ترامب غاضب وحلفاؤه يتسرّبون منه بالتدريج.. سر زيارة بومبيو القاسية “لا الضفة ولا كورونا”: إسرائيل بعد المانيا وبريطانيا بمشاريع طموحة مع الصين
من الصعب تمرير زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الخاطفة وغير الآبهة في الحظر الجوي المتعلق بتفشي وباء كورونا المستجد، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحليفه الجديد الجنرال بيني غانتس، دون التوقف عند ما يبدو أكثر ما يهم واشنطن وهو “الاستثمارات الصينية”.
هذا ملف يعرف المراقب جيدا ان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعمل جاهدة على افشاله وتستخدم معه الابتزاز السياسي مع كل حلفائها: هذا ما حصل مع بريطانيا وألمانيا وها هو اليوم يطارد الحليف الأهم في إسرائيل.
ترامب نفسه كان قد عبر عن غضبه في مكالمة هاتفية مع نتنياهو قبل زيارة بومبيو بأيام، وهو ما جنح الاخير ايضا لذكره والتعبير عن مخاوف واشنطن حياله، كما يبدو انه نقل رسالة صارمة لرئيس الوزراء الاسرائيلي حتى يقرر نتنياهو وفق صحيفة فاينينشال تايمز مباشرة انه سيفرض المزيد من الإجراءات التحقُّقية والقيود على المشاريع وتحديدا محطة تحلية المياه التي يفترض أن تكون الكبرى في العالم.
ووفق الإعلام الاسرائيلي، فمن المتوقع أن تكون منشأة تحلية المياه المسماة “شورك 2” الكبرى من نوعها في العالم، وستكون قادرة على إنتاج 200 مليون قدم مكعب من المياه المحلاة سنويًا، وتزويد حوالي 25٪ من استهلاك إسرائيل للمياه. وتبلغ تكلفة المشروع أكثر من 5 مليارات شيكل (1.5 مليار دولار)، وستقوم الشركة التي ستفوز بالمناقصة، ببناء المنشأة وتشغيلها لمدة 25 عامًا.
طبعا الحال مع الإسرائيليين لا يتضمن فقط شركة تحلية، وانما يتضمن عدة مشاريع من ضمنها تطوير رصيف في ميناء حيفا يصر الامريكيون على انه ينتهك خصوصية الاسطول السادس الأمريكي الذي يرسو هناك بصورة متكررة. هذه ادعاءات فندتها بدبلوماسية الباحثة في برنامج إسرائيل-الصين في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي غاليا لافي وفق ما نقلته مجلة “ذي اتلانتك”، وهي تقول “الشركة الصينية متعاقدة لتشغيل رصيف واحد فقط من ميناء حيفا – وهي لا تقرض المال لإسرائيل، ولن يستضيف المرسى المعني الأسطول السادس أو أي أسطول؛ القاعدة البحرية تفعل ذلك.”
تضيف لافي وفق اتلانتك وبعد زيارتها للميناء “لا يمكنك رؤية القاعدة البحرية من الرصيف الذي ستعمل به الشركة الصينية، حتى لو كان لديك مناظير، حتى لو صعدت على اعلى المبنى”.
هنا فعلا يمكن ان يتضح جانب من الرؤية بكون الأمريكيين اليوم لا يخشون فقط من التمدد الصيني في مناطق نفوذهم، ولكنهم اكثر من ذلك عاجزين عن تقديم البدائل لما تقوم بكين بتقديمه لدول تعتبرها واشنطن حليفة، وهنا قد يظهر بجلاء مشروع اردني أيضا هو مشروع العطارات الذي يفترض ان يستخرج الصخر الزيتي خلال الشهر الحالي في حين لا يزال يواجه معيقات متعددة اثر ضغوطات أمريكية لا تقدّم أي نوع من الحلول البديلة.
إدارة ترامب عمليا تحاول جهدها وقف مختلف المشاريع مع الصين، وتعتبر منذ عام 2017 (في استراتيجيتها للامن القومي) بكين ضمن “منافسيها الاستراتيجيين” (إلى جانب روسيا). وبينما تشير واشنطن صراحة إلى مخاوفها لكون بكين “متورطة في سرقة ملكيات فكرية، وممارسات تجارية غير عادلة وتجسس صناعي”، إلا انها بالمطلق تخشى من فقدان سيطرتها على العالم وتحديدا في مناطق تابعة لها بالنفوذ في الشرق الأوسط وأوروبا.
