تنافس أميركي – روسي على القوى الكردية
تعمل واشنطن، منذ مطلع العام الجاري، على قيادة مشروع لإعادة هيكلة المعارضة السورية، من بوّابة الحوار الكردي – الكردي. حوارٌ يهدف إلى تأسيس منصّة معارِضة لشمال سوريا وشرقها، تُشكّل نواةً لمنصّة أوسع تشمل تيّارات في الداخل والخارج. وعلى رغم الضغوط التي تمارسها واشنطن على طرفَي الحوار الكرديَّين، وآخرها زيارة المبعوث الأميركي، جيمس جيفري، لمنطقة شرقي الفرات، ورعاية ممثلين عن وزارة الخارجية الأميركية لجلسات الحوار، إلّا أن الأطراف المشاركة في جولة المفاوضات الثالثة، والتي انطلقت يوم السبت الفائت، لم يتمكّنوا بعد من إحداث خرق يؤسّس لاتفاق شامل، في ظلّ الحديث عن خلافات واسعة تتعلّق بالملفات الخاصّة بالهيكلية الإدارية والعسكرية والتعليم.
الجولة الثالثة تبدو الأصعب؛ لكونها تناقش ملفّات حسّاسة، كالتجنيد الإجباري، ومشاركة “المجلس الوطني” الكردي في “الإدارة الذاتية”، ودمج “بشمركة روج أفا” مع “قسد”، بالإضافة إلى المناهج التعليمية غير المعترَف بها محلياً ودولياً. وفي وقت تؤكد فيه بعض الأطراف الكردية صعوبة التوصّل إلى اتفاق شامل، تلفت مصادر “الأخبار” إلى أن “واشنطن مستمرّة في الضغط للوصول إلى اتفاق شامل، وتوحيد الأكراد ضمن منصّة سياسية واحدة”، وسط “صعوبات كبيرة يواجهها ممثّلون عن الخارجية الأميركية في تقريب وجهات النظر بين الطرَفين”. كذلك، تُواجه المفاوضات تحدّيَ رفض حزبَي “التقدّمي” و”الوحدة” الكرديَّين الانخراط فيها، احتجاجاً على الآلية المعتمدة للتفاوض، ما من شأنه أن يعكّر “الإجماع الكردي”، حتى في حالة نجاح المفاوضات. وعلى رغم إبداء القائد العام لـ”قسد”، مظلوم عبدي، تفاؤلاً إزاء مسار التفاوض “الإيجابي”، إلا أنه أقرّ بأنه “يسير ببطء”، مستدركاً بأنه “على يقين من أن الوحدة الوطنية الكردية ستتحقّق”. وتوازياً مع جلسات الحوار المنعقدة، يعمل “مجلس سوريا الديموقراطية” على عقد ندوات حوارية في مناطق سيطرته، بهدف التأسيس لعقد مؤتمر يشمل جميع القوى السياسية المعارضة في المنطقة”، يستند إلى مخرجات الندوات الحوارية التي نظّمها في عدد من مدن ومناطق المنطقة”، بحسب نائب رئيس الهيئة التنفيذية لـ”مسد” (الجناح السياسي لـ”قسد”)، حكمت حبيب.
وقوبلت المساعي الأميركية في شمال سوريا وشرقها بحراكٍ سياسي روسي، تُرجم من خلال رعاية وزارة الخارجية الروسية لاتفاق سياسي بين “مسد” و”منصّة موسكو”، التي يتزعّمها المعارض السوري قدري جميل. وتخشى موسكو مخاوف من أن تُشجّع قيادة واشنطن مساعي توحيد القوى الكردية في منصّة سياسية واحدة، على الإعلان عن خطوة انفصالية في الشمال. مخاوف عبّر عنها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بالقول إن “المشكلة الكردية قد تنفجر بسبب الإجراءات الأميركية”، متّهماً الأميركيين بـ”تشكيل حكم ذاتي كردي شمال سوريا، ستكون له وظائف شبه دولة”، كاشفاً عن “مساعٍ أميركية لإقناع الأتراك حتى لا يمانعوا ذلك”.
من هنا، فُهم التحرُّك الروسي نحو “الإدارة الذاتية” الكردية بأنه محاولة لسحب الورقة الكردية من يد واشنطن، من خلال العمل على دمج الواجهة السياسية للأكراد “مسد”، مع “منصّة موسكو” التي ترعاها روسيا، ومحاولة التأثير على الأولى سياسياً، وإقناعها بخفض مستوى التنسيق مع واشنطن. تلا ذلك تحرّكٌ مماثل على خطّ “المجلس الوطني” الكردي، من خلال استقبال الخارجية الروسية وفداً سياسياً من تحالف “جبهة السلام والحرية”، المشكّل حديثاً من “المجلس الكردي”، و”تيار الغد”، و”الحزب الآثوري”.
وتهدف التحرّكات الروسية إلى إحداث تأثير في بنية التيارات والأحزاب السياسية الناشطة في الشمال والشرق، لجرّها نحو مفاوضات مباشرة مع الحكومة السورية، وإفشال مخطّطات واشنطن لتأسيس معارضة سورية تعمل تحت إمرتها. وتبدي موسكو جدّية في رعاية مفاوضات فاعلة بين الأكراد من جهة، والحكومة السورية من جهة أخرى، بهدف تمكين دمشق من الوصول إلى مناطق انتشار النفط والغاز، والحدّ من تأثيرات “قانون قيصر”. مع ذلك، لا تزال القوى الكردية تتمسّك بخيار التحالف مع واشنطن، إلا أنها لا تمانع التنسيق مع موسكو لإنجاز اتفاق مع دمشق على أساس “النفط والقمح مقابل اعتراف دمشق بالإدارة الذاتية”، وفق تصريحات نُسبت إلى مسؤولين بارزين في “الإدارة الذاتية”.
في هذا السياق، يعلّق مصدر كردي مطّلع على مسار التحرّكات الروسية والأميركية بالقول إن “الأكراد يرَون في الروس حليفاً وثيقاً لدمشق، ويريدون استثمار التأثير الروسي على الحكومة السورية، للحصول على تنازلات سياسية تؤسّس لتفاهم واتفاق مع الجانب الحكومي”. ويرى المصدر، في حديث إلى “الأخبار”، أن “وجود الأميركيين في المنطقة يشكّل عامل ضغط على الروس ودمشق، للقبول بتسوية سياسية شاملة”، لأنه “لولا الوجود الأميركي في الشرق السوري، لساعدت موسكو دمشق في إعادة هيمنتها على المنطقة بالقوّة”. من هنا، يشير إلى أن “الأكراد يدركون أن بقاء واشنطن في المنطقة ليس أبدياً، وأن موسكو هي القوّة الدولية الفاعلة في الملف السوري، لذلك ينسّقون مع الطرفين، لتحقيق أكبر مكاسب سياسية ممكنة”. ويؤكد المصدر أن “واشنطن تريد التأسيس لمعارضة جديدة عمودها الرئيس الأكراد، لتفعيل خطوات الحلّ السياسي من خلال الحوار بين الحكومة والمعارضة برعاية دولية”، في ظلّ “عدم وجود أيّ نيّات أميركية لإسقاط النظام السوري”، إذ إن الحراك الأميركي “يهدف إلى دفع دمشق نحو تقديم تنازلات سياسية في عدّة ملفات”.
صحيفة الاخبار اللبنانية