
عندي صديق قريب إلى روحي وقلبي ومنذ وقت طويل وإلى الآن كلما التقينا وجلسنا معاً وبعد السؤال عن الحال والأحوال، نتطرق إلى الأحداث الجارية، وعندها يقول جملته الشهيرة: ” مناطحة ثيران فوق الجاموقة”
كان يرددها هكذا بكل بساطة وكأنه ذلك الخبير العارف ببواطن الأمور ويريد من خلالها تحليل كل شيء، وكثيراُ ما تركني مرهوناً ومأخوذاً أفكر في جملته تلك، وأقول بيني وبيني أن ذلك الصراع وأقصد “مناطحة الثيران” لن ينتج عنه سوى تعكير الماء وقتل ما يمكن أن تدوسه الثيران من الضفادع، والذي يحاول أن ينجو منها ويقفز هارباً، قد تلتقطه سائبة ما وتلتهمه، أو يميته ويقتله جفاف التراب خارج بيئته.
ولأمانة الحديث وكي لا يعتب أو يغضب صديقي” باسم” فالكلمة الأخيرة من عندي، وهو لا يقول كلمة “الجاموقة” بل المستنقع، وأعتقد غير جازم أن “الجاموقة أو الجماقة” الدارجة في بعض اللهجات هي تلك البقعة الصغيرة من الأرض والتي يغلب فيها الطين على الماء، والعكس صحيح بطبيعة الحال. بالنسبة للمستنقع.
أظن أن المثال السابق لا يخدم كثيراً مسألة الحرب الأهلية، التي تتفاوت في ضراوتها وتسمياتها بدءاً مما جرى في لبنان ذات يوم ومن ثم العراق واليمن وليبيا وليس انتهاءً بما جرى في سوريا في الآونة الأخيرة، وظني ذاك يرتبط بتلك الرؤية التي تغيرت، لأن ثيران المستنقع لم تعد تريد النطاح وحسب كما في السابق،وهي تقف عند حافة المستنقع ، وربما تفكر في تجفيفه والاستيلاء عليه والاستفادة منه واستخراج ما في داخله، ولشدة الذكاء الذي تتمتع به اليوم، فهي قد تأتي بمن يتقاتلون لتبرر وجودها الدائم.
زبدة الحديث ومفاده يتمثل بأن القتلى الذين يقعون نتيجة الصراع قد يكونون من الأهل والأصدقاء والأحبة ومن هذا الحي أو الحي المجاور وقد تربطهم أو ربطتهم وانتهى الأمر علاقات القربى والنسب والعيش المشترك وغيرها الكثير من جوامع الحياة، وحين تدور طاحونة الحرب الأهلية اللعينة، فهي لن توفر من يقدم إليها ، وقوتها قد تفوق أكثر من قنبلة نووية، فهي لا تبقي ولا تذر، وحروب الأهل، هي من أمر أنواع الحروب، وهناك من يعتبر أن كل حرب، هي حرب أهلية، لأن البشر إخوة بطبيعة الحال، وجهات عدة لا ترتضي ولا تقبل أن تخمد نارها، وثمن الحرب لم يكن رخيصاً في يوم ما، وهي تدل على فشل الإنسان في الحوار مع أخيه الإنسان.والحرب كما قيل:” نجس بلا فلسفات مثقفين وبلا وجع رأس.هي قذارة وليس غير”
بعد انتهاء الحرب وحلول السلام يجتمع الكاتب مع الناشر في رواية الشاطئ لمؤلفها”يوري بونداريف” وقد كان كل واحد منهما يخوض غمارها واكتشفا أنهما كانا قبالة بعضهما على الجبهة ذاتها ولذلك يقول الناشر ومن باب المجاملة:” لو كنت أعرف أنك على الضفة الأخرى للنهر ما كنت لأطلق عليك النار” لكن الكاتب أكثر جرأة حين يقول بكل صراحة: ” بل كنت ستفعل، وأنا كذلك”.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر