افتتاحية الموقع

ترامب يوقف حرب ال 3000 سنة بفن “الصفقة” مع حماس. وبـ “الصدمة” مع نتنياهو!

د. فؤاد شربجي

مهما كان موقفكم من ترامب سيسجل له التاريخ انه أوقف الحرب في غزة. ومهما كان رأيكم بأسلوبه السياسي فقد استطاع جر الجميع لتنفيذ الخطة التي اقترحها حول غزة. وفي هذا الإنجاز يقدم ترامب برهانا جديدا على طبيعة “السلوك السياسي” الذي يكرسه في العالم. سلوك يعتمد “فن الصفقة” بما فيها من رفع للسعر وتراجع لتحقيق البيع. كما يعتمد على “القوة الجحيمية” بكل ما تحمله من موت ودمار وإبادة وفناء. والهدف – المفارقة أنه يريد من كل ذلك تكريس شخصيته كـ “صانع سلام” يستحق جائزة نوبل!
‏الجمعة منتصف الليل أعلنت حماس موافقتها على بعض بنود خطة ترامب الأساسية (إعادة الرهائن جميعا. والقبول بحكم غزة من تكنوقراط فلسطينيين). ودعت الحركة إلى التفاوض حول القضايا الأخرى. أي أنها قدمت ثلاثة ارباع الموافقة.  وبعد ربع ساعة جاء رد ترامب إيجابيا معتبرا أن حماس (وافقت على الخطة) وبإعلانه هذا (ألبس حماس ثوب الموافقة الكاملة) وأردف بعبارة (أنهم يريدون السلام). أي أنهم سينفذون جميع بنود الخطة وليس إعادة الرهائن فقط. وأوضح أن هناك بالفعل بعض التفاصيل تحتاج إلى مفاوضات. وبناء على ذلك طالب وطلب من إسرائيل وقف إطلاق النار فورا ليتسنى إخراج الرهائن بسرعة. حماس تعامل ترامب معها بأسلوب “فن الصفقة” بأن التقط عبارة الموافقة على إطلاقها الرهائن وعممها على الموقف كله ليكون موافقة على الخطة كلها.  لعبة تاجر قوي مع متعامل محشور محصور ومكسور.
رد حماس الذي تمسك بدور لها مع باقي الفصائل في تقرير مصير الشعب الفلسطيني، والذي تجاهل (تسليم السلاح والتخلي عن عقيدة المقاومة)، هذا الرد كان كافيا لنتنياهو ليعتبر موقف حماس (رفض لخطه ترامب)، وبالتالي الاستمرار بالحرب. وبينما كان نتنياهو وأعضاء مكتبه يتحضرون ويستعدون للتشاور والتنسيق مع ترامب حول طبيعة الرد اللازم على رفض حماس جاء اعلان الرئيس الأمريكي بوقف القتال لأن حماس وافقت ولأنها تريد السلام. فسرب مكتب نتنياهو لاكسيوس أنه (فوجئ) بموقف ترامب. و(فوجئ) هنا كلمة دبلوماسية تتضمن (استغرب. استهجن. استنكر. غضب.) لكنه لا يستطيع أبدا أن يقول ذلك بوضوح أمام الرئيس الأمريكي. وترامب الذي يستخدم أسلوب “الصفقة” بإلباس حماس ثوب الموافقة الكاملة على خطته استخدم أسلوبية “الصدمة” في حشر نتنياهو في زاوية وقف إطلاق النار ووقف الحرب. وبالفعل أعلن مكتب نتنياهو صباح السبت أن الجيش الإسرائيلي يستعد لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب، مشددا أن إسرائيل ستستمر بالعمل مع الرئيس الأمريكي وفقا للنقاط الخمسة الإسرائيلية. وهي عبارات أيضا لحفظ الوجه ولا تهم ترامب في شيء. ما يهمه البدء بالتنفيذ ووقف اطلاق النار ووقف الحرب.
‏يحق الآن لترامب أن يصرخ (نجحت خطتي. أوقفت الحرب. وأنهيت صراع الـ 3000 سنة) ولمن يسأل من أين جاء بالثلاثة آلاف سنة هذه عليه أن يتذكر ترامب أثناء إعلان خطته عندما قال إنه سأل أحدهم: كم عمر هذا الصراع؟ فأجابه أحدهم هذا 3000 سنة. ترامب رأى ان الرقم يرفع من قيمة إنجازه فتمسك به، وتعلق بأهدابه، وراح يردد أنه ينهي صراع الثلاث آلاف سنة. عقلية التاجر في تضخيم منافع وميزات ما يبيعه ومهما قيل فإن الخبراء بخبايا الأمور يؤكدون أن كل ما جرى ويجري لم يكن عفويا أو بسيطا، بل هو عملية تفاعل نشطة جرت في الأيام الماضية بين الدول العربية وترامب لإيصال حماس إلى ما أعلنته في بيانها بشكل يحفظ ماء وجهها، ويتيح لترامب اعتبار ما صدر “موافقة كاملة”. وما يدل على أرجحية هذا الاحتمال ما جاء من تقدير من قبل كل من تركيا وقطر ومصرلكل تفاصيل بيان حماس في التعاطي مع خطة ترامب. إنها صفقة وراء الأبواب انتجت بشكل يحفظ ماء وجه كل الطرف. والأهم أنها تعطي ترامب فضل سلام يوقف حرب إبادة، وفضل انهاء صراع الـ 3000 سنة كما يقول ويكرر.
‏أسلوبية ترامب السياسية بين “الصفقة المساومة” وبين “القوة الجحيمية” لا تعبأ بتفاصيل النصوص والاتفاقات، وتركز على (هدف أساس) في أي اتفاق، ولا تهتم بالحشو الحامل لهذا الهدف. وبعد أن كان سائدا أن (الشيطان في التفاصيل) قام ترامب بترك الشيطان يخطف جميع التفاصيل ويذهب بها إلى الجحيم لينتظر أي تعليمات أخرى من سيد اللعبة. العالم اليوم يعيش وفق أسلوبه. وعلى خبراء العلاقات الدولية والقانون الدولي والاستقرار والسلم الدوليين أن يفكروا ماليا بما يفعله هذا “المقاول العقاري” لتحويل عالم السياسة إلى ساحة “مقاولات سياسية”. وعليهم أن يكتشفوا تأثير كل ذلك على التطور الحضاري الإنساني، وعلى النظم الديمقراطية وغير الديمقراطية.
‏المهم أوقف ترامب إبادة وتهجير شعب ومدن وبلدات غزة، بعد سنتين من الجحيم. ومعهم كل الحق الفلسطينيون إذا قالوا أن (سلام وصاية أفضل من حرب إبادة). لأن التاريخ لا يتوقف. وطالما الحياة مستمرة فإن القادم يمكن أن يحمل جديدا ربما فيه بعض الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني. وربما تشهد المنطقة العربية الاستقرار والسلام، وربما ننعم بالازدهار والتنمية، والتوحد الوطني والسلام الاجتماعي. . . . ربما!!!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى