تسخين العلاقات الروسية ـ الإسرائيلية: طموح إلى التنسيق جواً وبحراً.. وبراً
في الوقت الذي تزيد فيه روسيا من حشد قدراتها الجوية في سوريا، أعلن قائد عسكري إسرائيلي أنَّ جيشه لا يرى في نشر بطاريات صواريخ «إس 400» خطراً على إسرائيل. وبعد يوم واحد من إقرار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، للمرة الأولى علناً وبشكل صريح، بتنفيذ عمليات عسكريّة في سوريا، كشف ضابط إسرائيلي النقاب عن «أننا لا نفعل شيئاً في سوريا من دون إطلاع الولايات المتحدة».
وبرغم مخاوف كثيرة أبداها معلّقون عسكريون إسرائيليون من خطر التواجد العسكري الروسي المكثف في سوريا، وخصوصاً نشر منظومة «إس 400» المضادة للطائرات، أعلن قائد كبير في هيئة الأركان الإسرائيلية أنَّ أحداً لم يكن يتخيّل أن تنصب مثل هذه المنظومة في «الباحة الخلفية لإسرائيل»، بحسب تعبيره. وقال أمام مجموعة من المراسلين العسكريين الإسرائيليين، أمس، إنَّ جيشه لا يرى في منظومة الدفاع الجوي الروسية أمراً يمكن أن يشكّل خطراً على إسرائيل.
ويعتبر كلام الضابط هذا استمراراً للسياسة الإسرائيلية المعلنة بمحاولة تجنّب الخلاف مع روسيا وهي السياسة التي أوضحها أمس رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عندما تحدّث عن مخاطر المواجهة أو سوء الفهم مع عملاق مثل روسيا. وأشار الضابط إلى أنَّ «لدينا قلة خبرة في مسألة كالتنسيق مع روسيا، لأنّنا في الغالب ننشغل بمسائل استراتيجية خصوصاً في مواجهة جهات عربية، ولكننا نتعلّم». وأوضح أنَّ هناك علاقة جيدة بين الزعماء الإسرائيليين والروس، وينبغي ترجمة ذلك على الأرض، «ونحن نفهم أنَّ الأحداث التكتيكية أيضاً يمكنها أن تتطوّر إلى شيء ما واسع، ونعمل على منع ذلك. هناك حوار ونحن لا نرى في هذه المنظومة ما يهدّدنا».
وأقر الضابط الإسرائيلي بأنَّه رغم توثيق الصلات بروسيا، سياسياً وعسكرياً، إلَّا أنَّ الجهات المسؤولة في الإدارة الأميركية تطلع بشكل جار على التطورات. وقال «قبل أي شيء، الأميركيون ونحن لا نتحرك في هذا الشأن ولو سنتمتراً واحداً من دون إطلاعهم». ومعروف أنَّ إسرائيل تدير في الآونة الأخيرة حواراً مكثفاً مع الولايات المتحدة بشأن المساعدة العسكرية السنوية التي تنالها إسرائيل. وحتى الآن، تجري المفاوضات بين طواقم عمل على أمل تغيير زيادة المساعدة البالغة ثلاثة مليارات دولار سنوياً. وقال الضابط إنَّ «مشروع ميزانيتنا لم يطرأ عليه تغيير وهو يستند إلى المبلغ الحالي الذي نناله (ثلاثة مليارات) وإذا صار أكثر فإنَّ هذا يعزّز قوتنا».
وللمرة الأولى يتحدث ضابط إسرائيلي بهذا الشكل، ويقول إنَّ التواصل الإسرائيلي – الروسي ليس استثنائياً وهو يجري أيضاً مع كل من مصر والأردن، حيث يوجد تنسيق أمني وثيق، وكذلك مع اليونان التي تجري إسرائيل معها مناورات مشتركة أحياناً. ومعروف أنَّه جرى، أمس الأول، ثالث اجتماع تنسيقي بين ضباط إسرائيليين وروس لتعزيز التعاون بين الجيشين. وأضاف أنَّ «الوزن القيمي للديبلوماسية العسكرية يتزايد وينبغي أن نطور هذه القدرة. وبقدر ما نعرف أكثر، يكون الأمر أفضل للجيش الإسرائيلي».
وبحسب كلامه، فإنَّ «هناك دولاً إذا استثمرنا فيها بمكونات مختلفة، يؤدي ذلك إلى تعزيز أمن إسرائيل، ولدينا علاقات جيدة مع دول وينبغي تحسينها».
