تحليلات سياسيةسلايد

تحشيد متسارع في حلب | دمشق – «قسد»: حافة الصدام أقرب

تتقدّم التحشيدات بين دمشق و«قسد» في ريف حلب نحو حافة الصدام، وسط مساعٍ إقليمية ودولية متسارعة لمنع اندلاع مواجهة عسكرية شاملة.

 

تتواصل عمليات التحشيد العسكري بين قوات الحكومة الانتقالية و«قوات سوريا الديمقراطية» في محيط دير حافر وسدّ تشرين في ريف حلب الشمالي الشرقي، وسط مناوشات شبه يومية، وإغلاق للطرق المؤدّية إلى حيّي الشيخ مقصود والأشرفية، وأعمال تحصين وبناء دشم ومتاريس. ويتزامن ذلك مع مساعٍ دبلوماسية إقليمية ودولية تهدف إلى منع الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بين الطرفين، والعودة إلى مسار اتفاق العاشر من آذار الموقّع بين الرئيس السوري أحمد الشرع، والقائد العام لـ«قسد» مظلوم عبدي.

وأعلنت «قسد» أنّ قواتها المنتشرة في بلدة دير حافر، تمكّنت من صدّ ثلاث محاولات تسلّل وصفتها بـ«الاستفزازية المتكرّرة»، نفذّتها فصائل تابعة لوزارة الدفاع الانتقالية، مانعة تلك الفصائل من التقدّم نحو مناطق سيطرتها. وفي المقابل، أقدم عناصر من وزارة الدفاع الانتقالية على إغلاق المعبر الذي يربط محافظتَي الرقة والحسكة بالعاصمة دمشق وبقية المحافظات عند نقطة الطبقة – توازياً مع قصف أحد الأهداف على طريق موازٍ يُستخدم للتهريب -، قبل أن يُعاد فتح المعبر مع مرور نحو ست ساعات من الإغلاق.

وإثر استقدام الوزارة تعزيزاتٍ إلى خطوط التّماس مع «قسد» في ريف حلب، دفعت الأخيرة بدورها بتعزيزات ضخمة من دير الزور والرقة وحلب، إلى محاور سدّ تشرين ودير حافر، ملوّحةً، عبر مقاطع مصوّرة، بشنّ هجوم شامل على مواقع الحكومة في حال تعرّضت قواتها لأيّ اعتداء.

وبالتوازي، كثّفت «قسد» عملياتها المشتركة مع «التحالف الدولي» ضدّ خلايا تنظيم «داعش»، وذلك عبر حملات في الحسكة وريف دير الزور والرقة والطبقة وعين عيسى، أعقبت تصاعد نشاط التنظيم في سوريا. وأكّد مسؤول المكتب الإعلامي في «قسد»، فرهاد الشامي، أنّ ««قسد» و»التحالف الدولي» يعملان سويّاً بشكل أكبر، ولديهما برامج مشاريع أعتقد أنها ستمتدّ لسنوات»، لافتاً إلى «وجود مقاتلين من مختلف المكوّنات والمذاهب ضمن صفوف «قسد» تثبت أنّها قوات وطنية جامعة» (في ما بدا تعليقاً على انتشار مقطع مصوّر يُظهر مقاتلين علويين ضمن التعزيزات المتّجهة إلى دير الزور).

ومع تصاعد التوتّر الإعلامي والميداني بين الطرفين، بدأت تتكثّف الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى احتواء التصعيد والعودة إلى تفعيل اتفاق العاشر من آذار. وفي هذا السياق، أفادت وسائل إعلام كردية بأنّ عبدي يزور أربيل، للقاء قادتها وبحث ملفّ التسوية مع دمشق وأنقرة بدعمٍ من حكومة كردستان العراق. كما زارت الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في «الإدارة الذاتية» لشمال وشرق سوريا، إلهام أحمد، برفقة وفدٍ من «مجلس سوريا الديمقراطية» (مسد)، كلّاً من بريطانيا والسعودية، حيث عقدت لقاءات مع مسؤولين هناك لبحث خفض التصعيد مع دمشق وإحياء المفاوضات.

ودافعت أحمد، بأنّ ««الإدارة الذاتية» ليست كردية»، مدافعةً بأنّ المباحثات مع الحكومة الانتقالية «تعثّرت عند ملفّ دير الزور»، مشيرة إلى أنها شاركت في «عدّة لقاءات مع الجهات الأمنية»، لكنّ أيّاً منها لم يُفلح في «تذويب الخلافات». كما طالبت بـ«إنهاء النزاعات والحروب»، لكنها أضافت أنّ «الإدارة في دمشق لا تزال تلعب على عامل الزمن».

بدورها، كشفت رئيسة وفد «الذاتية» للتفاوض مع الحكومة السورية، فوزة يوسف، عن «عقد لقاءين رسميّين فقط بعد اتفاق العاشر من آذار، من دون إحراز نتائج ملموسة»، مشيرة إلى (أننا) «أبدينا استعدادنا لمواصلة اللقاءات وشكّلنا اللجان اللازمة، وأوضحنا أنّ مكان الاجتماعات ليس المشكلة، بل الأهمّ هو وجود قوى دولية كجهة ثالثة لضمان جدّية الحوار ومنع تبادل الاتّهامات بين الطرفين»، مضيفة «وفد الذاتية اقترح البدء بالملفات الأقل حساسية مثل التعليم والمعابر لبناء الثقة، قبل الانتقال إلى الملفات الكبرى».

لكنّ دمشق أصرّت، بحسبها، على «بدء التفاوض من الملفات الأمنيّة والعسكرية»، وسعت «إلى إدخال قواتها إلى المنطقة لتولّي إدارة هذين الملفين»، معتبرةً أنّ هذه القضايا، إلى جانب التعليم، «يجب أن تكون ضمن نظام لا مركزي يضمن حقوق جميع السوريين». وفي المقابل، حمّل المستشار في الرئاسة السورية، أحمد زيدان، «قسد» مسؤولية تعطيل اتفاق العاشر من آذار، متّهماً إيّاها بـ«نهب خيرات سوريا في الشمال الشرقي»، لافتاً إلى أنّ الشرع «يضع كل الخيارات على الطاولة، ومن ضمنها الحلّ العسكري لإجبار الأكراد على الالتزام بالاتفاق». وفيما من المقرّر أن يزور وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية، أسعد الشيباني، تركيا، الأربعاء المقبل، تتزايد التوقّعات بأن يبحث هناك إمكانية إطلاق عملية عسكرية سورية تركية ضدّ «قسد» في ريف حلب، للضغط عليها لتطبيق الاتفاق.

وإزاء ما تقدّم، يؤكّد مصدر مطّلع، في حديثه إلى «الأخبار»، أنّ «دمشق تعمل على استكمال تعزيزاتها لإطلاق عملية عسكرية ضدّ «قسد»، بعد فشل عقد جولة جديدة من المفاوضات»، لافتاً إلى أنّ «الحكومة تصرّ على حلّ «قسد» و»الذاتية»، واندماجهما بالحكومة قبل تطبيق بنود أخرى». وإذ يرجّح أنّ «أنقرة هي من تدفع دمشق إلى التمسّك بهذا المطلب غير المنطقي بالنسبة إلى «قسد» التي ترى أنّ الاندماج لا يعني أبداً حلّ القوات والمؤسّسات»، فهو يؤكّد أنّ «أنقرة تريد من دمشق أن تستخدم العصا مع «قسد» عبر الذهاب إلى عملية عسكرية للسيطرة على مناطق ريف حلب، التي تقدّمت إليها الأخيرة بعد سقوط النظام في دير حافر ومسكنة، وصولاً إلى مشارف الطبقة».

وفيما نقلت وسائل إعلامية عن مصادر في وزارة الخارجية الفرنسية أنّ «باريس تتمسّك باستمرار التفاوض» بين الطرفين، مؤكّدةً «دعمها للمسار التفاوضي وصولاً إلى دمج «قسد» في القوات المسلحة السورية مع ضمان الحقوق الكردية دستورياً»، وأنّ «المساعي تتركّز حالياً على نقل المفاوضات إلى دولة عربية لم يتمّ تحديدها بعد»، يؤكّد المصدر وجود هذه المساعي الفرنسية، كاشفاً عن «اقتراح الرياض أو الدوحة أو بغداد أو أربيل، لعقد جولة جديدة من المفاوضات». ويتوقّّع المصدر أن «تثمر الجهود الدبلوماسية عقد الجولة الجديدة، مع الضغط على الطرفين لتقديم تنازلات تؤدّي إلى نتائج واضحة»، مرجّحاً أن «تعقد اجتماعات تمهيدية للجولة، بهدف الاستعداد الجيّد لها والخروج بنتائج إيجابية منها».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى