع الأحوال التفاوض بدأ، فهل يُثمر؟ ومتى؟ خصوصاً أن توقيت حديث نائب الرئيس السوري فاروق الشرع ليس بريئاً، بعد مضي أشهر طويلة على صمت الشرع، رغم ترويج المعارضة في وقت سابق لإنشقاقه. فهل طلب الأسد من نائبه الحديث الآن عن عناوين تشكل صلب التسوية المقترحة؟ علماً أن أبرز ما ورد في جوهر طرح الشرع الحديث عن توسيع صلاحيات الحكومة- وهو صلب ما يطرح دولياَ- إضافة إلى تأكيده أن الخسائر لا يتكبدها فريق بقدر ما تؤدي إلى تدمير سوريا- وهذا تسويق للتسوية- كما أن الشرع ربط الحل بما سماه تسوية تاريخية تقوم على إتفاق دولي – إقليمي… وهو ما يجري بإنتظار الإتفاق على تفاصيل بين الحلفاء أنفسهم أولاً والخصوم ثانياً.
موقع الالكترونية اللبنانية