وأشارت تقارير صحافية إسرائيلية إلى أنَّ الجيش الإسرائيلي الذي خبر التنسيق الجوي مع القوات الروسية في سوريا، يعمل على زيادة التنسيق ونقله إلى قطاعات أخرى. وكانت دوائر في البحرية الإسرائيلية اشتكت من أنَّ الانتشار الروسي الجوي والبحري، صار يعيق عمل سلاح البحرية الإسرائيلي، ما يتطلب العمل على إيجاد تنسيق مشابه للتنسيق الجوي. ونشر المراسل العسكري لموقع «والا» الإخباري، أمس، تقريراً يقول فيه إنَّ الجيش الإسرائيلي يطالب أيضاً بتنسيق بري مع الروس في سوريا.
وعلى خلفية اللقاء الجديد بين رئيسي أركان الجيشين الإسرائيلي والروسي في تل أبيب أمس الأول، أشيع أنَّ المؤسسة الإسرائيلية سلّمت الروس رسائل تفيد باهتمامها بالتنسيق معهم براً وبحراً. وقد أبلغت إسرائيل روسيا أنَّ الغاية الأساس من التنسيق هي منع الصدام خصوصاً وأنَّ مهمة إسرائيل هي منع نقل أسلحة إلى لبنان والعمل على عدم تجاوز خطوطها الحمر في سوريا.
وكتب المراسل العسكري لـ «والا» أنَّ إسرائيل أفلحت في الحفاظ على علاقات مودة مع الروس من دون التعاون بشكل عملي، وإنَّما عبر التنسيق الهادف لمنع سوء الفهم. ولكنه لم يستبعد في ضوء التوتر القائم بين روسيا وتركيا، أن تستغلّ إسرائيل ذلك لممارسة المزيد من الضغط على إيران و «حزب الله» لمنع نقل أسلحة إلى لبنان.
وبحسب ضابط إسرائيلي، فإنَّ «روسيا اكتشفت أنَّها إذا أبرمت معنا اتّفاقات فإنّها تتحقق. ولهم هنا مصالح مثلما لنا مصالح. وببساطة ينبغي ألَّا نتصادم. فنحن سنواصل عدم التدخل في ما يجري في سوريا. لا شأن لنا بذلك».
وحاول معلّقون قراءة أسباب اندفاع نتنياهو مؤخراً للإقرار بأنَّ الجيش الإسرائيلي يعمل أحياناً في سوريا. ورأى أحدهم أنَّ المسألة تتعلّق بالزخم السياسي القائم. فإسرائيل تنسّق مع روسيا وبوتين امتدح هذا التنسيق، وهذا وقت مناسب خصوصاً أنَّ الاستخبارات الإسرائيلية صارت تكتشف بوتيرة أكبر قوافل أسلحة، الأمر الذي يسمح باستهدافها بنجاعة. وأشار مراسل عسكري إلى أنَّ إسرائيل قرَّرت أن تضرب الحديد وهو ساخن وتستغل الأجواء الجيدة لها مع روسيا وتطالبها بمنع نقل أسلحة من سوريا إلى «حزب الله». وفي هذا الإطار، ليس مستبعداً أن تغضّ روسيا الطرف عن سلاح الجو الإسرائيلي عندما يقرر ضرب أهداف كهذه في سوريا.
غير أن فرحة الكثير من الإسرائيليين بالتنسيق مع روسيا تصطدم أحياناً بتعليقات ومواقف عدد من كبار المعلّقين الإسرائيليين. وهذا ما بدا بوضوح في مقابلة إذاعية مع البروفيسور إيال زيسر المتخصص في الشأن السوري، والذي قال إنَّ «الروس لا يروننا. وأنهم في المرة المقبلة سيطلقون النيران على طائراتنا في الأجواء السورية». وبحسب زيسر، فإنَّ «روسيا هي الأزعر الجديد في الشرق الأوسط، ببساطة لأنَّ أميركا غير موجودة. وروسيا جاءت إلى سوريا وهي توجه الضربات في كل اتجاه، وتعانق حزب الله وإيران. وإسرائيل تأتي وتقول: نحن لا نريد مشاكل معكم، هيا ننسق بيننا. هذا هو جوهر تسخين العلاقات». وأكد زيسر أنَّ «الروس لا يروننا. ونحن لا نعنيهم. وقد جاؤوا من أجل مصالحهم التي جزئياً تتناقض مع مصالحنا، وعلينا قول ذلك علناً. نحن نمسح البصاق، ونفهم أنه لا يجدر بنا التورط ولا الدخول في مواجهة، ونطالب بتقليص الضرر. هذا ما نسميه تسخين العلاقات».
صحيفة السفير اللبنانية