تسريبات أمريكية تكشف عن بعض جوانب صفقة المصالحة السعودية القطرية ولكنها لا تجيب عن معظم علامات الاستفهام..
بدد الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي الكثير من الشكوك حول جهود المصالحة الخليجية المبذولة حاليا وتؤكد العديد من التسريبات بأنها باتت وشيكة، عندما قال في تصريح مقتضب لوكالة الصحافة الفرنسية “ان جميع الأطراف المعنية ستكون مشتركة في الحل النهائي، وان بلاده تتعاون مع شركائها، ونرى احتمالات إيجابية”.
الأمير بن فرحان يتحدث هنا عن “شركاء” بلاده الثلاثة في التحالف المقاطع لقطر في الازمة الخليجية، أي مصر والامارات والبحرين، ولكن هذا التصريح لم يجد أي صدى في الدول الثلاث التي تلتزم الصمت تجاه هذه المسألة، ولم تشملها جولة جاريد كوشنر “عراب” هذه المصالحة التي اقتصرت، والوفد المرافق له، على الرياض والدوحة فقط.
ما يزيد من حالة “الغموض” حول هذه المسألة انه لم يصدر حتى الآن، سواء من العراب كوشنر، او المسؤولين في العاصمتين اللتين زارهما أي معلومات حول عناصر هذه المصالحة، ومبررات حالة التفاؤل بقرب التوصل للحل النهائي المأمول لهذه الازمة المستمرة منذ ثلاث سنوات، وكل ما نسمعه، ونقرأه، ومعنا المواطنين في الدول الأربع المعنية، بيانات الترحيب والاشادة، ولكن على ماذا هذا الترحيب، ووفق أي أسس فان التكتم المطلق هو الجواب.
صحيح ان هناك “هدنة” إعلامية، وخاصة في أجهزة الاعلام السعودية والقطرية، جرى رصدها في الأيام الثلاثة الماضية، ولكننا كمراقبين لم نلحظ وجود أي اتصالات مباشرة، او غير مباشرة، بين المسؤولين في الرياض والدوحة، ناهيك عن مثيلاتها في القاهرة وأبو طبي والمنامة.
محطة تلفزيون “NBC” الامريكية قالت في تقرير اخباري لمراسليها في بيروت وواشنطن “ان صفقة المصالحة تقوم على أسس التوصل الى اتفاق بين السعودية وقطر ينص على ان تفتح السعودية اجواءها امام الطيران القطري التجاري، وفي المقابل تسقط دولة قطر دعوى قضائية رفعتها ضد هذا الاغلاق امام المحاكم الامريكية والعالمية لرفعه أولا ودفع تعويضات عن الضرر الذي وقع بسببه”.
ربما تكون المعلومات الواردة في هذا التقرير الذي قالت المحطة ان ثلاثة مصادر أمريكية رسمية أكدته، اقرب الى الصحة، ولكنها ليست كافية وحدها لتحقيق الاختراق الكبير الذي يبشر به المسؤولون الكويتيون والسعوديون والقطريون بالنظر الى حجم الازمة وتبعاتها، وما اريق خلال سنواتها الثلاث من اخبار وحملات إعلامية متبادلة وصلت الى درجة الخوض المتبادل في الاعراض.
هناك 13 شرطا طالبت الدول الأربع المُقاطِعة دولة قطر بضرورة تلبيتها قبل الحديث عن أي مصالحة، ابرزها اغلاق قناة “الجزيرة” والعديد من المنابر ومراكز الأبحاث القطرية، وفك الارتباط بشكل نهائي مع حركة “الاخوان المسلمين”، والمعارضات الخليجية المُتهمة قطر بدعمها وايوائها، علاوة على تفكيك القاعدة التركية العسكرية في الدوحة، ومن هنا فإن السؤال المطروح بإلحاح حاليا عما اذا جرى التجاوب مع هذه الشروط التي قالت قطر انها تتعارض مع سيادتها، جزئيا او كليا.
النقطة الأخرى المهمة، هي توقيت هذه المصالحة، وما يمكن ان يترتب عليها في حال تثبيتها من خطوات سياسية وعسكرية واجتماعية واقتصادية، فهل تأتي في اطار الحلف الذي تريد إدارة ترامب تأسيسه في اطار استعداداتها لتوجيه ضربات إسرائيلية أمريكية مشتركة لمنشآت نووية، وبنى تحتية إيرانية، ام انها مقدمة لتطبيع جماعي لمجلس التعاون الخليجي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي؟
الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري حرص منذ اللحظة الأولى لمغادرة كوشنر الدوحة مساء الأربعاء على التأكيد ان هذه المصالحة لا علاقة لها بالتطبيع واتفاقاته، بينما قال نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود ان اتفاقات التطبيع التي وقعتها الامارات والبحرين منعت ضم الضفة الغربية وغور الأردن، مؤكدا مجددا ان بلاده تريد حلا للقضية الفلسطينية على أساس مبادرة السلام العربية.
كل ما تقدم من تصريحات يصب في خانة “العموميات”، والابتعاد عن الهدف الحقيقي، والمسكوت عنه في جهود المصالحة الحالية، الامر الذي أثار العديد من التساؤلات في أوساط المراقبين في المنطقة ونحن من بينهم.
الاتصال الهاتفي الذي اجراه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم الجمعة ربما يكون على درجة كبيرة من الأهمية، فقد كان الموقف المصري المعارض لاي تدخل في الشأن الإيراني، والنأي عن النفس عن أي مخططات لتوجيه ضربات عسكرية لطهران لافتا، ومن غير المستبعد ان يكون الرئيس ترامب حاول اقناع القيادة المصرية بتغيير هذا الموقف والقاء الضوء على دوافع ارسال صهره الى السعودية وقطر لتسريع هذه المصالحة.
الرئيس ترامب المهزوم، والمغادر للسلطة بعد ستة أسابيع تقريبا، يستطيع ان يهدد حكومات دول الخليج لما عُرف عنه من أساليب البلطجة والابتزاز، بل وحتى تغيير الأنظمة، من خلال قواعده العسكرية وحاملات طائراته واساطيله المرابطة في الخليج، ولكنه لا يستطيع فعل الشيء نفسه مع مصر، او هكذا يعتقد الكثير من المراقبين، لذلك موقف مصر من هذه المصالحة سيكون حاسما.
نحن في هذه الصحيفة “راي اليوم”، وحتى لا يساء فهمنا كالعادة، نؤكد ترحيبنا بأي مصالحة تؤدي الى التقارب بين الدول العربية، وتزيل الخلافات ويكون جوهرها خدمة شعوبها وقضايا الامة الرئيسية في الاستقرار والتعايش، والنمو الاقتصادي، والإصلاحات السياسية، واحترام حقوق الانسان، فالشعوب الخليجية هي التي دفعت وتدفع ثمنا غاليا من جراء هذه الازمة وما يترتب عليها من آلام وخسائر وتفريق بين أبناء الاسرة الواحدة.
سنظل نراقب التطورات في هذا الملف، انطلاقا من واجبنا المهني، والوطني، ولا بد ان الأيام المقبلة ستكشف العديد من الحقائق، وتجيب على الكثير من علامات الاستفهام التي قفزت في الفترة الأخيرة حول جولة كوشنر المريبة وأهدافها الحقيقية.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية