ترامب يتحرّش بإيران للتّغطية على فشَلِهِ داخليًّا وخارجيًّا فهل “يُقامِر” بمُواجهةٍ عسكريّةٍ معها في مِنطَقة الخليج وبحر عُمان؟
يعيش الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب حالةً من الارتِباك نتيجة فشَلِه على أكثر من صعيدٍ داخليًّا وخارجيًّا، فإدارته أثبتت عجزَها أمام أزَمة انتِشار وباء كورونا التي بلغ عدد ضحاياها ما يَقرُب من الخمسين ألف قتيل حتى الآن، وجاء انهِيار أسعار النّفط الصخريّ إلى ما دُون الصّفر ليُشَكِّل ضربةً قويّةً للاقتِصاد الأمريكيّ، واحتِمال إفلاس أكثر من 1500 شركة كُبرى، وانضِمام خمسين مِليون عاطل إلى طوابير البِطالة.
للتّغطية على هذا الفشل، ومُحاولة الخُروج من هذه العُزلة الدوليّة، وصُعود نجم الصين كقُوّةٍ عُظمى بديلة، من غير المُستبعد أن “يُقامر” ترامب بإشعال فتيل حرب مع إيران، التي تخرج من الأزمة الاقتصاديّة العالميّة والنفطيّة الحاليّة الأقل تضرُّرًا والأكثر قوّةً، فليس لديها الكثير من النّفط لكي تُصدّره بسب الحِصار المفروض عليها، واقتَربت من السّيطرة على انتِشار فيروس الكورونا فيها، والأخطَر من ذلك نجاحها المُفاجئ في إطلاق أوّل قمر صناعيّ عسكريّ “نورا” بعد مُحاولاتٍ عدّة، في تأكيدٍ إضافيٍّ على قُدرتها الصاروخيّة الباليستيّة المُتطوّرة.
التوتّر بدأ في التّصاعد عندما أعلن الرئيس ترامب بأنّه أمَر قوّات بلاده البحريّة بإطلاق النّار وتدمير أيّ سُفن أو زوارق إيرانيّة تتحرّش بها في مِنطقة الخليج، في إشارةٍ إلى أنباءٍ باقتِراب 11 زورقًا إيرانيًّا بشَكلٍ خطيرٍ مِن السّفن الأمريكيّة في المِنطَقة قبل أسبوع.
اللواء حسن سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني ردّ بقوّةٍ على هذه التّهديدات الأمريكيّة الاستفزازيّة عِندما هدّد بأنّ قوّات بلاده البحريّة ستُدمِّر أيّ سُفن أمريكيّة تُعَرِّض مصالح بلاده في الخليج للخطر، وقال في لهجةٍ غير مسبوقة “أقول للأمريكيين وبمُنتهى الجديّة، أنّنا عازِمون على الدّفاع عن أمننا الوطنيّ، وحُدودنا البحريّة وسلامة سُفننا، وسنَرُد بحسمٍ على أيّ عمل تخريبيّ”.
الإيرانيّون مُحقِّون في موقفهم، سواءً الشّق المُتعلِّق بالرّد على التّهديدات الأمريكيّة بتدمير سُفنهم في الخليج، أو الآخر الذي ورد على لِسان مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكيّ، وتوعّد فيه بتدفيع إيران ثمنًا باهِظًا لإطلاقها هذا القمر الصناعيّ الذي يرى أنّه يُشَكِّل انتهاكًا لقرارات مجلس الأمن الدولي، فماذا تفعل السّفن والأساطيل الأمريكيّة في مِنطقة الخليج التي تَبعُد عن أراضيها بأكثَر من عشرة آلاف كيلومتر، ومتى كان الفضاء مُلكًا للولايات المتحدة مُسَجَّلًا باسمها، بحيثُ تعترض على إطلاق قمر صناعي، إيرانيًّا كان أو مِن أيّ جنسيّة أخرى؟
الأمريكان تحرّشوا عسكريًّا بالإيرانيين مرّتين، ودَفعوا ثمنًا غاليًا، الأوّل عندما اخترقت طائرتهم الجاسوسيّة المسيّرة “غلوبال هوك” الأجواء الإيرانيّة فوق مضيق هرمز لبِضعة كيلومترات وجرى إسقاطها فورًا، والاستِيلاء على معدّاتها وأجهزتها وأسرارها قبل ستّة أشهر، والثّانية عندما أرسلت القِيادة العسكريّة الأمريكيّة طائرةً أُخرى مسيرة لاغتِيال القائدين قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، وأبو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي، فخَسِرت مُعظم قواعدها العسكريّة في العِراق، وقصف الأكبر منها في عين الأسد (الأنبار)، والتاجي (شمال بغداد)، و(K1) في كركوك، والأهم من ذلك خسارة نُفوذها الذي كلّفها 6 تريليونات دولار، وعمليّات الثّأر والانتِقام لم تكتمل بعد.
من المُستَبعد أن تقف القوّات البحريّة الإيرانيّة مكتوفة الأيدي في مُواجهة أيّ استِفزاز أمريكيّ، وسيرتكب ترامب “حماقةً كُبرى” إذا ما حاول اختِبار القوّة الإيرانيّة مرّةً أخرى خاصّةً أنّه يجب أن يعرف جيّدًا أنّ حِصاره فشَل وانسِحابه من الاتّفاق النوويّ أعطى نتائج عكسيّةً، وليس هُناك لإيران ما يُمكن أن تخسره، وهذا هو المُرجَّح.
إيران تُحارب في ملعبها الإقليميّ، وتملك مِئات وربّما آلاف الزوارق البحريّة الصغيرة “الاستشهاديّة” التي لا ترصدها الرّادارات، علاوةً على غوّاصات، وسُفن وقوارب مسلّحة متوسّطة، ومنظومات صواريخ دقيقة ومتطوّرة، باليستيّة ومُجنّحة من طِراز “كروز” جرى اختِبارها بشَكلٍ غير مُباشر في أكثر من مكانٍ في الجزيرة العربيّة.
صحيح أنّ أمريكا دولة عُظمى تملك حاملات الطّائرات والصّواريخ، ولكن فيروس كورونا أثبت أنّ مِقياس القوّة والعُظمى هذه الأيّام ليس بهذه الحامِلات ولا بعدد الرؤوس النوويّة، ثمّ لماذا تخسر أمريكا الآلاف من جُنودها وسُفنها بسبب هذا الرّئيس الأحمق الفاشِل، ومِن أجل التّغطية على فشَلهِ داخليًّا وخارجيًّا؟
صحيفة رأي اليوم الالكترونية