جلسة نسائية
تتلهى النساء بقشور الكلام ، الجلسة النسائية هي فسحة للثرثرة والفضفضة والبوح النسائي ! أتساءل من أين تأتي النساء بالكلام ؟!
خرجتْ من المطبخ ويداها مرفوعتان ،عليهما آثار معركة الطبخ، جلستْ مع جارتها تلف ورق العنب ، وضعت حواسها الخمس كلها في خدمة لسانها، تخشى أن تُصاب عضلات لسانها بالضمور كاللواتي يصبن بتآكل المفاصل والفقرات وبترقق العظام وبتساقط الشعر أثناء الحمل، فاللسان لديها لا يتذوق فحسب بل: يرى ويسمع ويشتم ويلمس ويشم ويطحن الأحداث ويعجنها بعد أن يضيف إليها اللعاب ويحيلها إلى كلمات تأخذ طريقها إلى أذن جارتها !
اشتعلت حرب الاستغابة والقيل والقال ونبش كل الحكايات وسرد كل مآسي النساء في هذا الكون ، الألسنة حبلى بالحكايات والأحاديث السرية الطويلة بحرية عن عوالم البشر في هذا الكون..زواج وطلاق وفضائح وحبل وعقم و…فلانة حلوة ، فلانة كبرت ،فلانة عشقت ، فلانة تطُلّقت ، فلانة فاتنة تنصب الشباك للرجال ، فلانة حردت ، فلانة عادت إلى بيت زوجها بعد أن عقلت وعرفت ألا بيت للمرأة إلا بيت زوجها ، فلانة ولدت ، فلانة عاقر، فلانة حبلت بعد فترة طويلة من زواجها ، فلانة أحست بأن قطار الزواج قد فاتها ولجأت تبحث عنه في قعر فنجان القهوة بالتنجيم ، فلانة غضبت من زوجها وحردت ورفضت كل وساطة ، أمروها بخلع ملابسها فهرعت نحو زوجها وهي تستجير (استرني ) ! بنت فلان بعدما خطبت، قالوا لخطيبها دعها وتزوج بأخرى مغمضة ! لم تبق امرأة أو فتاة في الحارة أو شوارع المدينة إلا تكلمتا عنها ! بقي لديهما الكثير من الحكايات والقصص التي لم تستهلكا منه شيئاً !
أتساءل في نفسي ، كيف يمكن للمرأة أن تبلع كل هذه الكلمات؟ وهل تستطيع المعدة لديها أن تهضم هذا الكم الهائل من المفردات دون أن تصاب بالمرض؟
لو قمنا بغربلة أحاديث النساء وكلامهن ، لأدركنا أن نصفها مبالغ فيه ، وربعها من تأليفهن ، أما الربع المتبقي فقد يكون حقيقياً ! نأتي إلى بيت القصيد فالحديث عن الزوج هو الملعب الذي تتقاذف فيه السيدات مبالغاتهن للتباهي ولملء مساحات النقص التي تعانيها الزوجة تجاه علاقتها الزوجية ، وأيضاً لملء الفراغ العاطفي لديها ، فالزوج هو الوتر الذي تعزف عليه الزوجة للتباهي والمغالاة ، وهذه بعض الأحاديث المبالغ فيها والتي تُكثر النساء من تناقلها :
• زوجي يقول لي اتركي العمل أنا لست بحاجة إلى راتبك .
• زوجي لا يتأخر في تلبية أي طلب لي ،زوجي خاتم بإصبعي .
• زوجي يحب الطبخ من تحت إيدي.
• زوجي يغار عليّ ، وأنها بطلة من بطلات الحكايات الغرامية .
• زوجي يشاركني في كل كبيرة أو صغيرة ، ودائماً يعمل بمشورتي .
• أشعر بأنني محسودة من جميع الناس على عيشتي .
• أي شخص يراني يعطيني عمراً أصغر بكثير من عمري الحقيقي .
• أنا مهووسة بالنظافة في منزلي .
أما إذا كانت الزوجة في بعض أطوارها العاصفة المعتادة ،فتبدأ بتفريغ محتويات قلبها وأحشائها وأحزانها وشلل حكاياتها ، وتزرف الدموع، وتندم على حياتها فكلها خلاف معه ،وتلعن تلك الساعة التي تزوجته ، فهي لم تعرف طعم السعادة معه، ولا يحدثها ولا يسمع لها، وبأنه بخيل ولا يلبي طلباتها، ثم تنعت زوجها بوابل من الألقاب والشتائم ، وتنزل اللعنات عليه ، وتتمنى له الموت والأذى والعاهات المستديمة ،وتنسى كل الأيام واللحظات السعيدة ، وحين تسمع صوته أو صوت سيارته إن كان يمتلكها، فإنها تلملم شتاتها وتملّس شعرها وأطراف ثوبها، وتحمل ابتسامتها وتستقبله بشوق ولهفة وعيون مسبلة وبكامل أنوثتها ! وإذا حدث وتطلقّت أو ترملّت أو تزوج عليها، صاحت وناحت وملأت الدنيا بكاء وعويلاً !
معذرة.. لا أستطيع أن أكتب كل ما هو متحرك تحت ألسنة النساء! لذلك سأطوي دفتري، وأنهي صفحتي قبل أن تجفّ أقلامي وتنفد أوراقي!