في هذا السياق يمكن فهم رسائل بومبيو القاسية التي يرسلها هو ورجال الخارجية الامريكية (السفير الأمريكي في المانيا مثال صارخ على رسائل فظة في السياق) ضد أي شراكات مع الصين، وفي الحالات الثلاث السابقة لا يبدو الامر خوفا حقيقيا من “هيمنة” كما حصل مع سيريلانكا، التي لم تستطع سداد قرض صيني لتطوير ميناء وانتهى بها الأمر بتسليمه إلى الصين بموجب عقد إيجار لمدة 99 عامًا، بل على العكس مع بريطانيا وألمانيا وإسرائيل يبدو الخوف الأمريكي الحقيقي من استبدال واشنطن ببكين من قبل حلفاء الأولى، بعد تعاملات تجارية قد تبدو اكثر نجاعة وازدهارا من نظيرتها مع الامريكان.
هنا يبدو من المفيد تذكر ان برلين عانت لمدة أربعة سنوات اليوم (منذ تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئاسة البيت الأبيض) من مطالبات متعددة تقدمها واشنطن وتطلب منها الامتثال لها وإلا تفتح عليها كل جبهات الابتزاز، اهم الملفات التي ارادت واشنطن اغلاقها هي ملف شبكات الجيل الخامس مع شركة هواوي، وهو ملف تماطل فيه برلين بصورة تشابه حاليا ما يبدو ان الإسرائيليين يتجهون اليه، خاصة وان المطالبات الامريكية للاخيرين تعود لعام 2018، وقد قدم نتنياهو للامريكيين “حلّا وسطا” اعتبر انه قد يكون مفيدا حين شكل لجنة استشارية لتبحث جزءا من المشاريع الصينية وعلاقتها بالامن القومي.
اللجنة وفق صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، لا تلزم الجهات التنفيذية وسلطتها متواضعة، علاوة على انها بلا أي سلطة على استثمار الصين الكبير في قطاع التكنولوجيا الاسرائيلية، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى الإضرار “بمحرك أساسي” للاقتصاد الإسرائيلي. هنا تحاول الصحيفة الناطقة بالانجليزية جاهدة ان تذكر ان الإسرائيليين منعوا عمليات استحواذ أثارت مخاوف بشأن الأمن القومي، حيث أوقف مفوض أسواق المال الإسرائيلية ثلاث عمليات استحواذ مرتبطة بالصين (في الأعوام بين 2016-2018) لشركة التأمين الإسرائيلية “العنقاء القابضة- فينيكس هولدينغز” التي تدير معاشات معظم مؤسسات الأمن الإسرائيلية، ولديها معلومات يمكن تصنيفها بالحساسة.
كل احتياطات الإسرائيليين بالمعنى التنافسي الصيني الامريكي لا تغري واشنطن ولا تطمئنها، ولا تفعل ذلك عمليا أي محاولات إسرائيلية في المماطلة في هذا السياق، الامر الذي قد ينطوي لاحقا على تنازل حكومة نتنياهو عن احد العقود او عدد منها كما حصل مع الإسرائيليين انفسهم في تسعينيات القرن الماضي حين اجبروا على الغاء عقد موقّع لبيع طائرات تجسس Phalcon إلى الصين بعد ضغوط أمريكية.
ضغوط إضافية اليوم، تعني ببساطة اما تعطّل صفقة القرن او رفض ضم الضفة الغربية او حتى رفع الغطاء الأمريكي عن نتنياهو الذي يصر مراقبون على انه لو لم يحصل عليه لما استطاع الاستمرار بعد عام من الجمود السياسي في السياسة الإسرائيلية.
عدم اتخاذه القرار فيما يتعلق بالملف الصيني قد يكون تسبب جزئيا فعلا في ارجاء اليمين الحكومي في الكنيست والذي كان من المفترض ان يحصل الخميس. كما يمكن ملاحظة الكثير من الاعتراضات الإسرائيلية التي بدأت بالتزايد بين الإسرائيليين على شكل الحكومة الضخم وتوزيع الحقائب الوزارية، وهو امر في الغالب لا تحوزه أي حكومة إسرائيلية بهذه الكثافة.
المانيا شهدت ابتزازات كثيرة من واشنطن في سياق مشاريع صينية وروسية ولاحقا إيرانية ومتعلقة بحزب الله، فقررت برلين تقديم “حزب الله” ككبش فداء بحظرها إياه لتصمت واشنطن وتوقف ابتزازها المتواصل.
الامر لدى الإسرائيليين مختلف، وعلى الاغلب سيضطر نتنياهو التخلي اما عن احد مشروعاته الطموحة او عن بقائه في سدة السياسة الإسرائيلية وهنا على الاغلب ورغم ما تقوله الصحف الإسرائيلية عن ضرورة الموازنة ومراعاة المخاوف الامريكية، فواشنطن لن تقنع بالقليل ابدا.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية